معنى الظلم
أصل الظلم: وضع الشيء في غير موضعه[1]، ومن أمثال العرب في الشبه: من أشبه أباه فما ظلم؛ قال الأصمعي: ما ظلم أي ما وضع الشبه في غير موضعه، وفي المثل: من استرعى الذئب فقد ظلم. يقال: لزموا الطريق فلم يظلموه أي لم يعدلوا عنه؛ ويقال: أخذ في طريق فما ظلم يمينا ولا شمالا.
والظلم: الجور ومجاوزة الحد. والميل عن القصد، والعرب تقول: الزم هذا الصوب ولا تظلم عنه أي لا تجر عنه. وقوله عز وجل: إن الشرك لظلم عظيم؛ يعني أن الله تعالى هو المحيي المميت الرزاق المنعم وحده لا شريك له، فإذا أشرك به غيره فذلك أعظم الظلم، لأنه جعل النعمة لغير ربها. يقال: ظلمه يظلمه ظلما وظلما ومظلمة، فالظلم مصدر حقيقي، والظلم الاسم يقوم مقام المصدر[2].
الله سبحانه منزهه عن الظلم
الله سبحانه الرب الخالق الرازق نفى عن نفسه الظلم مطلقا، وهو صاحب السلطان الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء. قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (النساء، 40) ويتجلى عدله بوافر كرمه إذ يضاعف الحسنات دون السيئات، وفي هذا إمعان لنفي الظلم عن ذاته العظيمة. فعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا 000)[3]
ومع ذلك تجد في قلوب المنافقين ريبة، ويجهر البعض ببعض ما في قلوبهم مدَّعين أنّ الله تعالى انتقصهم وقدر عليهم رزقهم، أو أذاقهم بأس أعدائهم، ويرد الله تعالى على هؤلاء وأمثالهم بقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} (يونس، 44) فالظلم واقع في الناس منهم وإليهم، وكل ذلك بسبب ابتعادهم عن فطرة الله التي فطر الناس عليها. قال تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم، 41)
ويستمر لجاج هؤلاء في كل زمان ومكان حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وعندئذ يرون ما أنكروا عيانا لا يملكون فيه جدالا. قال الله تعالى {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (الزمر، 69) وحينئذٍ يُفصل بين الخلائق بالعدل المطلق. قال تعالى {الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} (غافر، 17).
أنواع الظلم
تكاد تنحصر أنواع الظلم في ثلاثة، أولها الشرك وهو أعظمه لأنه متعلق بالتوحيد، ولا يُغفر إذا مات قبل التوبة. وثانيها ظلم الإنسان لنفسه. وثالثها ظلم الإنسان للإنسان، وفيما يلي تناولها بشيء من التفصيل.
أولا: الشرك بالله سبحانه.
وهو أشد الظلم وأخطره لأنه تجاوز للحد مع الله تعالى إذ أمر بتوحيده لكن المشرك يتخذ معه شريكا، وفي ذلك إرجاع للفضل لغير صاحبه، ولأنه يؤدي بصاحبه إلى الخلود في جهنم إن مات عليه، فيكون قد ظلم نفسه وأوردها المهالك، لذلك ابتدأ لقمان الحكيم وصاياه لأبنه بعدم الإشراك لأنه رأس كل فتنة. قال الله تعالى {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (لقمان،13).
يقوم الشرك على مجرد التعصب للهوى وتغليب المصلحة الفانية على الأخرى الباقية، ولا يقوم الشرك على أي دليل مقنع، وهو ظلم للنفس وللآخرين على حد سواء، كما أنه انتقاص لحق الله في التوحيد، وعدم تنزيهه عن مشابهة الخلق في حاجتهم إلى الشريك والمعين، لذا توعد الله تعالى هؤلاء بشديد العقاب في الدنيا والآخرة، فقال سبحانه {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} (آل عمران،151)
لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَيْسَ كَمَا تَظُنُّونَ، إِنَّمَا هُوَ كَمَا قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ: {يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ})[4]
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: (أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك)[5]. فالشرك أعظم أنواع الظلم، ولهذا كان جزاء صاحبه أن يخلد في النار يوم القيامة، كما قال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} (المائدة، 72) .
