صلاة الجمعة
قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (الجمعة، 62/9-10).
أ. على من تجب صلاة الجمعة
يفهم من الآية السابقة أن صلاة الجمعة لا تجب على الجميع. ذلك أن البيع لا يكون إلا في أماكن معينة. والمسلمون منتشرون في كل الأنحاء.
عن طارق بن شهاب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلَّا أَرْبَعَةً عَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ صَبِيٌّ أَوْ مَرِيضٌ».[1] قال أبو داود طارق بن شهاب قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئا. وعلى هذا فهو حديث مرسل. أي قد سقط من إسناده صحابي. ولا يعتمد على مثل هذا الحديث في فرضية الجمعة على شخص أو عدمه. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « الْجُمُعَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ»[2]
ولم يرد في القرآن الكريم لفظ «خيرٌ» (اسم تفضيل) لأي صلاة من الصلوات المفروضة. لأن الصلوات الخمسة واجبة الأداء على كل حال. أما صلاة الجمعة فتترك في بعض الأحيان. عن عبد اللَّه بن الحارث قال: «خَطَبَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ فِي يَوْمٍ ذِي رَدْغٍ فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ لَمَّا بَلَغَ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ قُلْ الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوا فَقَالَ كَأَنَّكُمْ أَنْكَرْتُمْ هَذَا إِنَّ هَذَا فَعَلَهُ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي يَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا عَزْمَةٌ وَإِنِّي كَرِهْتُ أَنْ أُحْرِجَكُمْ. وفي رواية أخرى قال: كَرِهْتُ أَنْ أُؤَثِّمَكُمْ فَتَجِيئُونَ تَدُوسُونَ الطِّينَ إِلَى رُكَبِكُمْ».[3]
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كَانَ النَّاسُ يَنْتَابُونَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ مَنَازِلِهِمْ وَالْعَوَالِيِّ فَيَأْتُونَ فِي الْغُبَارِ يُصِيبُهُمْ الْغُبَارُ وَالْعَرَقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُمْ الْعَرَقُ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْسَانٌ مِنْهُمْ وَهُوَ عِنْدِي فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ أَنَّكُمْ تَطَهَّرْتُمْ لِيَوْمِكُمْ هَذَا».[4]
عن إياس بن أبي رملة الشامي قال: شَهِدْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ يَسْأَلُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ قَالَ: أَشَهِدْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِيدَيْنِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَكَيْفَ صَنَعَ قَالَ صَلَّى الْعِيدَ ثُمَّ رَخَّصَ فِي الْجُمُعَةِ فَقَالَ مَنْ شَاءَ أَنْ يُصَلِّيَ فَلْيُصَلِّ»[5]
عن عطاء بن أبي رباح قال: صَلَّى بِنَا ابْنُ الزُّبَيْرِ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ أَوَّلَ النَّهَارِ ثُمَّ رُحْنَا إِلَى الْجُمُعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْنَا فَصَلَّيْنَا وُحْدَانًا وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالطَّائِفِ فَلَمَّا قَدِمَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ أَصَابَ السُّنَّةَ».[6]
ب. أذان الجمعة
قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ» (الجمعة، 62/9). ونفهم من هذه الآية أن الجمعة تقام في مكان فيه السوق الذي تُجرى فيه صفقات البيع والشراء. فعند النداء للصلاة، يمكن للجماعة أن يتركوا البيع ويسعوا إلى إقامة الصلاة.
وكان في المدينة أسواق ومساجد، ولكن صلاة الجمعة كانت تقام في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم. عن ابن عباس أنه قال: «إِنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَى مِنْ الْبَحْرَيْنِ».[7]
وقال عطاء: «إذَا كُنْتَ فِي قَرْيَةٍ جَامِعَةٍ فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَحَقٌّ عَلَيْكَ أَنْ تَشْهَدَهَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ أَوْ لَمْ تَسْمَعْهُ وَكَانَ أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي قَصْرِهِ أَحْيَانًا يُجَمِّعُ وَأَحْيَانًا لَا يُجَمِّعُ وَهُوَ بِالزَّاوِيَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ».[8]
عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك (وكان قائد أبيه بعد ما ذهب بصره) عن أبيه كعب بن مالك: «أَنَّهُ كَانَ إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ تَرَحَّمَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَقُلْتُ لَهُ إِذَا سَمِعْتَ النِّدَاءَ تَرَحَّمْتَ لِأَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ جَمَّعَ بِنَا فِي هَزْمِ النَّبِيتِ مِنْ حَرَّةِ بَنِي بَيَاضَةَ فِي نَقِيعٍ يُقَالُ لَهُ نَقِيعُ الْخَضَمَاتِ قُلْتُ كَمْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ قَالَ أَرْبَعُونَ».[9]
ت. آداب الإتيان لصلاة الجمعة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا تَأْتُوهَا تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا تَمْشُونَ عَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا»[10]
ث. ما يفعل بعد أداء الصلاة
عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَأْنِ الْجُمُعَةِ يَعْنِي السَّاعَةَ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ. (قَالَ أَبُو دَاوُد يَعْنِي عَلَى الْمِنْبَرِ)».[11] وصلاة الجمعة ركعتان.
