رؤية الهلال أم الحساب
الأصل في اثبات شهر رمضان وعيد الفطر الحساب وليس الرؤية المباشرة للهلال، وذلك لقوله تعالى {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} (الرحمن، 5) أي يسيران بحساب دقيق معلوم وتقدير سوىّ تَجْرِيانِ في بروجهما ومنازلهما. وفي ذلك منافع للناس عظيمة: منها علم السنين والحساب[1].
الشمس والقمر يسير كل منهما في مداره الفلكي {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (الأنبياء، 33) وكل منهما يسير في مجراه لا يتعداه إلى غيره بذات السرعة التي قدرها الله تعالى لهما. {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ. لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (يس،38_ 40)
وهذا يدل على حكمة تدبير هذا الكون ودقة التقدير{فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} (الأنعام، 96) وفي ذلك من المنافع العظيمة للإنسان، ليس أكثرها معرفة السنين وحساب الأيام والشهور والسنوات، ولولا ذلك التسيير الحكيم لما استطاع الإنسان أن يضبط ايقاع حياته ضمن منظومة وقتية معلومة، ولتاه الناس في لجة الحياة غير منضبطين بتوقيت أو حساب {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (يونس، 5)
وقال أيضا {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} (الإسراء، 12)
لم يُعرف عن العرب حتى عصر النبي صلى الله عليه وسلم الحساب الفلكي، فعن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا» يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَمَرَّةً ثَلاَثِينَ)[2]
والحديث يشير إلى أنّ جماعة العرب في عهده صلى الله عليه وسلم كانوا أمّة أميّة أي لا تقرأ ولا تكتب، نسبة إلى الأم أي الحالة التي ولدتهم عليها أمهاتهم. فالقوم آنئذ قليل منهم من يكتب، ولم يعرف عنهم حساب النجوم وتسييرها، فلم يكلفهم الله تعالى في مواقيت عباداتهم ما يحتاج فيه إلى معرفة الحساب. إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ[3] عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ)[4]
فاعتماد النبي صلى الله عليه وسلم للرؤية نابع من عدم معرفة العرب في عصره للحساب، فهو حكم للضرورة وليس بأصل، فإن زالت الضرورة بمعرفة الحساب كان هو الواجب شرعا، وهو ما نقول به ونؤكده لشيوع علم الحساب في هذا العصر، وهو ما دعت إليه الآيات القرآنية التي سقناها في البداية.
وما ينبغي أن نشير إليه هو أن يكون الحساب موافقا لإمكانية الرؤية، وإلا يكون ثمة خطأ بالحساب، وبهذا المنهج يمكننا أن نصل إلى التعيين الدقيق لبداية شهر رمضان وانتهائه، كما أن هذا المنهج يمكِّن من تحديد بداية رمضان وانتهائه في المناطق التي لا يظهر فيها القمر طيلة شهر رمضان كالحال الحاصل الآن في المنطقة القطبية الشمالية وأطرافها، لأن القمر لا يرى في حال شروق الشمس. كما أن اعتماد الحساب أيضا في معرفة طلوع الفجر وغروب الشمس يجنب كثيرا من المسلمين مشقة الصيام لساعات طويلة في رمضان هي في الحقيقة زيادة على الوقت المشروع للصيام.
[1] الزمخشري، تفسير الآية 5 من سورة الرحمن. 4/443.
[2]صحيح البخاري، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسُبُ» رقم الحديث، 1913 . وأخرجه مسلم في الصيام باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال، رقم الحديث، 1080
[3] (غبي) من الغباوة وهي عدم الفطنة وهو استعارة لخفاء الهلال
[4]صحيح البخاري،بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إِذَا رَأَيْتُمُ الهِلاَلَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا» رقم الحديث، 1909
أخرجه مسلم في الصيام باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلال رقم الحديث، 1081
انا اوافق على فكرة الموضوع ولدي فكرة اود طرحها بالنسبة لرؤية الهلال الشائع هو مراقبة كل منطقة بلد او منطقة للهلال على يد الفلكيين استنادا الى قول رسولنا(ص): صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته . ولكن ما اود فهمه هو اذا كانت كل منطقة سترى الهلال في يوم معين فان الاول من رمضان يمكن ان يكون اليوم الثاني بالنسبة لبلد اخر والمعلوم ان ليلة القدر تاتي في الايام 21 .23.25.27 فكيف يمكن ذلك اذا كان اليوم 27 هو 26 في منطقة اخرى اذن وعلى حسب معرفتي البسيطة وفهمي المحدود ليلة القدر لا يمكن ان تكون الا مرة واحدة اي ان العالم كله سيعيش ليلة قدر واحدة وبالتالي وجب توحيد الصيام حسب اول جهة ترى الهلال فما ردكم على ذلك
نعم هذا هو الأصل ولو اعتمد المسلمون مبدأ الحساب لما يختلفو أبدا لكنهم يعتمدون الرؤية المجردة والتي يمكن ان تختلف من بلد الى آخر.
معلومات عن موقع حبل الله
http://www.hablullah.com/
موقعٌ يَهدف إجمالا إلى استنباط ما في القرآن على أنه المَصدَرُ الأولُ والآخِرُ، وتأتي السنةُ تابعةً له غيرَ مستقلةٍ عنه بإصدار حكم شرعي. كما أن هذا الموقع لا يَجعل مذهبا أو قَولا لعالم مهما كان علمُه وتقواه مَرجَِعا في تقرير حكمٍ شرعي الدكتور عبد العزيز بايندر تركيا