ت. المساجد والثيوقراطية :
لا يوجدُ في الإسلام رهبنةٌ، وليست المساجدُ مثلَ الكنائس المُنظَّمة، قديماً لم يكنْ في المساجد إمامٌ موظَّفٌ ولا مُؤذِّنٌ، فقد كان يُؤذِّنُ للصَّلاة مَنْ يُمكنُه ذلك، ويؤمُّ الجماعةَ شخصٌ أهلٌ للإمامةِ من الحاضرين، وكذلك الحالُ في صلاة الجمعة، إلَّا أنَّها تختلفُ عن بقيَّة الصَّلوات لاجتماعِ عددٍ كبيرٍ من المُصلِّين، وحتَّى لا تُصبحَ خُطبةُ الجُمعة محلَّاً للتنافس على القيادة والتأثير، اشتَرَطَ المذهبُ الحنفيُّ تفويضَ السُّلطان كشرطٍ في إقامة الجُمعة لتجنُّب فتنةٍ قد تحدث، ولمَّا تقدَّمَ الزَّمانُ تمَّ إحداثُ توظيفِ الأئمَّة والمُؤذنين والقيِّمين، وذلك لغرض رفع الأذان للصَّلوات في أوقاتِها المُحدَّدةِ وصيانة المساجد وحماية ما فيها من الأغراض والمحافظة على نظافتها.
الإنسانُ لا يحتاجُ إلى مؤسَّسةٍ دينيَّةٍ لتقبَلَ إسلامَه أو تُصادقَ على أنَّه أصبَح مسلماً، لأنَّه حُرٌّ في قبول الإسلام أو رفضه، كما أنَّه ليس بحاجةٍ إلى احتفالٍ بمناسبة إسلامه كاحتفال التَّعميد في الدِّيانة النَّصرانيَّة، ذلك أنَّه لا يوجدُ في الإسلام مَنْ ينوبُ عن الله تعالى، وقد بيَّنَ اللهُ تعالى طريقةَ إسلام المرء، حيثُ لا يُمكنُ لأحدٍ التدخُّلُ في ذلك مهما كانت صفتُه؛ لأنَّ الدِّينَ هو الإيمان، وأصلُ الإيمان القبولُ من القلب أي التَّصديقُ بالقلب، ولا يَعرفُ ما في القلبِ إلَّا اللهُ تعالى وصاحبُ القلب.
كما نعلمُ فإنَّ الإنسانَ حُرٌّ فيما يعتقدُ بقلبه، وعلى ذلك لا يُمكنُ الإكراهُ في العقيدة. قالَ اللهُ تعالى في كتابه الكريم: « لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (البقرة، 2 / 256).
يُعتَبَرُ عُلماءُ الدِّين في الإسلام أهلَ اختصاصٍ بعلوم الدِّين، وليسوا زعماءَ روحانييِّن، وليس لهم أيُّ سُلطةٍ على عقائد النَّاس، فليسَ في الإسلامِ سُلطةٌ لمنظَّمةٍ دينيَّةٍ يرأسُها رجالُ دينٍ كحال الكنيسة في الدِّيانة النَّصرانيَّة.
أضف تعليقا