و عن عبد اللَّه بن عمر:«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَبَعْدَ الْعِشَاءِ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لَا يُصَلِّي بَعْدَ الْجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ».[12]
ونص الآية واضح «فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض» فعلينا أن نتبع الآية. وقد ورد أن ابن عمر،رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي مَقَامِهِ فَدَفَعَهُ وَقَالَ أَتُصَلِّي الْجُمُعَةَ أَرْبَعًا وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَيَقُولُ هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.[13]
عن يزيد بن أبي حبيب عن عطاء عن ابن عمر قال: «كَانَ إِذَا كَانَ بِمَكَّةَ فَصَلَّى الْجُمُعَةَ تَقَدَّمَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ تَقَدَّمَ فَصَلَّى أَرْبَعًا وَإِذَا كَانَ بِالْمَدِينَةِ صَلَّى الْجُمُعَةَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى بَيْتِهِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ».[14]
وكان ابن عمر؛ « يُطِيلُ الصَّلَاةَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَيُصَلِّي بَعْدَهَا رَكْعَتَيْنِ فِي بَيْتِهِ وَيُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ».[15]
عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي الْخُوَارِ أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ أَرْسَلَهُ إِلَى السَّائِبِ ابْنِ أُخْتِ نَمِرٍ يَسْأَلُهُ عَنْ شَيْءٍ رَآهُ مِنْهُ مُعَاوِيَةُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ نَعَمْ صَلَّيْتُ مَعَهُ الْجُمُعَةَ فِي الْمَقْصُورَةِ فَلَمَّا سَلَّمَ الْإِمَامُ قُمْتُ فِي مَقَامِي فَصَلَّيْتُ فَلَمَّا دَخَلَ أَرْسَلَ إِلَيَّ فَقَالَ لَا تَعُدْ لِمَا فَعَلْتَ إِذَا صَلَّيْتَ الْجُمُعَةَ فَلَا تَصِلْهَا بِصَلَاةٍ حَتَّى تَتكَلَّمَ أَوْ تَخْرُجَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَنَا بِذَلِكَ أَنْ لَا تُوصَلَ صَلَاةٌ بِصَلَاةٍ حَتَّى نَتَكَلَّمَ أَوْ نَخْرُجَ».[16]
عن أبي هريرة قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَْْ ” مَنْ كَانَ مُصَلِّيًا بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَلْيُصَلِّ أَرْبَعًا ” وَتَمَّ حَدِيثُهُ وَقَالَ ابْنُ يُونُسَ إِذَا صَلَّيْتُمْ الْجُمُعَةَ فَصَلُّوا بَعْدَهَا أَرْبَعًا
قَالَ فَقَالَ لِي أَبِي يَا بُنَيَّ فَإِنْ صَلَّيْتَ فِي الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ أَتَيْتَ الْمَنْزِلَ أَوْ الْبَيْتَ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ».[17]
د. يوم الجمعة
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يقول: « نَحْنُ الْآخِرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا ثُمَّ هَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي فُرِضَ عَلَيْهِمْ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَهَدَانَا اللَّهُ فَالنَّاسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ الْيَهُودُ غَدًا وَالنَّصَارَى بَعْدَ غَدٍ».[18]
عن أبي هريرة و حذيفة رضي الله عنهما قالا:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “أَضَلَّ اللَّهُ عَنْ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ فَجَاءَ اللَّهُ بِنَا فَهَدَانَا اللَّهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ وَالْأَحَدَ وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ».[19]
ذ. فضل الجمعة
عن أَبي هريرة رضي اللَّه عنه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ».[20]
عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى».[21]
عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال، «مَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ».[22]
ر. يلبس للجمعة أحسن ما يجد
عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن محمد بن يحيى بن حبان حدثه: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدَ أَوْ مَا عَلَى أَحَدِكُمْ إِنْ وَجَدْتُمْ أَنْ يَتَّخِذَ ثَوْبَيْنِ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ سِوَى ثَوْبَيْ مِهْنَتِهِ»[23]
ز. الغسل للجمعة
عن الحسن عن سمرة بن جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ».[24]
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل»[25]
عن ابن شهاب حدثني سالم بن عبد الله عن أبيه: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ بَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَخَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمٌهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَادَاهُ عُمَرُ أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ فَقَالَ إِنِّي شُغِلْتُ الْيَوْمَ فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ النِّدَاءَ فَلَمْ أَزِدْ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ قَالَ عُمَرُ وَالْوُضُوءَ أَيْضًا وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ».[26]
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حَقٌّ لِلَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ».[27]
س. الطيب للجمعة
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « الْغُسْلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ».[28]
ش. وقت الجمعة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ حِينَ تَمِيلُ الشَّمْسُ».[29]