وكل ذنب قد يغفره الله تعالى إلا الشرك فإنه لا يُغفر لصاحبه، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (النساء، 48) .
ومن الشرك التقرب إلى الموتى وأصحاب القبور من الأولياء والصالحين وغيرهم، وذلك بدعائهم والإستغاثة بهم، والذبح والنذر لهم، والطواف بقبورهم، والحلف بهم تعظيماً لهم، واعتقاد النفع والضر فيهم، وأنّ لهم تصرفاً في هذا الكون، وقدرة على الدفع والرفع، والضر والنفع، والعطاء والمنع، كما هو الواقع في بعض بلاد الإسلام مع الأسف الشديد[6]. قال الله تعالى {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (الرعد، 16)
النوع الثاني: ظلم الانسان لنفسه بارتكاب المعاصي
كما أنّ الطاعة سببٌ في رضى الله عن العبد فإن المعصية سبب في غضب الله تعالى عليه كذلك، وليس غريبا أن أول تكليف لآدم هو تحذيره من معصية الله تعالى وتعريض نفسه للظلم بما يسببه لها من عقوبة. قال الله تعالى {وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} (البقرة، 35)
( من الظالمين ) أي الذين ظلموا أنفسهم بارتكاب المعصية أو نقصوا حظوظهم بمباشرة ما يخل بالكرامة والنعيم أو تعدوا حدود الله تعالى[7]. لأن حق الله تعالى على عباده أن يعبدوه ويوحدوه، ويطيعوه ولا يعصوه، ويشكروه ولا يكفروه، فإذا خالفوا ذلك كانوا من الظالمين. قال الله تعالى: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (البقرة: 229) ، وقال: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَه} (الطلاق، 1) ؛ أي: أساء إليها، وذلك بتعريضها لسخط الله تعالى ومقته، وأخذه وسطوته. قال ميمون بن مهران: «إن الرجل يقرأ القرآن، وهو يلعن نفسه، قيل له: وكيف يلعن نفسه؟ قال: يقرأ: {أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} ، وهو ظالم»[8] .
ومن تنكب الصراط رافضا الإنسجام مع الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وسعى في الحرام رغم معرفته حق الله عليه، ولا ينفك من اظهار ولائه للشيطان وتجافيه عن جنب الله سبحانه، فهو ظالم لنفسه مبين. قال الله تعالى { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (آل عمران، 57).
ومن استجاب لداعي الإيمان واستقام على أمر الله تعالى كما أمر فإنّه يستحق التوفيق والإعانة، أما أولئك الذين أصموا آذانهم عن سماع كلمة الحق، وقعدوا بكل طريق يصدون عن سبيله، فلا يستحقون الإعانة ولا التثبيت، وقد تكرر قوله تعالى في كتابه {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (المائدة، 51) (الأنعام، 144) (القصص، 50) (الأحقاف، 10).
حتى لا يغتر الظالمون بظلمهم
يحذر الله تعالى الظالمين أنهم تحت مراقبته ولن يفلتوا من عقابه مهما طال عليهم العمر، قال تعالى {وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} (إبراهيم،42) إن من سنة الله تعالى الإمهال، وتلك السنة يفهمها الظالمون خطئا ويظنون بأنهم في مأمن من العقوبة، لكن القرآن الكريم يقيم عليهم الحجة ويفهم إياها بقوله تعالى {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ} (الأعراف:182).
