حول مفهوم الثَّيوقراطيَّة
يقولُ المُفكِّران المسيحيَّان جون كالفين وستيفانوس جونيوس بروتوس إنَّ الدِّيانةَ النَّصرانيَّة تأمُرُ بالثيوقراطيَّة.
أ. تأويلات جون كالفين للثيوقراطيَّة :
يقولُ كالفين في تفسير ما وَرَدَ في الكتاب المُقدَّس من الأمر بالثيوقراطيَّة: “وحين قالَ بطرس: “أَكْرِمُوا الْمَلِكَ.”[1] وسليمانُ لابنه: ” يَا ابْنِي، اخْشَ الرَّبَّ وَالْمَلِكَ. لاَ تُخَالِطِ الْمُتَقَلِّبِينَ.[2] كانا يطلبان منَّا شيئاً. فالأوَّلُ يقصدُ الاحترامَ الحقيقيَّ النَّابعَ من القلب مع التعظيم؛ أمَّا الثَّاني فقد ذَكَرَ الملك مع الإله وهذا يدلُّ على أنَّ الإله قد أعطى الملكَ نوعاً من التَّقديس والمجد. وينبغي أن لا ننسى أمرَ بولس الرَّسول، وهو يعني بقوله: ” لِذلِكَ يَلْزَمُ أَنْ يُخْضَعَ لَهُ، لَيْسَ بِسَبَبِ الْغَضَبِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا بِسَبَبِ الضَّمِيرِ.”[3] أنَّ طاعة الملوك وأولياء العهد والحُكَّام ليس بسبب الخوف منهم بل لا بُدَّ من المعرفة أنَّ طاعتَهم طاعةٌ للإله لأنَّ المُلوكَ وأولياءَ العَهد والحُكَّام يستمدُّون حُكمَهم من الإله. يقول بولس: “لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ.” لأنَّ مَنْ خَالفَ الحُكَّامَ فقد خَالفَ ترتيب الإله.
فليعرفِ الكُلُّ أنَّه لا تتحقَّقُ مخالفةُ الحُكَّام إلَّا بُمخالفة الإله، فالحاكم لا ينتقمُ ممَّنْ يُقلِّلُ شأنَه لأنَّه منزوعُ السِّلاح، ولكنَّ الإلهَ مُسلَّحٌ فهو ينتقمُ ممَّنْ يُقلِّلُ شأنَ الحاكم، وأرى أنَّ كلمة “الطَّاعة” تعني: أنَّه لا ينبغي لأيِّ فردٍ من أفراد المجتمع أن يرى في نفسه سُلطةً فيما يتعلَّقُ بعامَّة النَّاس، وأن لا يتدخَّلَ في شؤون الدَّولة والأمور المختصَّةِ بالحُكَّام، أي لا حقَّ لأفرادِ المُجتمع بالتدخُّلِ في الشُّؤون الاجتماعيَّةِ العامَّة والإداريَّة.
إذا كانَ في النِّظام العامِّ ما يلزمُ إصلاحُه، فصاحبُ السُّلطة الوحيدة في هذا المجال هو الحاكمُ وحده، ولا ينبغي لأحدٍ من أفراد المجتمع أن يتدخَّلَ فيما ليس من وظيفته لئلَّا تحدُثَ اضطراباتٌ، أعني أنَّه لا ينبغي لأحدٍ أن يقومَ بأمرٍ إلَّا إذا أُمِرَ به، فإذا أَمَرَه الحاكمُ أصبحَ مسؤولاً مُصرَّحاً له بشكلٍ رسميٍّ.
إنَّ الحُكَّامَ الذين يحكمون وفقاً للمصلحة العامَّة يُمثِّلون حقيقةً سيادةَ الإله، وكذلك فإنَّ الظَّالمين والمُستبدِّين من الحكَّام فهم مبعوثون من الإله لمعاقبة النَّاس بسبب ذنوبهم، ومع ذلك فإنَّ لهم جلالةً مُقدَّسةً تدلُّ على أنَّهم يستمدُّون سلطتَهم المشروعةَ من الإله.
وإذا كان الشَّخصُ من المسؤولين في الدَّولة فقد زوَّده الإلهُ بالسُّلطة المُقدَّسة الرائعة التي أودعها إلى وزراء عدله وقضائه بأمرٍ منه، وحتَّى لو كان ذلك الشَّحصُ أسوأَ شخصٍ وخالياً من المجد والكرم، فإنَّه يستحقُّ التَّعظيمَ والاحترامَ من الشَّعب مثل المُقسطين من الحكَّام؛ ومهما كانتْ طبائعُهم فإنَّهم يستحقُّون هذا التَّعظيم والاحترامَ لأنَّ الولاءَ لهم ولاءٌ للدِّين.
ليس علينا أن نُعالجَ المفاسدَ الظَّاهرة، كلُّ ما هو علينا أن نستعينَ بالإله الذي بيده قلوبُ جميع الملوك”.[4]
ب. تأويلات ستيفان جينيوس بروتوس للثيوقراطيَّة :
يقول بروتوس في تأويل الثيوقراطيَّة: “الكتابُ المُقدَّسُ يحكم بسلطة الإله نفسه، ويحكُمُ الملوكُ بسلطةٍ استمدُّوها من الإله لأنَّ السُّلطةَ الأصليَّةَ للإله، والملوك هم المُمثِّلون للإله.[5] و المَلِكُ يستمدُّ سُلطتَه من الربِّ الإله ملك الملوك، يستمدُّ المَلِكُ السُّلطةَ من الإله لينشرَ عدلَه ويحميَ شعبَه من أعدائه.
نحن نقرأُ نوعين من العهود في لبس الملوك التاج؛ الأوَّل: بين الإله والملِك والشَّعب ليكونَ الشَّعبُ شعباً لله. والثاني: ما يكون بين الملك والشَّعب ليكون الشَّعبُ صادقاً في الطَّاعة والملكُ عادلاً في الحكم”.[6]
[1] رِسَالَةُ بُطْرُسَ الرَّسُولِ الأُولَى، الأصحَاحُ الثَّانِي، 13 – 17
[2] الأصحَاحُ الرَّابعُ وَالْعِشرُونَ 21
[3] رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، الأصحَاحُ الثَّالِثُ عَشَرَ 1-5
[4] جون كالفين، مؤسَّسة الدِّيانة النصرانيَّة، الكتاب 4، الباب 20 على إدارة الدَّولة.
[5] ستيفان جينيوس بروتوس تاريخ الفكر في الغرب، الطبعة الثانية، أنقرة، 1969. ص. 62
[6] المرجع السَّابق، ص. 63
أضف تعليقا