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: «كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة».[30]وعنه أيضا: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَدَّ الْبَرْدُ بَكَّرَ بِالصَّلَاةِ وَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ أَبْرَدَ بِالصَّلَاةِ يَعْنِي الْجُمُعَةَ قَالَ يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ أَخْبَرَنَا أَبُو خَلْدَةَ فَقَالَ بِالصَّلَاةِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجُمُعَةَ وَقَالَ بِشْرُ بْنُ ثَابِتٍ حَدَّثَنَا أَبُو خَلْدَةَ قَالَ صَلَّى بِنَا أَمِيرٌ الْجُمُعَةَ ثُمَّ قَالَ لِأَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الظُّهْرَ».[31]
وعن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: « كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجُمُعَةَ فَنَرْجِعُ وَمَا نَجِدُ لِلْحِيطَانِ فَيْئًا نَسْتَظِلُّ بِهِ».[32]
ص. الأذان يوم الجمعة
عن السائب بن يزيد قال: « أَنَّ التَّأْذِينَ الثَّانِيَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَمَرَ بِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ كَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ وَكَانَ التَّأْذِينُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ».[33]
عن السائب بن يزيد قال: « كَانَ النِّدَاءُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوَّلُهُ إِذَا جَلَسَ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَثُرَ النَّاسُ زَادَ النِّدَاءَ الثَّالِثَ عَلَى الزَّوْرَاءِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ الزَّوْرَاءُ مَوْضِعٌ بِالسُّوقِ بِالْمَدِينَةِ».[34]
وسمي هذا الأذان بـ «النداء الثالث» باعتبار كونه مزيدا، لأن الأول هو الأذان عند جلوس الإمام على المنبر، والثاني هوالاقامة عند نزوله، والثالث عند دخول وقت الظهر.[35]
الزوراء موضع بالسوق بالمدينة. وقال ابن بطّال، هو حجر كبير عند باب المسجد. وعند ابن ماجة لبن الخزيمة بلفظ «زاد النداء الثالث على دار في السوق يقال لها الزوراء».[36]
عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال: « سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ مُعَاوِيَةُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَأَنَا فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ مُعَاوِيَةُ وَأَنَا فَلَمَّا أَنْ قَضَى التَّأْذِينَ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى هَذَا الْمَجْلِسِ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ مِنِّي مِنْ مَقَالَتِي».[37]
ض. الخطبة
عن عمار بن ياسر، قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقصار الخطب».[38]
عن جابر بن سمرة السوائي قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطيل الموعظة يوم الجمعة إنما هن كلمات يسيرات».[39]
عن جابر بن سمرة قال: «كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قصدا وخطبته قصدا؛ يقرأ آيات من القرآن، ويذكر الناس».[40]
قال أبو وائل: « خَطَبَنَا عَمَّارٌ فَأَوْجَزَ وَأَبْلَغَ فَلَمَّا نَزَلَ قُلْنَا يَا أَبَا الْيَقْظَانِ لَقَدْ أَبْلَغْتَ وَأَوْجَزْتَ فَلَوْ كُنْتَ تَنَفَّسْتَ فَقَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصُرُوا الْخُطْبَةَ وَإِنَّ مِنْ الْبَيَانِ سِحْرًا».[41]
عن ابن عمر قال: « كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ خُطْبَتَيْنِ كَانَ يَجْلِسُ إِذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ حَتَّى يَفْرَغَ أُرَاهُ قَالَ الْمُؤَذِّنُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ ثُمَّ يَجْلِسُ فَلَا يَتَكَلَّمُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ»[42]
عن ابن عمر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائما، ثم يجلس، ثم يقوم. قال:كما تفعلون اليوم»[43]
جابر بن سمرة قال: «كانت للنبي صلى الله عليه وسلم خطبتان يجلس بينهما. يقرأ القرآن ويذكر الناس»[44]
ط. الصلاة حين يخطب الإمام
عن جابر بن عبد الله قال: « جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَصَلَّيْتَ يَا فُلَانُ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فَارْكَعْ رَكْعَتَيْنِ».[45]
عن جابر بن عبد الله قال: « أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ فَقَالَ إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَقَدْ خَرَجَ الْإِمَامُ فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ».[46]
وفي رواية أخرى عن جابر بن عبد الله أنه قال: « جَاءَ سُلَيْكٌ الْغَطَفَانِيُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاعِدٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَعَدَ سُلَيْكٌ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَكَعْتَ رَكْعَتَيْنِ قَالَ لَا قَالَ قُمْ فَارْكَعْهُمَا»[47]
وهنا ثلاثة أمور نود أن نذكرها وهي:
- الإستماع إلى الخطبة
عن ابن شهاب أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة أخبره: « أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ»[48]
عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال حدثني عطاء الخراساني عن مولى امرأته أم عثمان قال: « سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ يَقُولُ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ غَدَتْ الشَّيَاطِينُ بِرَايَاتِهَا إِلَى الْأَسْوَاقِ فَيَرْمُونَ النَّاسَ بِالتَّرَابِيثِ أَوْ الرَّبَائِثِ وَيُثَبِّطُونَهُمْ عَنْ الْجُمُعَةِ وَتَغْدُوا الْمَلَائِكَةُ فَيَجْلِسُونَ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَيَكْتُبُونَ الرَّجُلَ مِنْ سَاعَةٍ وَالرَّجُلَ مِنْ سَاعَتَيْنِ حَتَّى يَخْرُجَ الْإِمَامُ فَإِذَا جَلَسَ الرَّجُلُ مَجْلِسًا يَسْتَمْكِنُ فِيهِ مِنْ الِاسْتِمَاعِ وَالنَّظَرِ فَأَنْصَتَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ كِفْلَانِ مِنْ أَجْرٍ فَإِنْ نَأَى وَجَلَسَ حَيْثُ لَا يَسْمَعُ فَأَنْصَتَ وَلَمْ يَلْغُ لَهُ كِفْلٌ مِنْ أَجْرٍ وَإِنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَسْتَمْكِنُ فِيهِ مِنْ الِاسْتِمَاعِ وَالنَّظَرِ فَلَغَا وَلَمْ يُنْصِتْ كَانَ لَهُ كِفْلٌ مِنْ وِزْرٍ وَمَنْ قَالَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِصَاحِبِهِ صَهٍ فَقَدْ لَغَا وَمَنْ لَغَا فَلَيْسَ لَهُ فِي جُمُعَتِهِ تِلْكَ شَيْءٌ ثُمَّ يَقُولُ فِي آخِرِ ذَلِكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ»[49]
- دعاء الخطبة
عن ابن مسعود: « أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا تَشَهَّدَ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا مِنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ رَشَدَ وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَإِنَّهُ لَا يَضُرُّ إِلَّا نَفْسَهُ وَلَا يَضُرُّ اللَّهَ شَيْئًا»[50]
وعن يونس أنه سأل ابن شهاب عن تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فذكر نحوه وقال: «وَمَنْ يَعْصِهِمَا فَقَدْ غَوَى وَنَسْأَلُ اللَّهَ رَبَّنَا أَنْ يَجْعَلَنَا مِمَّنْ يُطِيعُهُ وَيُطِيعُ رَسُولَهُ وَيَتَّبِعُ رِضْوَانَهُ وَيَجْتَنِبُ سَخَطَهُ فَإِنَّمَا نَحْنُ بِهِ وَلَهُ»[51]
- الدنو من الإمام عند الموعظة
عن سمرة بن جندب؛ أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «احْضُرُوا الذِّكْرَ وَادْنُوا مِنْ الْإِمَامِ فَإِنَّ الرَّجُلَ لَا يَزَالُ يَتَبَاعَدُ حَتَّى يُؤَخَّرَ فِي الْجَنَّةِ وَإِنْ دَخَلَهَا»[52]
ظ. ساعة قبول الدعاء يوم الجمعة
عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: « يَوْمُ الْجُمُعَةِ ثِنْتَا عَشْرَةَ _يُرِيدُ سَاعَةً _لَا يُوجَدُ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ شَيْئًا إِلَّا أَتَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ»[53]
عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: « الْتَمِسُوا السَّاعَةَ الَّتِي تُرْجَى فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى غَيْبُوبَةِ الشَّمْسِ»[54]
عن أبي هريرة رضي الله عنه: « أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ. (زَادَ قُتَيْبَةُ فِي رِوَايَتِهِ) وَأَشَارَ بِيَدِهِ يُقَلِّلُهَا»[55]
ع. صلاة الجمعة عند أبي حنيفة
يشترط في المذهب الحنفي لتصبح صلاة الجمعة فريضة، عدة شروط. منها أن يقيمها السلطان أو نائبه. وقد فهم البعض أن السلطان هو رئيس الدولة أو من يوظفه، ولعدم معرفتهم السبب المؤدي إلى هذا الرأي فقد ذهبوا إلى أنه لا تقام صلاة الجمعة في دولة غير إسلامية. وزعم البعض استنادا على هذه الدلائل المزعومة، بأنه لا تقام صلاة الجمعة في تركيا لعدم توافر تلك الشروط لإقامة صلاة الجمعة، لأن تركيا دولة علمانية. ولا يمكن القول هنا بأن رئيس الدولة يقيم الصلاة. وصلاة الجمعة رمز يدل على أن البلد يحكم بالشريعة الإسلامية. ولا يقبل النظام العلماني حكم الإسلام؛ ومن أجل ذلك لا يمكن إقامة صلاة الجمعة من قبل من وظفته الدولة.
وكثير من شبان المسلمين تأثروا بهذا الرأي، فلا يقيمون صلاة الجمعة، ويزعمون أن هذا جهاد لتحكيم الشريعة الإسلامية. والمذهب الحنفي لا يقبل مثل هذا الرأي. والذين يذهبون إلى عدم إقامة صلاة الجمعة في دولة غير إسلامية أو في دولة لا تعترف بالأحكام الشرعية الإسلامية يتحملون الأوزار لمنعهم أداء صلاة الجمعة. ويستدل علماء الأحناف في موضوع الجمعة بالحديث التالي:
عن جابر بن عبد الله قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ قَبْلَ أَنْ تَمُوتُوا وَبَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ قَبْلَ أَنْ تُشْغَلُوا وَصِلُوا الَّذِي بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَبِّكُمْ بِكَثْرَةِ ذِكْرِكُمْ لَهُ وَكَثْرَةِ الصَّدَقَةِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ تُرْزَقُوا وَتُنْصَرُوا وَتُجْبَرُوا وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ قَدْ افْتَرَضَ عَلَيْكُمْ الْجُمُعَةَ فِي مَقَامِي هَذَا فِي يَوْمِي هَذَا فِي شَهْرِي هَذَا مِنْ عَامِي هَذَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَمَنْ تَرَكَهَا فِي حَيَاتِي أَوْ بَعْدِي وَلَهُ إِمَامٌ عَادِلٌ أَوْ جَائِرٌ اسْتِخْفَافًا بِهَا أَوْ جُحُودًا لَهَا فَلَا جَمَعَ اللَّهُ لَهُ شَمْلَهُ وَلَا بَارَكَ لَهُ فِي أَمْرِهِ أَلَا وَلَا صَلَاةَ لَهُ وَلَا زَكَاةَ لَهُ وَلَا حَجَّ لَهُ وَلَا صَوْمَ لَهُ وَلَا بِرَّ لَهُ حَتَّى يَتُوبَ فَمَنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَلَا لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا وَلَا يَؤُمَّ أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا وَلَا يَؤُمَّ فَاجِرٌ مُؤْمِنًا إِلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ يَخَافُ سَيْفَهُ وَسَوْطَهُ».[56]
وقد استدل بهذا الحديث على وجوب توفر السلطان أو من يوظفه السلطان لإقامة الجمعة من علماء الحنفية؛ شمس الدين السرخسي (المتوفى، 483)، وعلاء الدين الكاساني (المتوفى، 587)، وكمال الدين بن الهمام (المتوفى، 593).
