العبودية لله وحده
بالأمس لم يكن أحدنا شيئا مذكورا ، وغدا سنغادر هذه الدنيا كلٌ بعمله، وفي الآخرة سنقف بين يدي خالقنا، وسيقال لنا: «وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ» (الأنعام، 6 / 94).
العاقل يعبد الله وحده، ويستفد مما أنعم الله عليه، وفوق هذا يفوز في الآخرة. إن عبادة غير الله تعالى تورث الذل في الدنيا والندامة في الآخرة، لذا أنذر الأنبياءُ الناسَ من عبادة غير الله تعالى.
معنى العبادة في اللغة الطاعة. والطاعة تعني الإنقياد والإتباع، وغالبا تستعمل في إمتثال الأوامر.
والعبد: المملوك خلاف الحر. واجتمع العامة على التفرقة بين من كان عبدا لله والمملوك؛ فقالوا هذا عبد من عباد الله، وهذا عبد مملوك.[1]
الأول. عبودية الناس
الإنسان يحاولُ أن يستعبد مَن دونه، ويميل أن يكون عبدا لمن فوقه. وقد طلب الملوك الجبابرة من الناس أن يطيعوهم دون قيد أو شرط، لزعمهم أنهم عبادٌ لهم. وقد ورد في القرآن الكريم آيات تتحدث عن حال الملوك مع شعوبهم؛ منها قوله تعالى عن فرعون: «فَحَشَرَ فَنَادَى؛ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى» (النازعات، 79 / 23-24).
والرب هو المالك. ويطلق العرب على مالك (العبيد) ربا. والذي يرفض أن يكون عبدا لغير الله فلا يقبل بغير الله ربا.
يُنظر اليوم إلى موضوع العبودية وكأنه شيء من التاريخ. ولكن الحقيقة المؤلمة تشير إلى وجود العبودية اليوم أكثر مما كان سابقا تحت أسماء مختلفة. ففي النظام الرأسمالي _مثلا_ نرى الأغنياء وأصحاب رؤوس الأموال يستعبدون الضعفاء والفقراء والبؤساء، بسبب تأثيرهم في اختيار الحكام. لقد ذهب النظام الرأسمالي بعيدا في تجيير القوانين والتشريعات لصالح بقاء السيطرة الفعلية لهم على مقدرات الشعوب، وهم ينطلقون في تشريعاتهم تلك من أهوائهم التي اتخذوها آلهة من دون الله.
الثاني. العبودية للروحانيين
ومن الناس من يزعم أن بعض الروحانيين لهم حق التصرف في الكون، لأنّ فيهم بعض الصفات الخاصة لله تعالى. ومن أجل ذلك يبذل الجهلة من الناس جهدهم لتسحين علاقتهم بهم، فينصبون أصنامهم، ويتخذون أضرحتهم معبدا، ويعظمون شخوصهم الروحانية، ويقدمون من أجلهم النذور ليغيثوهم من البلايا. والله تعالى يأمر الناس أن يعبدوه وحده ليصلوا بذلك ذروة التحرر والإنعتاق. قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (البقرة، 2 / 21). «أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ» (النمل، 27 / 62).
الثالت: العبودية للملائكة والأنبياء
لا يوجد مخلوق في السماوات والأرض تنخلع عنه صفة العبودية لله تعالى، وفي الرد على من زعموا غير ذلك وألصقوا بعض صفات الله لبعض خلقه قال الله تعالى: «لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا» (النساء، 4 / 172). وحتى لا يشك أحد بهذه الحقيقة نفى الله تعالى أن يكون أحد في السماوات والأرض ندا له أو شريك، وإنما هم عباده. قال تعالى {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا. لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا} (مريم، 19/95)
وعندما نقول: "أشهد أنّ محمدا عبده ورسوله" نعني أنّنا نعلم يقينا أنّ محمدا عبده ورسوله. وإعطاء ميزات أخرى له يؤدي إلى التشبه بالنصارى، حيث قالوا في عيسى أنه ابن الله، وجعلوه خلفا له تعالى، فعبدوه واستعانوا به من دون الله. وفي ذلك انتقاص لحق الله تعالى في كماله وجلاله، فهو ليس بحاجة إلى من يعينه أو يخلفه وصدق فيهم الله إذ يقول {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الزمر،39/67)
العلاقة بين العبد وسيده
كان من السهل أن يفهم الناس كيفية عبادة الله تعالى لأنهم يعرفون العلاقة بين العبد وسيده. ولا يصح صرف العبادة إلى أي شخص وإن كان نبيا أو ملكا مقربا؛ لأنّ العبادة لا تصحُّ إلا لله وحده، فلا معبود إلا هو سبحانه. قال تعالى « مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ، وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» (آل عمران، 3 / 79-80).
أضف تعليقا