الباب الثالث: لا يجوز استرقاق الجواري / الأسيرات
(استعباد الأسيرات يؤدي إلى جهنم وتحريرهن يؤدي إلى الجنة )
ألم تكن الحقائق معروفة؟
ومن المعلوم أنّ بعض العلماء لم يكونوا على معرفة بالحقائق التي نحن بصدد شرحها، وذلك بسبب الظروف الراهنة حينذاك وبسبب ثقتهم بأقوال السابقين من العلماء. والمثال على ذلك كثير.
ومع ذلك، لا شك أن هذه الحقائق قد سبقنا بعض العلماء في الوصول إليها. ولكن مع توسع حدود البلدان الإسلامية فقد انتشر استرقاق الأسرى والاستمتاع بالجواري بالشراء من أسواق النخاسة تحت ظل الخلافة المتوارثة من الأب إلى الابن كالحال في الخلافة الأموية والعباسية والعثمانية.
وفي بداية الأمر استطاع العلماء والمجتهدون رفع أصواتهم بالحق وتوجيه الهيكل السياسي والاقتصادي والاجتماعي نحو الإسلام الحنيف. والهيكل المخالف للإسلام الذي لم يستطيعوا إصلاحه أصبح فيما بعد مشروعا بأسباب سنذكرها في مكانها وتوطدت بالاجتهادات الجديدة المزعوم صحتها..
تحريم الإسلام الاسترقاق بلسان جميع الأنبياء الرسل
وقد بينا سابقا أن الإسلام شرع قانونا يطلق بموجبه الأسرى نتيجة حرب مشروعة مقابل فدية أو دونها منا لهم، وحرم قتلهم أو استرقاقهم.[1] وقد بينا المبادئ التي وضعها الإسلام في هذا الموضوع. حيث حرم الاسترقاق بالآية الرابعة من سورة محمد وغيرها من الآيات. ولكن مجتمع الإسلام قد شكل إسلاما آخر بديلا عن إسلام القرآن الكريم جعل به الاسترقاق مشروعا.
وإليك الآن تفصيل الموضوع:
أولا نتذكر قاعدة أساسية، وهي:
من المتفق عليه أن ما ذكر في القرآن الكريم من حرام مطلقا في شريعة الأنبياء السابقين على الأمم والمجتمعات السابقة حرام على المسلمين كذلك.[2]
أحكام القرآن العامة التي تحرم الرق
قال الله تعالى: « وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا» (الإسراء، 17 / 70). وأولى مقتضيات التكريم هي الحرية. لذلك يعتبر استعباد الإنسان واستغلال الجواري لغرض الجنس بدون النكاح من عمل الشيطان ومخالف للفطرة. (الإسراء، 17 / 70 وسورة النساء، 4 / 119).
العبودية لله وحده وليست للطاغوت
أ. وقد خلق الله تعالى جميع ما في السماوات وما في الأرض من أجل الإنسان؛ وخلق الإنسان ليعبده وحده. وبالرجوع إلى ما بينه القرآن الكريم فإنه ما من مجتمع إلا وقد أرسل الله تعالى إليهم رسولا يدعوهم إلى عبادته وحده واجتناب الطاغوت.[3]
ومن يقرأ سورة الفاتحة – التي هي خلاصة القرآن الكريم وتشكل جوهر الشريعة – يجد أن الله تعالى قد نهى عن عبادة الناس، وأثبت العبادة لنفسه تعالى بقوله: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» (الفاتحة، 1 / 5) وتُقرأ هذه الآية الجليلة في كل ركعة من الصلوات التي هي أساس العبادة.
ويؤكد ذلك الرسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "كل رجالكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله" وقد بين بذلك أن العبودية لا تكون إلا لله. كما منع رسول الله صلى الله استعمال المصطلحات التي توحي بمشروعية العبودية حيث قال صلى الله عليه وسلم: " لا يقل أحدكم: أطعم ربك وضئ ربك، اسق ربك، وليقل: سيدي مولاي، ولا يقل أحدكم: عبدي أمتي، وليقل: فتاي وفتاتي وغلامي، لأن العبيد عبيد اللّه والإماء إماءُ اللّه؟"[4]
الاستعباد محرم على الأنبياء والرسل
ب. خلق الله الناس ليعبدوه وحده[5] وقد بين الله تعالى في الآية 79 من سورة آل عمران أنه لا يجوز للأنبياء _ فضلا عن غيرهم _ استعباد الناس. حيث قال الله تعالى: «مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ» (آل عمران، 3 / 79).