ولكن عبد الله بن محمد العدوي و علي بن زيد بن جدعان من رواة الحديث، ضعيفان، وبهذا أصبح الحديث ضعيفا من جهة الإسناد.[57] كما لم يعتبر هذا الحديث في بعض الكتب الحنفية دليلا على وجوب توفر السلطان لتقام صلاة الجمعة.
وقد روى علاء الدين الكاساني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربعة ينفذها السلطان وعد منها صلاة الجمعة». ولكن كمال الدين بن الهمام قال إنه كلام حسن البصري من التابعين.[58] وقال الإمام السرخسي أنه ليس بحديث ولكنه أثر. ويقال عن أقوال الصحابة أو السلف أثراً.[59]أما صاحب المبسوط فأيد كلام ابن الهمام. ونحن لم نعثر عليه في كتب الأحاديث.
واعتمد الأحناف على المصلحة كدليل عقلي، والمصلحة سبب الصلاح والخير. وضدها المفسدة. ويهتم الإسلام بالمصالح بما وضع من القوانين. لذا كل قوانين الإسلام توافق الحكمة، أي متناسبة ومتناسقة تماما.
وتُطلق المصلحة على ما يفعل لفائدة عامة أيضاً. وإقامة صلاة الجمعة من قبل السلطان أو نائبه، والمصلحة فيها تكون لفائدة عامة المسلمين. وذلك أن صلاة الجمعة صلاة يقيمها كل من بلغ الحلم من الرجال مجتمعين في مكان ما. ولو كان الإمام يقيمها بنفسه إرتجالاً ودون إذن؛ لاختلف الناس في موضوع الإمامة وربما يحدث النزاع الذي ينتهي بموت أشخاص. كما يحتمل أن الخطبة ستكون سببا لحدوث الفتنة و الفساد بين الناس. ويحتمل أن يغير الأعداء في أثناء الصلاة فيقتلوا المصلين. فلو أقيمت صلاة الجمعة من قبل السلطان أو نائبه لا يحدث مثل هذا الإختلاف. لذا يشترط توفر وجود السلطان أو من ينوب عنه وهذا هو المناسب للمصلحة العامة.
ولا حرج من اتباع مثل هذه المصلحة العامة؛ لأن من يحمل أدنى الشروط للإمامة يصلح أن يكون إماما، فمكانته أو منصبه لا يشكل عائقا لصحة الصلاة. وإذا لم يتوفر السلطان أو من ينوب عنه جاز أن يعين المسلمون من يقيم لهم الصلاة. فلا تترك صلاة الجمعة بعدم توفر السلطان أو نائبه. فالمقصود حاصل بتعيين واحد من المسلمين إماما. وهو منع نشوء الخلاف أو المفسدة بين المسلمين.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم _ حال حياته _، يخطب الناس في صلاة الجمعة ويؤمهم. وكان رسولاً ورئيساً للدولة. وبعد وفاته صلى الله عليه وسلم تولى الخليفة أمر إقامة صلاة الجمعة في المدينة المنورة. أما في المدن البعيدة فتولى إقامة الصلاة فيها والي تلك المدينة أو من هو صاحب السلطة هناك. لذا يمكننا القول إن شرط توفر السلطان لإقامة صلاة الجمعة كان موجودا من عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
والمصلحة التي تحتوي على هذه الشروط تعتبر من الأدلة الشرعية عند المذهب الحنفي فيجوز بناء الحكم عليها.[60] والشروط المتعلقة بصلاة الجمعة من هذا القبيل.
والمراد بالسلطان، من هو ذو صلاحية في المدينة أو في القرية أو الحي أو غيرها من الأماكن التي تقام فيها الصلاة، ومعترف به من قبل الدولة أو الجماعة ويحظى بالقبول منهم. وعلى سبيل المثال: سلطان الدولة هو رئيسها، وسلطان المدينة الوالي، وسلطان القرية العمدة. وفي حالة عدم تمكن استعمال صاحب الصلاحية صلاحيته، أو عند خوف نشوب الخلاف بين صفوف المسلمين أو المصلين، فعلى المسلمين أن يختاروا إماما لأنفسهم ويقيموا الصلاة. والآن نلقي النظر على أهم مراجع المذهب الحنفي ونرى كيفية استقرائهم للأدلة واستنباطهم للأحكام منها:
الأول. المبسوط
المبسوط لشمس الدين السرخسي (المتوفي، 483هـ) وهو عبارة عن شرح للكتب الستة لمحمد بن الحسن الشيباني،وهو من التلاميذ البارزين للإمام أبي حنيفة، تلك الكتب التي نُقل بها المذهب الحنفي إلى الأجيال القادمة.[61] والآراء التي احتوتها هذه الكتب هي ظواهر الروايات. وقد تلقى الناس هذه الروايات بالقبول وذلك لأنها انتقلت إلينا بالأسانيد الموثوقة.