وقد توعد الله تعالى من عمّ ظلمهم أن يعجل لهم العقوبة في الدنيا ولكن بأيدي المؤمنين الصادقين. قال تعالى {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ} (ابراهيم، 45) {وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (النحل، 41)
النوع الثالث: ظلم الانسانُ غيرَه
لا ينبغي للمسلم أن يظلم أخاه المسلم، بل عليه نصره إن كان ظالما بنهيه عن الظلم وإن مظلوما بالوقوف إلى جانبه، ويوضح النبي الكريم العلاقة التي بين المسلم وأخيه بقوله (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ)[9]
ولا يكفي أن لا تكون ظالما لأخيك بل عليك نصره إن وقع منه أو عليه ظلم. قال عليه الصلاة والسلام (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا. فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا، كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ)[10]
وأولى حالات الإنتصار للمسلم هو الوقوف إلى جانبه إذا تعرض للغزو والإضطهاد في دينه. قال تعالى {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (الأنفال، 72) كما يجب الإنتصار للمظلومين وإن كانوا غير مسلمين لعموم قوله تعالى {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} (النساء، 75)
إنّ ظلم الإنسان لغيره يتخذ أشكالا وألوانا لا تنحصر، وكلما تقدم الزمان وتعقدت العلاقات وتشابكت المصالح تجد ألوانا جديدة للظلم، نذكر بعضها للمثال لا للحصر:
1_ منع الناس من عبادة الله تعالى
وكان من أشد أنواع الظلم قديما وحديثا الحؤول دون الإنسان وإيمانه بربه، لذلك توعد الحق جل وعلا الذين يصدون عن دينه بقوله تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (البقرة، 114).
ولما بلَّغ الرسل ما نُزِّل إليهم وأقاموا الحجة على أقوامهم، كان لا بد من قبول دعوتهم والإيمان بهم وبما أرسلوا به، أما تكذيبهم واتهامهم بالباطل هو ظلم لهم ولحقهم في الإتباع. قال تعالى {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا} (الفرقان، 4).
2_ أكل مال اليتيم وقهره
الظلم بين الناس محرم كله وأشده ظلم القوي للضعيف وليس أجلى من ظلم اليتيم مثالا على ذلك. قال تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} (النساء، 10) نص على أكل الأموال خاصة لأنها عصب الحياة، واليتيم أشد حاجة إليها كما أنه لا يملك القدرة على إثبات حقه كالراشدين، وفي سورة الضحى نهى الله تعالى عن قهر اليتيم والتعرض له بالأذى بقوله {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} (الضحى، 9).
3_ غصب الأرض
ويكون ذلك بالزحف على أراضي الغير وتغيير الحدود، أو الإستقواء على الضعيف بالإستيلاء على أرضه وانتزاعها منه. عن سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ ظَلَمَ مِنْ الْأَرْضِ شَيْئًا طُوِّقَهُ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ)[11] وفي رواية أخرى للبخاري (مَنْ أَخَذَ مِنَ الْأَرْضِ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ خُسِفَ بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى سَبْعِ أَرَضِينَ)[12]وفي رواية للحاكم (مَنِ اقْتَطَعَ شِبْرًا مِنَ الْأَرْضِ طُوَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ، وَمَنِ اقْتَطَعَ مَالًا بِيَمِينِهِ فَلَا بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ تَوَلَّى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)[13]
4_ ظلم غير المسلمين
غير المسلمين يعاملون بالحسنى كما يعامل المسلمون بعضهم بعضا، ولا يصح البغي عليهم لمجرد عدم إسلامهم، والمسلم مطالب بالتصرف الحسن مطلقا مع الناس جميعا لعموم قوله تعالى {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} وفي تحريم الظلم والإعتداء عليهم يقول الرسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[14] وفي زيادة عند البيهقي وغيره (وَمَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ رِيحَ الْجَنَّةِ)[15].