ت. كما بين الله تعالى في الآية 67 من سورة الأنفال أنه لا يجوز للأنبياء الأسر كغنيمة في الحرب،[6] قال الله تعالى: «مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (الأنفال، 8 / 67).
كما حرم الله تعالى على الأنبياء بشكل عام وعلى نبينا محمد صلى الله وسلم على وجه الخصوص استبعاد من استعبد من قبل القوى الاستبدادية وتمييز الأحرار عليهم.[7] قال الله تعالى: «وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ» (الأنعام، 6 / 52).[8]
الكعبة رمز الحرية
ث. وقد وصف الله تعالى الكعبة بالبيت العتيق، وهي أول بيت وضع لعبادة الله تعالى، وأمر الناس بزيارته منذ آدم وإبراهيم عليهما السلام. وبهذا جعلها الله تعالى رمزا للحرية حيث توحي للناس أن العبودية لا تكون إلا لله تعالى وحده.[9]
ج. الاستعباد مرفوض بلسان بلقيس ملكة سبأ
وقد ذم القرآن الكريم بلسان بلقيس ملكة سبأ الملوك الذين يحتلون البلاد ويأسرون حكامها وقاداتها الأحرار ويستعبدونهم. كما قال تعالى: «قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ» (النمل، 27 / 34).
ح. وكذلك وجه الذم إلى فرعون لاستعباده بني إسرائيل
وقد امتن الله تعالى على عباده المؤمنين من بني إسرائيل قائلا: «وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ» (البقرة، 2 / 49).
وذم فرعون على استعباده بني إسرائيل على لسان موسى بقوله: « وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ» (الشعراء، 26 / 22). ووعد بني إسرائيل أنه سيجعلهم أحرارا وحكاما في الأرض بعد أن كانوا ضعفاء مستضعفين. قال الله تعالى: «وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ» (القصص، 28 / 5). كما أخبر ربنا سبحانه وتعالى على لسان موسى عليه السلام أنه جعل من بني إسرائيل أنبياء وملوكا، قال تعالى: « وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ» (المائدة، 5 / 20).
وكذلك ذم الله تعالى قوم فرعون بإتباعهم إياه قال تعالى: « فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) » (الزخرف، 43 / 54).
توجيه اللوم لبني إسرائيل باستعباد إخوانهم في الدين
وقد أدان الله تعالى بني إسرائيل على أنهم يحاربون إخوانهم في الدين مع من تحالف معهم من العرب وأسرهم ليطلقوا سراحهم بالفدية أو يستعبدوهم. قال الله تعالى: «ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» (البقرة، 2 / 85).[10]
قبول نظام الذي يحكم الناس مستعبدين إياهم حرام
خ. ينهى القرآن الكريم المؤمنين عن قبول ما يصدره الحكام من الأوامر تجاههم لإدارتهم كالعبيد أو كقطيع أغنام. قال الله تعالى: تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ» (البقرة، 2 / 104). لَا تَقُولُوا (لحكامكم) رَاعِنَا (كما يرعى الراعي الأغنام) وَقُولُوا انْظُرْنَا (خذ القرارات المفيدة لنا) وَاسْمَعُوا (الأوامر والنواهي المشروعة ونفذوها) وَلِلْكَافِرِينَ (الذين يستعبدون الأحرار مخالفين أوامر الله تعالى) عَذَابٌ أَلِيمٌ».
المستعبد هو المستكبر
خ. وقد فضل الله بعض العباد على بعض في الحياة الدنيا: في القوة والغنى والشهرة والنشاط، والأرزاق والأخلاق والمحاسن، والمناظر والأشكال والألوان. وله الحكمة في ذلك ليختبرهم في الذي أنعم به عليهم، ويمتحنهم به، فيختبر الغني في غناه، ويسأله عن شكره، والفقير في فقره ويسأله عن صبره.[11] ولكن المستكبرين الذين ضلوا عن سواء السبيل وهدي الأنبياء يأسرون الضعفاء ثم يستعبدونهم ظلما وعلوا وفسادا في الأرض. ويجعلون نظام العبودية المحرم مشروعا بتحريف كتابهم المقدس.