جاء في المبسوط:« والسلطان من شروط الجمعة عندنا خلافا للشافعي رضي الله عنه، وقاسه _ أي الشافعي _ بأداء سائر المكتوبات؛ فالسلطان والرعية في ذلك سواء. ولنا ما روينا من حديث جابر رضي الله عنه «وله إمام جائر أو عادل» فقد شرط رسول الله صلى الله عليه وسلم الإمام لإلحاقه الوعيد بتارك الجمعة وفي الأثر «أربع إلى الولاة منها الجمعة» ولأن الناس يتركون الجماعات لإقامة الجمعة، ولو لم يشترط فيها السلطان أدى إلى الفتنة لأنه يسبق بعض الناس إلى الجامع فيقيمونها لغرض لهم، وتفوت على غيرهم. وفيه من الفتنة ما لا يخفى. ويفوض الأصلح عن الإمام، وتوكل إليه أحوال الناس وأمور العدل بينهم؛ لأنه أقرب إلى تسكين الفتنة».[62]
الثاني. البدائع
البدائع في ترتيب الشرائع لعلاء الدين الكاساني، من المراجع المعتمدة في المذهب الحنفي. وجاء فيه:
«وأما السلطان. فشرط أداء الجمعة عندنا حتى لا يجوز إقامتها بدون حضرته أو حضرة نائبه. وقال الشافعي السلطان ليس بشرط؛ لأن هذه صلاة مكتوبة فلا يشترط لإقامتها السلطان كسائر الصلوات، ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم شرط الإمام لإلحاق الوعيد بتارك الجمعة بقوله “وله إمام عادل أو جائر”. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” أربع إلى الولاة وعد من جملتها الجمعة؛ ولأنه لو لم يشترط السلطان لأدى إلى الفتنة؛ لأن هذه صلاة تؤدى بجمع عظيم والتقدم على جميع أهل المصر يعد من باب الشرف وأسباب العلو والرفعة، فيتسارع إلى ذلك كل من جُبل على حب المنصب والميل إلى الرئاسة، فيقع بينهم التجاذب والتنازع وذلك يؤدي إلى التقاتل، ففوض أمر إقامة صلاة الجمعة إلى الوالي ليقوم به أو يعين من رءآه أهلا له، فيمتنع الناس عن المنازعة، لما يرون من وجوب إطاعة أولي الأمر؛ لأنه لو لم يعين من قبل السلطان لا يخلو إما أن تؤدي كل طائفة على حدة فيؤدي إلى تفويت فائدة الجمعة وهي اجتماع الناس لنيل الفضيلة على وجه الكمال، وإما أن لا تؤدى إلا مرة واحدة فتكون الجمعة للأولين وتفوت عن الباقين فاقتضت الحكمة أن تكون إقامتها متوجهة إلى السلطان ليقيمها هو أو نائبه عند حضور عامة أهل البلدة». وبهذا يمكن التحرز عن نشوب الفتنة وحدوث الخلاف بين المسلمين.[63]
هذا إذا كان السلطان أو نائبه حاضرا. أما إذا لم يكن إمام بسبب الفتنة أو بسبب الموت ولم يحضر والٍ آخر حتى حضرت الجمعة. ذكر الكرخي أنه لا بأس أن يُجمع الناس على رجل حتى يصلي بهم الجمعة، وهكذا روي عن محمد بن الحسن. ذكره في العيون؛ لما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه لما حُوصِر قَدَّمَ الناسُ علياً رضي الله عنه فصلى بهم الجمعة.
وروي في العيون عن أبي حنيفة لو أن والي مصر مات ولم يبلغ الخليفة خبر موته حتى حضرت الجمعة، وصلى بهم نائب الوالي المتوفى أو صاحب الشرطه أو القاضي أجزأهم، وإن قَدَّمَ العامةُ رجلاً لم يجز؛ لأن هؤلاء قائمون مقام الأول في الصلاة حال حياته فكذا بعد وفاته ما لم يفوض الخليفة الولاية إلى غيره.
وذكر في نوادر الصلاة أن السلطان إذا كان يخطب وجاء سلطان جديد مُعَيَّنٌ مكانه يترتب على ذلك: إن أَمَرَهُ أن يتم الخطبة يجوز ويكون ذلك القدر خطبة.ويجوز للأول أن يصلي بهم الجمعة ؛ لأنه خطب بأمره فصار نائبا عنه وإن لم يأمره بالإتمام ولكنه سكت حتى أتم الأول خطبته. وإذا أراد الثاني أن يصلي بتلك الخطبة لا تجوز الجمعة، وله أن يصلي الظهر ؛ لأن سكوته يحتمل أن يكون أمرا ويحتمل العكس، فلا يعتبر مع الإحتمال، وكذلك إذا حضر الثاني وقد فرغ الأول من خطبته فصلى السلطان بتلك الخطبة لا يجوز ؛ لأنها خطبة إمام معزول ولم تؤدى الخطبة من الثاني. وشرط هذا كله إن علم الأول بحضور الثاني. وإن لم يعلم فخطب وصلى، والثاني ساكت جاز ؛ لأنه لايصير معزولا إلا بالعلم كالوكيل. إلا إذا كُتب إليه كتاب العزل أو أرسل إليه رسولاً عندها يصير معزولا.
وأما العبد إذا كان سلطانا فجمع بالناس أو أمر غيره جاز، وكذا إذا كان حرا مسافرا وهذا قول أصحابنا الثلاثة ( أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد بن الحسن)، وقال زُفَرُ ( من تلاميذ أبي حنيفة):شرط صحة الجمعة هو الإمام؛ أي الحر المقيم حتى إذا كان عبدا أو مسافرا لا تصح منه إقامة الجمعة. واستدل زفر أنه لا جمعة على العبد والمسافر بالحديث التالي، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أربعة لا جمعة عليهم المسافر والمريض والعبد والمرأة» فلو جمع بالناس كان متطوعا في أداء الجمعة، واقتداء المفترض بالمتنفل لا يجوز. ولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: «صلى الجمعة بالناس عام فتح مكة وكان مسافرا حتى قال لهم في صلاة الظهر بعد ما صلى ركعتين وسلم: أتموا صلاتكم يا أهل مكة فإنا قوم سفر»، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أطيعوا السلطان ولو أَمَّرَ عليكم عبد حبشي أجدع» ولو لم يصلح إماما لم تفترض طاعته.
