الرق وملك اليمين

السؤال: ما الذي يعني الرق وملك اليمين في الإسلام؟ وهل صحيح أن السلطان العثمانى العظيم مُحمّد الفاتح هو أول من أصدر قانون لمنع الرق؟ وهل كل الروايات والأحاديث في كتب المذاهب صحيحة؟

الجواب:هذا السؤال مكون من ثلاثة أجزاء :

الأول: الرق وملك اليمين. اعلم يقينا أن القرآن قد أجاب على هذا السؤال المهم في التصريح بأن الإسلام قد ألغى استرقاق الأسرى والإستغلال الجنسي للأسيرات بملك اليمين، كما وضع نظاما خاصا بالأسرى يحرم استرقاقهم والاستغلال الجنسي للأسيرات بشكل قطعي. قال الله تعالى: «فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا» (محمد، 4). فقد حصرت الآية التعامل مع الأسير بإطلاق سراحه عند انتهاء الحرب مقابل فدية أو بدونها ، وقد تعجز الأسيرة عن فداء نفسها فيجوز لمالكها أن يتزوجها ويجعل سراحها مهرها أو يزوجها لغيره لتحصل على بعض المال من المهر والنفقة، فتستطيع أن تحرر نفسها من الأسر مقابل الفدية، قال الله تعالى: «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (النساء، 25). تفيد هذه الآية جواز نكاح الأسيرة ويكون هذا بإذن أهلهن والأهل هنا هم أولوا الأمر إن تزوجها مالكها، ومالكها إن زوجها لغيره، وهذه الآية تفند كل رأي يقول بجواز الإستمتاع بالجارية دون عقد النكاح. وتختم الآية بأن الصبر عن نكاح الجواري حتى يتيسر نكاح الحرة هو خير ؛ وذلك لأنّ مقصد الأسيرة من الزواج هو حصولها على مال يحررها من الأسر، وهذا على خلاف المقصد الأساسي من الزواج وهو الإستقرار والسكن، وقد أبيح الزواج بهن لحكم عظيمة ليس أقلها أن الزواج باب رئيسي لتحررها من الأسر.

وهكذا كان الأمر في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وفي عصر الراشدين كذلك، وقد بدأ الأمر يختلف في عصر الأمويين، وازاد الأمر سوءا كلما تقدم الزمان، وقد تأثر الفقه الإسلامي التقليدي بتوجه الحكام وقالوا بأن الإسلام يجيز الإستمتاع بالجواري أي الأسيرات بدون عقد النكاح مع القيام بحماية حقوقهن والحث على حسن معاملتهن وعتقهن بشتى الوسائل.

ونحن لا نقول إلا بما جاء في كتاب ربنا وسنة نبينا ولا نرضى عن ذلك بدلا، وهو الحجة لنا لا غير، وبه نقول.

الثاني: هل صحيح ان السلطان العثمانى مُحمّد الفاتح هو أول من أصدر قانونا لمنع الرق؟

لم يعرف هذا عن السلطان، وربما ظن البعض ذلك لأنه لم يسترق سكان اسطنبول عندما فتحها، والسبب في عدم استرقاقهم أنهم ساعدوه على الفتح وقدموا الولاء له رغما عن بابا القسطنطينية، ولم يكن نتيجة لرؤيا فقهية مغايرة عن السائد في ذلك الوقت.

الثالث: هل كل الروايات والأحاديث في كتب المذاهب صحيحة؟

بذل الفقهاء جهودا لخدمة الفقه الإسلامي، وتركوا تراثا ضخما، ولا يمكن القول ان كل ما احتجوا به كان صحيحا؛ فكتب الفقهاء تحتوي على روايات غير صححية كما تحتوي على الصحيح، وهذا يدفعنا أن نعرض كل التراث على كتاب الله تعالى فما وافقه أخذنا به وما خالفه رفضناه، ومثال ذلك ما ورد في حق الأسرى والأسيرات؛ حيث حكم القرآن الكريم بإطلاق سراحهم عند انتهاء الحرب، منا أو فداء، ولكننا نجد في كتب الفقه جواز استرقاقهم أو قتلهم في بعض الأحيان وفي هذا مخالفة ظاهرة للكتاب وتطبيق النبي صلى الله عليه وسلم.