وقد بعث الله موسى عليه السلام ليدعو بني إسرائيل إلى عبادة الله وحده ويخرجهم من عبودية فرعون الذي استعبدهم في أرض مصر.[12] وبعث خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم للناس كافة ليضع عنهم إصرهم (العبودية) والأغلال التي ضربها المستعبدون على أيديهم وأرجلهم. وأمرهم بمكافحة العبودية والاستعباد.[13] كما أمر القرآنُ المؤمنين بفك الرقبة، وتحريرها، أي أن الله تعالى بعث جميع الأنبياء ليؤدوا نفس الوظيفة، ألا وهي إخراج الناس جميعا من ظلمات الشرك والعبودية لغير الله إلى نور التوحيد والحرية.
لا يمكن لأحد شراء الناس إلا لله تعالى
ورد في موضع واحد من القرآن الكريم أنه يمكن للإنسان أن يبيع نفسه لله تعالى.[14] كما ورد في موضع آخر أن الله تعالى اشتري من المؤمنين أموالهم وأنفسهم مقابل الجنة. وهو مما يدل على أن عملية شراء وبيع الناس لا تكون إلا لله تعالى. أي أنه منع العبودية منعا قاطعا بتحريم بيع إنسان من قبل إنسان آخر. قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» (التوبة، 9 / 111).[15]
لا يفرق الإسلام بين العبد والحر وكذلك الفطرة السليمة
قد بين الله تعالى أن الناس جميعا إخوة لأم وأب، ولذلك فليس لأحد منهم أن يستعلي على أحد من إخوته، ولا أن يسيء إليه، ولا أن ينتقصه، ولا أن يغتابه. وقد جعل الله تعالى البشر بالتكاثر شعوبا وقبائل مختلفة ليتمكن بعضهم من معرفة بعض، كأن يقال هذا فلان بن فلان من قبيلة كذا من بطن كذا. ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، والأتقى هو الأكرم عند الله، والأرفع منزلة، ولا قيمة في ميزان الله للأموال والأحساب والأولاد، وإنما القيمة للتقى والصلاح وطهارة القلب، والخوف من الله، والإخلاص في محبة الناس، والنصح لهم. وعلى هذا لا يجوز استعباد الناس وقد ولدتهم أمهم أحرارا. قال الله تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير» (الحجرات، 49 / 13).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: "يا أيها الناس إن الله أذهب عنكم حمية الجاهلية، وتعظمها بالآباء، فالناس رجلان: رجل بر نقي كريم على الله، ورجل فاجر شقي هين على الله تعالى". ثم تلا آية الحجرات السابقة.
وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام، إذا فقهوا".[16] وقياسا على ذلك فإن أصحاب الخير والفضيلة في حين كونهم أحرارا يكونون أصحاب الخير والفضيلة في حين وقوعهم أسرى.
وفي ظل الآية السابقة من سورة الحجرات نهى الرسول صلى الله عليه وسلم استعمال كلمة سوداء التي توحي بالعبودية وبتفضيل البيض على السود. كما كان يصف المماليك الذين لم ينالوا حريتهم بعدُ بـ "إخوانكم". فعن المعرور بن سويد، قال: لقيت أبا ذر بالربذة، وعليه حلة، وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم".[17]
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم مر وهو يطوف بالكعبة بإنسان ربط يده إلى إنسان بسير – أو بخيط أو بشيء غير ذلك -، فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم بيده، ثم أمره أن يقوده بيده. لأن تلك الحالة كانت توحي بالعبودية لغير الله تعالى؛ لأن العبد في الجاهلية كان يربط من عنقه ثم يساق كالحيوان.
الأصل في الإنسان أن يكون حرا
وقد كرم الله تعالى الإنسان وحرم دمه وماله وعرضه وأعطى له إرادة حرة ليقوم بأداء الواجبات الإلهية باختياره.[18] ومن أجل ذلك حرم الله تعالى استعباد الناس بسلب حرياتهم.[19]وقد كان التحريض على الفتنة والفساد وسلب الحرية من الناس والضغوط عليهم سببا لاندلاع الحرب.[20] وإذا كان تقييد الحرية والضغوط على الناس حراما، فاسترقاقهم والاستمتاع من الجواري بدون النكاح حرام بل هو أشد ما حرم الله تعالى.
الحرية هي العدالة
إن الله تعالى يأمر في كتابه الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم بالعدل والإنصاف، ويندب إلى الإحسان والفضل، ويأمر بصلة الرحم وإعطاء ذوي القربى ما هم بحاجة إليه، وينهى عن ارتكاب المحرمات والمنكرات والفواحش، ما ظهر منها وما بطن، مما يأتيه العبد سرا وخفية. والله تعالى إنما يأمركم بالخير وينهاكم عن المنكر والشر لعل الإنسان يتذكر ما أودعه تعالى في الفطرة من وحي قويم أصيل، فتعملوا بمقتضاه. قال الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ» (النحل، 16 / 90).