وأما المرأة والصبي العاقل فلا يصح منهما إقامة الجمعة ؛ لأنهما لا يصلحان للإمامة في سائر الصلوات ففي الجمعة أولى إلا أن المرأة إذا كانت سلطانا فأمرت رجلا صالحا للإمامة حتى صلى بهم الجمعة جاز ؛ لأن المرأة تصلح سلطانا أو قاضيا في الجملة فتصح إمامتها.[64]
الثالث. كتاب الهداية
قال برهان الدين علي بن أكبر المرغناني (المتوفى، 593) في كتابه الهداية (وهو كتاب معتمد في المذهب الحنفي) عن صلاة الجمعة:
«ولا يجوز إقامتها إلا للسلطان أو لمن أمره السلطان. لأنها تقام بجمع عظيم، وقد تقع المنازعة في التقدم والتقديم، وقد تقع في غيره فلا بد منه تتميما لأمره».[65]
لو نظرنا إلى ما قدمنا من أقوال العلماء نرى أنهم لم يذكروا آية أو حديثا يُستدل به على اشتراط السلطان لإقامة الجمعة. والسبب الظاهر فيها هو منع نشوب الخلاف في صفوف المسلمين؛ أي أنها مصلحة. ولم يكن للمساجد _قديما_ أئمة موظفون من ِقبل الدولة، بل كان يؤم الصلاة واحد من الجماعة الذين حضروا لأداء الصلاة. ولو رجعنا إلى زمن عدم وجود الإمام الموظف من قبل الحكومة نفهم جيدا اشتراط علماء الحنفية وجود السلطان لإقامة الجمعة.
الرابع. فتح القدير
قال كمال الدين بن همام (المتوفى، 681):
«وَجَوَازُ الْإِقَامَةِ فِيمَا إذَا مَاتَ وَالِي مِصْرَ لِخَلِيفَتِهِ، وَصَاحِبُ الشُّرَطِ وَالْقَاضِي إلَى أَنْ يَصِلَ وَالٍ آخَرَ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُمْ كَانُوا مِمَّنْ يَنُوبُ عَنْهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَبِمَوْتِهِ لَا يَنْعَزِلُونَ كَمَا إذَا كَانَ حَيًّا فَكَانَ الْأَمْرُ مُسْتَمِرًّا لَهُمْ؛ وَلِذَا قَالُوا: إذَا مَاتَ السُّلْطَانُ وَلَهُ أُمَرَاءُ عَلَى أَشْيَاءَ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ عَلَى وِلَايَاتِهِمْ يُقِيمُونَ الْجُمُعَةَ بِخِلَافِ مَا لَوْ اجْتَمَعَتْ الْعَامَّةُ عَلَى تَقْدِيمِ رَجُلٍ عِنْدَ مَوْتِ ذَلِكَ الْوَالِي حَيْثُ لَا تَجُوزُ إقَامَتُهُ لِانْتِفَاءِ مَا قُلْنَا».[66]
الخامس. ابن عابدين
محمد أمين بن عمر (المتوفى، 1198/1252) واشتهر بلقبه ابن عابدين، وهو من علماء العثمانيين، عاش في القرن التاسع عشر. قال في كتابه “رد المختار على درر المختار”:
قال صاحب التتارخانية: والسلطان الذي يعين الإمام لا يشترط أن يكون مسلما. وعلى هذا يجوز إقامة الجمعة وصلاة العيدين في بلد يحكمها والٍ غير مسلم.
وسبب اشتراط السلطان لإقامة صلاة الجمعة هو أن تقام الجمعة في أمن وبلا وقوع أي خلافات. فلم يشترط أن يكون السلطان الذي يعين الإمام مسلما؛ لأن الإمام الذي عينه السلطان لا يمانع أحد لإقامته الجمعة. فيتم أداء الجمعة في أمن و طمأنينة.
المقصود من السلطان
السلطان هو بمعنى الآمر المؤثر في مكان ما، مثل الرئيس للدولة أو الوالي للولاية أو المختار في القرية. ورئيس الدولة أجدر أن يقيم الجمعة وصلاة العيدين في عاصمة الدولة لأنه مقيم فيها كما يجوز له أن يعين من يقيمها.
وقال عمر نصوحي بلمن في حق السلطان: يقيم صلاة الجمعة ولي الأمر أو من يوظفه ولي الأمر ليقيم الجمعة.[67]
ولي الأمر هو الشخص الذي أصبح ذا صلاحية في أمر أو مكان ما. والأعلى سلطة في أولياء الأمور من كانت صلاحيته أوسع. وهو باعتبار المكان الذي تقام فيه صلاة الجمعة.
غ. الإمامة للصلاة
فأما الجُمَعُ والأعياد فإنها تصلى خلف كل برٍّ وفاجر. وقد كان أحمد بن جنبل يشهدها مع المعتزلة، وكذلك العلماء الذين عاصروه. وقد روينا أن رجلا جاء محمد بن النضر، فقال له: إن لي جيرانا من أهل الأهواء، لا يشهدون الجمعة. قال حسبك، ما تقول في من رد على أبي بكر وعمر؟ قال: رجل سوء. قال: فإن رد على النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: يكفر. قال: فإن رد على العلي الأعلى؟ ثم غشي عليه، ثم أفاق، فقال: ردوا عليه والذي لا إله إلا هو فإنه قال: «يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله» وهو يعلم أن بني العباس يسألونها. ولأن هذه الصلاة من شعائر الإسلام الظاهرة؛ وتليها الأئمة دون غيرهم، فتركها خلفهم يفضي إلى تركها بالكلية.[68]
[1] سنن أبي داود، الجمعة للمملوك والمرأة، 1067.