ويصبح التكليف بالمعاملة الحسنة أكثر وجوبا إذا دخل غير المسلمين بلادنا. قال تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} (التوبة، 6) فدخوله بلاد المسلمين فرصة له للتعرف على الإسلام، فلا يحرم من ذلك بل يعان عليه، ولا يجوز التعرض له بالأذى والمضايقة فهو ضيف البلد المسلم ويعامل بموجب ذلك.
5_ منع أجر الأجير أو انتقاصه
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ)[16] وللتنبيه على سرعة إيصال حق الأجير إليه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ)[17].
5_ المماطلة في أداء الحقوق
ويكون ذلك في تأخير أداء الحقوق لأصحابها، كالمدين يماطل في آداء الدين رغم قدرته على السداد – عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ فَإِذَا أُتْبِعَ أَحَدُكُمْ عَلَى مَلِيٍّ فَلْيَتْبَعْ)[18] والغني في الحديث هو القادر على السداد، ويجوز إحالة الدَّين على غني بموافقته، فإن أحيل الدائن على غني فليقبل ذلك.
6_ إفساد البيئة ظلم
قال الله تعالى {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ. وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ. وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (إبراهيم، 32_ 34)
تذكر هذه الآيات بعظيم نعمة الله تعالى على الإنسان؛ حيث سخر له ما يمكِّنه من الإستمرار على قيد الحياة، وهذا التسخير يجري وفق قوانين الفطرة ونواميس الخلق، وكلما التزم الإنسان بهذه القوانين والأنظمة باستجابته لأمر الله الذي أبدع هذه القوانين سارت حياته بشكل طبيعي وأبدع في كل المجالات وفاز بالدنيا والآخرة. لكن الحقيقة خلاف ذلك إذ أمتد فساد الإنسان لينال من مفردات الطبيعة شيئا عظيما، وقد تجلى ذلك بالتلوث البيئي الذي طال البحار والأنهار والغلاف الجوي، وهذا كله بسبب الظلم والتعدي والإفساد. قال تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (الروم،41).
ويبقى الظالم يتفنن ببث ظلمه بين الناس حتى يأتي ربه يوم القيامة خالي الوفاض من حسنة رغم صيامة وقيامه. فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (أتدرون ما المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار)[19]
التصرف تجاه الظالمين
عدم تقديم العون للظالمين أقل ما يمكن للمسلم أن يفعله، وقد أمرنا تعالى بالتعاون على البر والتقوى، وإعانتهم تعاون على خلاف ذلك. ويحذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا بقوله (وَمَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)[20] وفي رواية أخرى (مَنْ أَعَانَ عَلَى خُصُومَةٍ بِظُلْمٍ أَوْ يُعِينُ عَلَى ظُلْمٍ لَمْ يَزَلْ فِي سَخَطِ اللَّهِ حَتَّى يَنْزِعَ)[21].
المؤمن الحق يعلم أن الله معه ولن يضيعه، وما يمر به من ظلم واضطهاد إنّما هو ابتلاء يُقابل بالصبر والإحتساب، وقد أثنى الله تعالى على أصحاب النبي لموقفهم من اجتماع العدو لحربهم بأعداد كبيرة. قال الله تعالى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران، 173) إذا فأولى الخطوات في مواجهة الظالمين هي الصبر والإحتساب والإستعانة بالله سبحانه.
وإذا تمكن الإنسان من دفع الظلم عن نفسه فليفعل. قال تعالى{إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (الشورى، 42) وقال أيضا {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج، 39_40) ويَقُولُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ)[22]. ويحذر الله تعالى من ترك الظالمين وشأنّهم لأنّ العقوبة إذا نزلت شملت الجميع بقوله تعالى {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الأنفال، 25).