وهذه الآية وآيات كثيرة من أمثالها تحرم العبودية. لأن احترام الحرية التي خُلق الإنسانُ عليها والحفاظ على حقوقه هو العدالة المحقة والإحسان الكامل الذي يستحقه الإنسان الذي خلقه الله تعالى مكرما. كما أنه لا يتصور وجود ما هو أقبح وأشد ظلما من استعباد الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا.
مباشرة النساء بدون النكاح حرام؛ وقد حارب القرآن والسنة العبودية وحرم استغلال الجواري جنسيا دون نكاح صحيح وبدون تحمل أي مسؤولية قانونية وأخلاقية. وبالتالي مهد الطريق لإقامة مجتمع خالٍ من العبودية.
الاستعباد شرك لأنه نوع من التأله
وقد حرم الإسلام العبودية وأرسى مبادئ التوحيد التي تحرم الشرك ومن صوره اتخاذ بعض الناس بعضا أربابا من دون الله، وحرم كذلك إطاعة المخلوق في معصية الخالق. وسنقف على هذا الموضوع بالتفصيل في الباب الخامس إن شاء الله.[21]ونكتفي هنا بأن نلفت نظر القراء إلى قوله تعالى: «إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (آل عمران، 3 / 35).
والتزاما بتوجيه جميع تلك الأوامر الإلهية لم يقم النبي صلى الله عليه وسلم باسترقاق واحد من آلاف الأسرى الذين كانوا لديه. وكل من فهم رسالته من حكام المسلمين وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون اجتنبوا استرقاق الناس، بل قاموا بمكافحة الاستعباد بجميع أنواعه.
ولا يمكن أن ترتبط الاجتهادات التي تجعل العبودية مشروعة في الكتب الفقهية التقليدية مع الإسلام؛ لأن القرآن الكريم قد حرم العبودية وظهر ذلك في السنة النبوية.
الفروق الأساسية بين العبودية ونظام الأسرى المشروع في الإسلام
وقد بينا في الباب السابق أن الإسلام حرم مؤسسة العبودية المخالفة لمبادئه بتشريع نظام الأسرى. كما لخصنا فيه أن القرآن الكريم حرم العبودية.
وفي هذا الفصل نقوم بإذن الله بدارسة الفروق الأساسية بين العبودية ونظام الأسر المشروع في الإسلام؛ ومع كثرة هذه الفروق التي توضح أن الإسلام ضد العبودية، لم تفرق معظم المصادر الإسلامية بين الرقيق والأسرى، وقد استُعمل كلا منكلمتي العبد والأسير مكان الأخرى.[22]كما أدى ذلك إلى تسلسل الأخطاء. ولكن القرآن الكريم فرق بينهما من بداية الوحي، قال الله تعالى: «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا» (الإنسان، 76 / 8).
الأسر مشروع في القرآن الكريم والسنة النبوية، أما العبودية فليست كذلك، ولا يجوز بيع الأسير أو العبد والاستمتاع من الأسيرات والإماء دون عقد النكاح، وعلى هذا فكل عبد أسير وليس العكس. ولكن المعروف في الفقه التقليدي أن شراء العبد وبيعه واستغلال الجواري لمتعة جنسية أمور مشروعة.
والفروق كبيرة بين العبد والأسير مع أن في كليهما تقييد للحرية والحقوق. ومن أجل تلك الفروق نهى الإسلام عن العبودية وجاء بنظام الأسر في الإسلام. ويمكن ترتيب تلك الفروق على النحو التالي:
للعبودية مصادر وطرق كثيرة أما الأسر له مصدر واحد
للعبودية مصادر وطرق كثيرة مثل الحرب سواء كانت مشروعة أو ظالمة، والإغارة والغزو، والتهريب والقوانين التي تجعل الاستعباد مشروعا. أما نظام الأسر في الإسلام فله مصدر واحد فقط.
الأسر أفضل من العبودية التي حقيقتها تأبيد سلب الإرادة
والهدف الأساسي لتأسيس نظام العبودية هو الاستعمار الاقتصادي، وذلك لتوفير القوى العاملة الرخيصة؛ وتكريس الهيمنة السياسية والثقافية. أما الهدف من نظام الأسر في الإسلام هو تقليل الخسائر الناجمة عن الحرب في الأرواح والممتلكات؛ وتجنب اندلاع الحرب من جديد؛ والتعرف على المعتقدات والأخلاق الإسلامية عن قرب.