[2] سنن أبي داود، الجمعة، 1056.
[3] البخاري، الجمعة، 14.
[4] البخاري، الجمعة، 15.
[5] سنن أبي داود، الجمعة 1070.
[6] سنن أبي داود، الجمعة 1070.
[7] البخاري، الجمعة 11.
[8] البخاري، الجمعة 15.
[9] سنن أبي داود، الجمعة 1069
[10] البخاري، الجمعة 18.
[11] سنن أبي داود، الجمعة 1048.
[12] البخاري، الجمعة 39.
[13] سنن أبي داود، الجمعة 1127.
[14] سنن أبي داود، الجمعة 1130.
[15] سنن أبي داود، الجمعة 1128.
[16] مسلم، الجمعة 73؛ سنن أبي داود، الجمعة 1128.
[17] مسلم، الجمعة 67-68؛ سنن أبي داود، الجمعة 1131؛ الترمذي، الجمعة 523.
[18] البخاري، الجمعة 1؛ مسلم، الجمعة 21
[19] مسلم، الجمعة 22
[20] البخاري، الجمعة 4؛ مسلم، الجمعة 10
[21] البخاري، الجمعة 6
[22] مسلم، الجمعة 27
[23] سنن أبي داود، الجمعة 1078
[24] الترمذي، الجمعة 497
[25] البخاري، ومسلم، الجمعة 2
[26] البخاري، الجمعة 2؛ مسلم، الجمعة 3.
[27] البخاري، الجمعة 12؛ مسلم، الجمعة 9.
[28] البخاري، الجمعة 3.
[29] البخاري، الجمعة 16؛ أبو دازد، الجمعة 1084؛ الترمذي، الجمعة 503.
[30] البخاري، الجمعة 16.
[31] البخاري، الجمعة 17.
[32] مسلم، الجمعة32.
[33] البخاري، الجمعة 24.
[34] البخاري، الجمعة 21.
[35] العيني لعمدة القاري، 5/298.
[36] العيني لعمدة القاري، 5/298.
[37] البخاري، الجمعة 23.
[38] سنن أبي داود، الجمعة 1106.
[39] سنن أبي داود، الجمعة 1107.
[40] سنن أبي داود، الجمعة 1101؛ مسلم، الجمعة 41.
[41] مسلم، الجمعة 47.
[42] سنن أبي داود، الجمعة 1092.
[43] البخاري، الجمعة 17؛ مسلم، الجمعة 33.
[44] مسلم، الجمعة41؛ سنن أبي داود، الجمعة 1101؛ النسائي، الجمعة 1419؛ ابن ماجة، الجمعة 1106.
[45] البخاري، الجمعة 33؛ مسلم، الجمعة 55.
[46] مسلم، الجمعة 57
[47] مسلم، الجمعة 60
[48] مسلم، الجمعة 11؛ البخاري، الجمعة 36
[49] سنن أبي داود، الجمعة 1051.
[50] سنن أبي داود، الجمعة 1097.
[51] سنن أبي داود، الجمعة 1098.
[52] سنن أبي داود، الجمعة 1108.
[53] سنن أبي داود، الجمعة 1048.
[54] الترمذي، الجمعة 489.
[55] البخاري، الجمعة 37؛ مسلم، الجمعة 13.
[56] ابن ماجة، اقامة الصلاة 78.
[57] ابن ماجة، اقامة الصلاة 78.
[58] كمال الدين بن همام، فتح القدير ج.1 ص.412.
[59] عمر نصوحي بلمن، قاموس الحقوق الإسلامية 1/26.
[60] عمر نصوحي بلمن، المرجع السابق 1/199-200.
[61] الكتب الستة لمحمد هي: 1. الأصل (واسمه الآخر المبسوط)، 2. الزيادات، 3. الجامع الصغير، 4. الجامع الكبير، 5. السير الصغير، 6. السير الكبير.
[62] المبسوط للشمس الدين السرخسي، مصر 1324/1906، 2/25
[63] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، ج 3 / ص 24.
[64] بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع لعلاء الدين الكاساني، فصل بيان شرائط الجمعة. بيروت 1394/1974، 1/261-262.
[65] برهان الدين علي بن اكبر المرغناني، الهداية 1/412
[66] فتح القدير لكمال الدين بن همام، دار الفكر للطباعة والتوزيع بيرةت. 2/55.
[67] الفقه الكبير لعمر نصوحي بلمن، استانبول 1962، ص. 210.
[68] المغني لابن قدامة، بيروت 1404/1984. 2/27.
خلافا لباقي الموضوعات هذا الموضوع حججه كلها من الاحاديث. لا انكر صلاة الجمعه ولا هيئتها التي تؤدى بها الآن ولكني كنت اتوقع تفسيرا اعمق يتضمن شواهد من القرآن
ينبغي التوقف عن الأخذ بالرواية إذا كانت مخالفة للقرآن، أما إذا كانت مندرجة تحت نص عام وتمثل تطبيقا لأمر قرآني فهي حجة
ننصح بالاطلاع على مقالة تقييد السنة بالكتاب على هذا الرابط
http://www.hablullah.com/?p=2244