وقد حرم الله سبحانه على الإنسان أن يدعوا على الآخرين بسوء، إلا في حال وقوع الظلم عليه. قال تعالى{لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا} (النساء، 148) قيل في تفسير الآية: لا يحب الله تعالى أن يجْهر أحدُنا بالدعاء على أحد، إلا من ظلم فيدعو على ظالمه، فإن الله جل ثناؤه لا يكره له ذلك، لأنه قد رخص له في ذلك[23] . وهذا ما فعله موسى عليه السلام {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} (آل عمران، 88). ولما اشتد أذى القوم وانكارهم لدعوة نوح عليه السلام دعا ربه قائلاً {وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا. إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} (نوح، 26_ 27)
إن وقع الظلم على النفس شديد، ما يجعل المظلوم دائم التفكير في ظالمه، زاهداً في إنجاز أي شيء سوى الانتصاف لنفسه إن استطاع، مشلول التفكير والإرادة إلا عن التقلب على جمر الغيظ وحب الانتقام. ولأمر ما عنون ابن خلدون فصلاً مهماً من مقدمته بالقول: (الظلم مؤذِن بخراب العمران) ولأمر ما اختار كلمة (مؤذن) حتى يجعلك لا تغتر إذا رأيت قصراً منيفاً يتربع فيه ظالم بين الأضواء والرياش، أو سلطة يتحكم بها متجبر عاتٍ يأمر فيُطاع، فها هو ذا الظلم ينعق في جنباتها، مؤذناً بدك بنيانها من القواعد[24].
الإعانه على الظلم من العصبية والجاهلية
الظلمة يستقوون بعصبتهم ومن يؤازرونهم أو يداهنونهم، وقد نهانا الله تعالى عن مناصرة الظالمين أو الركون إليهم بقوله تعالى {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ} (هود، 113) وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم مَا الْعَصَبِيَّةُ (قَالَ أَنْ تُعِينَ قَوْمَكَ عَلَى الظُّلْمِ)[25]
وقد يخلط كثير من الناس بين مفهوم الإنتماء للقوم ومحبتهم من ناحية والتعصب لهم من ناحية أخرى- فقد سئل النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمِنَ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُحِبَّ الرَّجُلُ قَوْمَهُ قَالَ لَا وَلَكِنْ مِنْ الْعَصَبِيَّةِ أَنْ يُعِينَ الرَّجُلُ قَوْمَهُ عَلَى الظُّلْمِ)[26]
الِاتِّقَاءِ وَالْحَذَرِ مِنْ دَعْوَةِ الْمَظْلُومِ
دعوة المظلوم مستجابة وقد اشتهر بين الناس أنه ليس بينها وبين الله حجاب، لأنّه في حالة المضطر الذي ضاقت به السبل إلا من طريق الله سبحانه. قال تعالى {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} (النمل،62)
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ فَقَالَ اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ)[27] وفي الحديث أمر باتقاء دعوة المظلوم ، والمراد الزجر عما تولد ذلك الدعاء منه ، وهو الظلم ، فزجر عن الشيء بالأمر بمجانبة ما تولد منه. فالظلم مرتعه وخيم، وقد رأى الناس بأم أعينهم عاقبة الظلم، ولكثرة تلك الشواهد والأمثلة قرض الشعراء في ذلك شعرا ومثاله:
لا تظلمنَّ إذا ما كنت مقتدرا فالظلم ترجع عقباه إلى الندمِ
تنام عيناك والمظلوم منتبـهٌ يدعو عليك وعينُ الله لم تنمِ
عاقبة الظلم
الآيات والأحاديث التالية تبين عاقبة الظالمين: قال الله تعالى:
1_ {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} (الزمر، 24)
2_ {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} (غافر، 18)
3_ {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} (المائدة، 29)
4_ {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الانعام،129)
5_ {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الانعام،45)
6_ {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا} (الكهف، 87)
7_ {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الأنفال، 25)
8_ {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} (يونس، 39)
9_ {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} (ابراهيم،13 )
10_ {فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} (القصص، 40)
11_ عن أبي بكرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من ذنب أجدر أن تعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة ، من البغي وقطيعة الرحم )[28] والبغي هو الظلم والتعدّي.