الاعتداء على الجواري في العبودية والنكاح المشروع في نظام الأسر
وفي نظام العبودية يتصرف المهيمن في العبيد أنى يشاء كيفما يشاء وقتما يشاء؛ ويتمتع من الجواري حسبما يشاء رغما عنها. أما في نظام الأسر في الإسلام طريق واحد للاستمتاع من الجواري ألا وهو النكاح الصحيح برضا الجارية / الأسيرة.
هدف الاستعباد الاستمرار في العبودية أما الهدف من الأسر فمؤقت
العبودية تعني ملك اليمين على الدوام ولا خلاص منها إلا بموافقة صاحب العبد. أما في نظام الأسرى في الإسلام فقد بين القرآن الكريم طرقا عديدة للخلاص من الأسر حيث يتخلص الأسير من الأسر بدفع الفدية أو عن طريق المكتابة أي الاتفاق مع سيده أن يتخلص من الأسر مقابل مبلغ معين، يُسمح بموجبه للعبد الحصول على المال مقابل جهده ليدفع لسيده المبلغ المتفق عليه. ومن أجل ذلك خص الإسلام في تحرير الأسرى والرقيق سهما من الزكاة التي تعتبر مصدرا أساسيا لميزانية الدولة. وأعطى حق المكتابة لمن أراد من الأسرى التخلص من الأسر. وجعل كفارة القتل الخطأ وكفارة اليمين تحرير رقبة أي تحرير أسير أو عبد. كما بين الشرع الإسلامي أن إطلاق سراح الأسرى من الطرق التي تؤدي إلى الجنة وتبعد عن النار.
العبودية لا تعترف بحقوق الإنسان، أما الأسر فيهتم بها
العبودية لا تعترف بحقوق الإنسان، ولكن نظام الأسر في الإسلام قد تكفل بحفظ حقوق الأسرى: كحرية الدين والإيمان وحفظ الروح والمال والعرض. والأكثر من ذلك جعل الإسلام الجريمة التي ترتكب بحق الأسرى كالجريمة التي ترتكب بحق الأحرار. كما جعل الإحسان إلى الأسرى من الأعمال الصالحات التي تدخل الجنة وتبعد من نار جهنم.
لا يوجد في الاستعباد حقوق سياسية، خلافا للأسر
العبودية تحرم الإنسان من حقوقه السياسية حتى بعد الحرية. أما نظام الأسر في الإسلام يُمنع فيه الأسير من ممارسة النشاطات السياسية فترة معينة. وحين يتخلص من الأسر يقوم بنشاطاته السياسية كما يشاء. وعلى سبيل المثال لو أسلم الأسير في زمن كونه أسيرا وتحرر يمكن له أن يتعين في مناصب الدولة الإسلامية بقطع النظر عن قوميته.[23] وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الحقيقة بقوله: "ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله، فاسمعوا له وأطيعوا" وفي رواية أخرى قال: "عبدا حبشيا".[24] ولم يكتف النبي صلى الله عليه وسلم بالإشارة بل طبق ذلك عمليا بين أصحابه، حيث عين مولاه أسامة بن زيد قائدا للجيش.[25]
العبودية تخالف الفطرة أما الأسر فليس كذلك
تتعارض العبودية مع طبيعة الإنسان الذي خُلق حرا، وهو يحب الحرية بطبعه، وكذلك تخالف الفطرة أي دين الإسلام الحق الذي جاء به جميع الأنبياء من عند الله تعالى. ولذلك لا تكون العبودية إلا ومعها البغض والعداء، وتؤدي إلى الفساد والعصيان وسفك الدماء. أما نظام الأسر في الإسلام شكّل هيكلا يفتح الطريق إلى إمكانية الوصول إلى اتفاق في موضوع الأسرى الذين حرموا من بعض حقوقهم لفترة معينة بسبب اشتراكهم في الحرب مع العدو، وذلك بعد أن تضع الحرب أوزارها. وهو نظام يطبق بعيدا عن الاضطهاد حيث تحتمله طبيعة الإنسان، نقول إنّ نظام الأسر نظام يمكن أن تتحمله طبيعة الإنسان، لأن الإسلام دافع عن حق الأسرى وأمر أن تقدم لهم خدمات اجتماعية وصحية ومعنوية حسب الشروط المتاحة. قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (الأنفال، 8 / 70).
