5. الوقوفُ ضدَّ الخطأ :
قال اللهُ تعالى: «وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا» (النساء، 3 / 104).
ونضربُ فرعونَ مصرَ مثالاً على الحاكم المُستبدِّ الظَّالم، فقد أنشَأَ مملكةً قويَّةً، واستخفَّ قومَه فأطاعوه، واستعبدَهم تبعاً لذلك، وقد ذَكَرَ اللهُ تعالى أمرَ فرعون وما كان عليه من طُغيانٍ وضلالٍ، فقال: «وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ؛ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ» (هود، 11 / 96-97). والنَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعلِّمُ أصحابَه عدمَ الرُّضوخ للحكَّام الظَّالمين، بل يجبُ جهادُهم بكلمة الحقِّ حتَّى يعودوا للرُّشد، فقد رُوِيَ أنَّ رجلاً سألَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وقد وَضَعَ رجلَه في الغرز: أيُّ الجهاد أفضل؟ قال: «كلمةُ حقٍّ عند سُلطانٍ جائرٍ».[1]
أمَّا النِّظامُ الثُّيوقراطيُّ فقد ذهَبَ إلى تقديس ظُلم الحُكَّام بالزعم أنَّه من الله تعالى ليُعاقبَ النَّاسَ على ذنوبهم، وهذا النِّظامُ يَعتبِرُ قولَ كلمة الحقِّ عند سُلطانٍ جائرٍ إثماً لأنَّ الثيوقراطيَّةَ ترى أنَّ الحاكمَ على صوابٍ في كلِّ ما يفعل، فلا يجوزُ الخروجُ عليه. يقول جون كالفين: “وجميعُ الحُكَّام مهما كانت طبائعُهم يستحقُّون هذا التَّعظيمَ والاحترامَ والولاء (ولاء التَّديُّن)… وربَّما تقول: نفهمُ ممَّا سَبَقَ أنَّ التَّعظيمَ والاحترامَ لمَنْ يعدِلُ من الحُكَّام؛ ولكنَّكَ مخطئٌ في كلامك؛ ذلك لو أنَّا لاقينا الاضطهادَ من الظَّالم، أو نَهَبَ أموالَنا المُترفون الجشعون أو أهملَنَا الكُسالى من الحُكَّام أو أُوذينا من وُلاة العهد مع أنَّنا أبرياءٌ فلنتذكَّرْ أنَّ كلَّ ذلك بسبب ذنوبنا؛ لأنَّه لا شكَّ أنَّ الإلهَ أرادَ أن يُعاقبَنا بسبب سيِّئاتنا تلك، وإيمانُنا بهذا الفكر يجعلُنا نصبرُ على طاعة المُلوك بالرَّغم من إيذائهم إيَّانا، وإذا علِمنَا أنَّ إصلاحَ تلك السَّيئات ليسَ واجباً ، فما علينا إلَّا أن نستعينَ بالإله الذي بيده قلوبُ جميع الملوك”.[2]
وما عرفناه من تعاليم القُرآن الكريم أنَّ كونَ الشَّخص في مقام الحُكم لا يعني ذلك أنَّه معصومٌ أو أنَّ سلوكَه سيكونُ حتماٌ موافقاٌ للمبادئ التي جاء بها القرآنُ الكريم. بل إنَّ المُخطِئَ يلقى جزاءَه من أيِّ صنفٍ كان. وقد حكى لنا القرآنُ حالَ فرعون مع قومه وموقفَ موسى عليه السَّلام من ذلك: «وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ؛ أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ» (الزخرف، 43 / 51، 52)؛ «وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ؛ وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ» (غافر، 40 / 26، 27). لقد قامَ موسى عليه السَّلام بإنذار فرعون بما أوحى اللهُ إليه، ولكنَّ فرعونَ ازدادَ طُغياناً، وهذا يدُلُّ على وجوب العمل لمنع الظُّلم بقدر الإمكان بعيداً عن التَّحريض السِّياسيِّ، ولكنَّ النِّظامَ الثيوقراطيَّ لا يقبلُ بهذا.
أضف تعليقا