12_ عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ» قَالَ: ثُمَّ قَرَأَ: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} (هود: 102))[29]
التوبة من الظلم
باب التوبة لا يوصد دون أحد، ورحمة الله تعالى وسعت كل شيء وربنا سبحانه ينادي على من أسرف بالمعصية ليتوب من قريب بقوله {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر،53) وتكون التوبة بالإستغفار والندم الشديد على ما فات، وعدم الإصرار على الذنب، وعدم العودة إليه مرة أخرى، وأداء الحقوق إلى أصحابها قبل الموت. قال تعالى {وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} (النساء،110) وقال أيضا {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (المائدة، 39) {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران، 135).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ. إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ)[30].
نسأل الله تعالى أن يجنبنا موارد الظالمين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه: جمال نجم
[1]معجم مقاييس اللغة، مادة ظلم، باب الظاء واللام
[2] لسان العرب، فصل الظاء المعجمة، مادة ظلم
[3] صحيح مسلم، رقم الحديث 4674
[4] صحيح البخاري، باب ما جاء في المتأولين، رقم الحديث 6937 . ومسلم، رقم الحديث (124) (197) . وصحيح ابن حبان،باب ذكر اطلاق الظلم على الشرك، رقم الحديث 253
[6] مجلة البيان، حقيقة الظلم، 197/16
[7] الالوسي، 1/278
[8] تنبيه الغافلين، 1/407.
[10] صحيح البخاري، رقم الحديث 6438
[11] صحيح البخاري، رقم الحديث 2272
[12] صحيح البخاري، باب اثم من ظلم شيئا من الأرض، رقم الحديث 2454
[13]رواه الحاكم في المستدرك، رقم الحديث 7807، وقال صحيح على شرط الشيخين، كما صححه الذهبي في تلخيصه7807
[15] معرفة السنن والآثار، رقم الحديث 18575. السنن الكبرى للبيهقي، رقم الحديث 18731
[16] صحيح البخاري، رقم الحديث 2109
[17] سنن ابن ماجة، باب أجر الأجراء، رقم الحديث 2443. يقول محمد فؤاد عبد الباقي في الزوائد أصله في صحيح البخاري وغيره من حديث أبي هريرة. وصححه الألباني
[18] صحيح البخاري، رقم الحديث 2125 . ومسلم، المساقاة، باب تحريم مطل الغني، رقم الحديث 1564 ، وأبو داود، البيوع: باب في المطل، رقم الحديث 3345 . كما رواه غيرهم .
[19] صحيح مسلم، رقم الحديث 4678
[20] سنن ابي داود، رقم الحديث 3123
[21] سنن ابن ماجة، رقم الحديث 2311
[22] سنن أبي داود، رقم الحديث 3775
[23] الطبري، 9/344
[24] مجلة البيان، المظلوم لا يبني ولا ينتج، 29/ 96
[26](سنن ابن ماجه، 3939
[27] صحيح البخاري، باب الإتقاء والحذر من دعوة المظلوم، 2448
[28] المستدرك على الصحيحين للحاكم، رقم الحديث 3316
[29]متفق عليه، صحيح البخاري، رقم الحديث4686 . مسلم في البر والصلة والآداب باب تحريم الظلم رقم الحديث 2583
[30] صحيح البخاري، رقم الحديث 2269
اعجبني هذا جدا جدا
تحياتي احمد
أتمنى لكم النجاح والسداد و أعز الله الأسلام و المسلمين بكم
نعم الظلم ظلمات يوم القيامة ولا يفلت ظالم من عقاب الله تعالى ويظن الظلمة أنهم في مأمن من عذاب الله لكن الله يمهل ولا يهمل والله تعالى يملي للظالم حتى اذا اخذه لم يفلته. بارك الله فيكم ونفع بعلمكم
مقال في المستوى نفع الله بك الاسلام والمسلمين
ربي زدني علما