خاطب الله نبيه بأن يقول لهم كلمة رحيمة هادية تقرب القلوب، ولا تجفيها، قال سبحانه لنبيه: (قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى)، أي لَا يزالون تحت سلطانكم، وقريبين منكم (إِن يَعْلَم اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يؤْتكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكمْ) أي إن يعلم الله في قلوبكم خيرا، وهو رجاء الإيمان منكم، أو قرب احتماله، يؤتكم خيرا مما أخذ منكم أي يؤتكم إيمانا وأن تكونوا في صفوف جيش الله ومع المؤمنين، فيكون الإيمان، وهو خير مطلق، وفضل عميم ويؤتكم من خير الغنائم أكثر مما أخذ منكم.
وتدل الآية على أنه لا يجوز استرقاق الأسرى أو قتلهم وكل ما في الأمر أن يطلق سراحهم فداء أو منا. أما من كان يقع في يد الروم من المسلمين فيسترقون. وعلى هذا نتساءل أن ما سنذكر من الاجتهادات هل هي إسلامية أم ليست إسلامية؟
يقول الشافعية والجنابلة والزيدية أنه يجوز استرقاق الأسرى. ويقول الحنفية يجوز استرقاقهم بقرار السلطان. ويقول المالكية السلطان بالخيار بين أن يطلق سراحهم فداءً أو منّا وبين أن يسترقهم.[26]
واجبات وحقوق المملوك في الفقه التقليدي
واجبات المملوك تجاه المالك: إطاعة أوامر مالكه واجتناب نواهيه فيما لا يتعارض مع المبادئ الإسلامية، والقيام بالعمل الذي أمر به مقابل نفقاته، وحفظ أمواله، ودفع ما كسب من الأموال إليه، وقبول أن يُباع ويُشترى، وعدم الأبق، وعلى الجارية المسلمة أو الكتابية أن تقدم نفسها لمالكها ليطأها بدون النكاح حينما يريد.
وحقوق المملوك:
أن يتعامل السيد مع مملوكه معاملة إنسانية، وأن لا يحتقره ولا يضطهده وأن ينفق عليه ويوفر له الخدمات الصحية، وأن يكاتبه إذا طلب ذلك، وأن يعطيه الحرية الدينية وأداء العبادة، وعدم الممانعة في الزواج. وفي حالة وقوع انتهاكات لحقوقه فله الحق في رفع الدعوى إلى المحكمة. [27]
الاستعباد عن طريق المعاملة بالمثل
وقد تبين من الدراسة السابقة التي اعتمدت القرآن الكريم والسنة النبوية أن الإسلام حارب العبودية بأكملها وأغلق جميع طرقها ووضع نظاما بديلا يطبق في الأسرى.
هذا وقد قال كثير من علماء الإسلام أنّ الإسلام سلك طريق التدرج في إنهاء حقيقة العبودية الشائعة في العالم كله والتي تلقاها الإسلام بالقبول، لأنه لم يكن باستطاعته أن ينهيها بالمرة من طرف واحد. وقالوا إن المسلمين كانوا مجبورين على إبقاء العبودية من باب المعاملة بالمثل.[28] وقد وقع المسلمون أسارى في الحرب مع الروم في الغرب ومع الفرس في الشرق، واستُعبدوا وبيعوا في أسواق الرق. وقد استمرت هذه الحالة حقبة طويلة من التاريخ. وعلى هذا فلم يكن بدا للمسلمين إلا أن يستعبدوا مَن وقع مِن الكفار أسيرا في أيدهم على أساس المعاملة بالمثل، وقد استخدموا بعضهم كالعبيد وباعوا البعض الآخر في أسواق الرق.[29]
وهذه الآراء من علماء الإسلام ومفكريهم لا يمكن أن تتوافق مع القرآن الكريم. لأن الإسلام لم ينه عن العبودية القائمة في المجتمع الجاهلي ليكون نظام العبودية القائم على المعاملة بالمثل بديلا عنه، بل جاء بنظام بديل أحسن حالا وأعظم مآلا، ألا وهو نظام الأسر، وفتح الطريق لإنقاذ أسرى المسلمين من العبودية عن طريق تبادل الأسرى، وإطلاق سراح أسرى الكفار عن طريق أخذ الفدية، وهو أحسن بكثير في تحقيق المصالح من نظام الاستعباد القائم على أساس المعاملة بالمثل.
مبدأ المعاملة بالمثل يوافق المبادئ القرآنية، ويمكن تطبيقه في الحروب المشروعة. ولكن لا يمكن أن يكون سبيلا لتعدي حدود الله وتحليل ما حرم أو تحريم ما أحل. وبمعنى آخر يجوز تطبيق هذا المبدأ وفقا للشريعة الإسلامية.
ويمكننا توضيح الموضوع بالأمثلة التالية:
المثال الأول:
عندما منع مشركوا مكة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من دخولهم مكة لا شك أن ذلك كان ثقيلا عليهم. وفي طريق عودتهم إلى المدينة التقوا بقافلة تريد أداء الحج حسب التقاليد الجاهلية. فقال بعض الصحابة نمنعهم من دخول مكة كما مُنعنا نحن، (على أساس المعاملة بالمثل)؛ فنزلت الآية الثانية من سورة المائدة التي تحرم اتخاذ مبدأ المعاملة بالمثل سبيلا لمنع الحرية الدينية.[30] قال الله تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ» (المائدة، 5 / 2).
المثال الثاني:
رد فعل أبي بكر رضي الله عنه تجاه التمثيل بأحد قتلى العدو
فقد أُتي أبو بكر رضي الله عنه برأس رجل من رجال الدين المسيحي، فقال: لا تأتوا بالجيف إلى مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال لمن أراد الدفاع عن هذا العمل بأنه المعاملة بالمثل: هل أقتدي بسنة الروم والفرس.[31]
ويمكن أن نكثر من الأمثلة:
تعذيب الأعداء من في أيدهم من أسرى المسلمين بالجوع والعطش وتركهم عريا على الرمضاء لا يجيز لنا أن نقابل ذلك بالمثل.[32] ولم يقل بجوازه أحد من فقهاء المسلمين ومجتهديهم. وعليه فلا يجوز المعاملة بالمثل لو قتل الأعداء من في أيديهم من أسرى المسلمين.[33]
فالإسلام لا يجيز الأفعال المذكورة فكيف يجيز استعباد من ولدتهم أمهاتهم أحرارا، وبيعهم في أسواق الرق كالسلع؛ وهم سيصبحون مسلمين في المستقبل؛ وهل يجيز الإسلام استغلال أمهات مسلمي المستقبل لمتعة جنسية؟ بالطبع لا.
وهنا قضية مهمة ينبغي الوقف عليها، وهي:
بعد أن وضع الإسلام القواعد المتعلقة بالأسر، التي ذكرناها ملخصة؛ فقد أصبح العبيد والجواري كالأسرى، وهذا ما اقتضاه الانتقال من عهد الجاهلية إلى عهد الإسلام، وبهذا انتهى عهد العبودية، وبدأ العمل بنظام الأسر الذي سيستمر حتى تقوم الساعة. وبعد توقف الوحي بوفاة النبي صلى الله عليه وسلم أصبح نظام الأسر في الإسلام قضية محكمة لا تقبل النسخ أو التغيير إلى أن تقوم الساعة.
وعلى هذا النهج سار الخلفاء الراشدون الذين استوعبوا القرآن الكريم والسنة النبوية جيدا، وذلك لما كثر الأسر بعد اليرموك أشار علي بن أبي طالب، إلى خليفة المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما بهذا الرأي قائلا: يا عمر! هؤلاء المساكين كانوا تحت ظلم البيزنطيين، وقد أنجينا منهم أجسادهم، والآن علينا أن ننجي قلوبهم. فإني أرى إطلاق سراحهم، فليذهبوا ويلقوا أولادهم، وليعيشوا سعداء بكرم الإسلام ورحمته وعدالته.[34] وقد أخذ عمر رضي الله عنه بهذا الرأي. والمثال التالي يؤيد ذلك:
مخالفة عمر رضي الله عنه فكرة تقسيم الأراضي المفتوحة أربع أخماس بين أصحابها والمجاهدين؛ وأصدر لأبي عبيدة بن الجراح الأوامر التالية معتمدا ما جاء في سورة الحشر من الآية السادسة إلى الآية العاشرة: أما الذين يراد تقسيمهم مع أراضيهم.. لو تحقق هذا الطلب فإنه يعطي للمسلمين حق التملك مدى الحياة. فيتملك أولاد الفاتحين أولادهم بعد أن نترك الحياة، وبالتالي يبقون في الرق ما زال الإسلام حاكما، ولن آذن لمثل هذا الأمر. فافرض عليهم الجزية وامنع استرقاق نسائهم.[35]
وهنا سؤال يطرح نفسه ولا بد من جواب له: لماذا لم يتم إنهاء العبودية الموروثة من الجاهلية بالمرة؟
وقد حرم الإسلام بعض الأشياء بالمرة. وعلى سبيل المثال: كان زواج الأبناء بزوجات الآباء بعد موتهم فاشيا في الجاهلية، فذم الله تعالى هذا الفعل، وسماه فاحشة، وجعله مبغوضا أشد البغض. وقد حرم الله تعالى على الأبناء زوجات الآباء تكرمة لهم وتعظيما. وكذلك حرم الجمع بين الأختين. وعفا عما سبق في العهد الجاهلي بقوله تعالى: «إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ».[36] ولكن حين وضعت القواعد النهائية لم يتنازل الإسلام عن تطبيقها طرفة عين. كما قام الإسلام بتحريم الربا الذي تم الاتفاق على التعامل به في الجاهلية وانتقل التعامل به إلى بداية عصر الإسلام.[37] فلماذا لم يقم الإسلام بإنهاء العبودية الموروثة من الجاهلية بالمرة كما حرم الربا؟ لم يفعل ذلك لأسباب عدة، وهي كالتالي:
أ. وضع الإسلام قانونا واستثنى ما سبق. وكان التطبيق على هذا الأساس.
ب. بعض العبيد الذين انتقلوا من الجاهلية كانوا أسرى لكن لم يدفعوا الفدية فأصبحوا عبيدا. والبعض الآخر منهم قد ابتاعوا أصحابهم حسب عرف الناس. وتحرير العبيد الذين يشكلون في المجتمع القوى العاملة والعمود الفقري في الاقتصاد كان يؤدي إلى توقف الإنتاج والجمود الاقتصادي وبالتالي كان يتضاعف العبء على أصحاب العبيد.
ت. تحرير العبيد بالمرة كان يؤدي إلى ترك الآلاف من العبيد بلا مأوى ولا عمل، وهو مما يفسد التوازن الاجتماعي ويخل بالأمن بسبب زيادة نسبة المشردين والبطالة في المجتمع. بالإضافة إلى ذلك أنه لم يكن في الدولة الإسلامية الجديدة الهيئة الأمنية التي تساعد على توفير الأمن في المجتمع.
ث. ومنع حدوث الحرب الأهلية المرتقبة في حالة رفض أصحاب العبيد تحرير عبيدهم بالمرة، وما يترتب على ذلك من الانحلال الاجتماعي، كما يفتح الطريق أمام الأعداء من الخارج ليغيروا على الدولة الإسلامية الوليدة.
ج. لم يكن الإسلام في السنوات الأُول من الهجرة يستطيع حل المشاكل التي تنجم عن تحرير العبيد بالمرة، فالقوانين التي تحكم بتحرير العبيد نزلت فيما بين السنة الثانية والسنة الثامنة من الهجرة وفقا للظروف الاجتماعية والاقتصادية.
خلاصة ما نقول في هذا الموضوع، هو أن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لا يمكن تحقيقها إلا عبر مراحل. ولذا حث الإسلام على تحرير العبيد المتوارث من الجاهلية من ناحية ومن ناحية أخرى قام بتفعيل النظام الذي وضع بخصوص الأسرى. كما بينا ذلك فيما سبق.
والجزء الكبير من الأخطاء المتعلقة بالرقاب، نتج عن التطبيقات الموروثة من الجاهلية حيث كان الأسرى يدخلون دائرة العبودية بموجبها؛ وقد توهم البعض بهذه التطبيقات مشروعية العبودية في الإسلام.
كيف تشكل نظام الاستعباد؟
وقد وضع الإسلام نظام الأسر الذي تميز به عن غيره من الأديان، وجاء بمبادئ عامة وقواعد خاصة يحرم بموجبها استرقاق الأسير والأسيرة. لأنه ليس سلعة تباع وتشترى؛ بل إنسان خلقه الله تعالى في أحسن تقويم وكرمه على كثير ممن خلق.
الاسترقاق:
1. حرمان الأسرى من حقوقهم الأساسية باسترقاقهم، وإجبارهم على العمل تحت ظروف بدائية مقابل سد الجوع فقط.
2. بيع الأسرى بعد استعبادهم كالسلع بدون تحمل المسؤولية الحقوقية والأخلاقية تجاههم وبدون رضاهم والاستغلال الجنسي للجواري/للأسيرات بدون عقد النكاح.
3. واستعباد من ولد من الجواري/الأسيرات…
ونريد أن نقف على موضوع الاسترقاق بدءا من البند الأخير، مع أنه يمكن الوقوف عليه بدءا من البند الأول. لأن الإسلام عامل الأسرى والجواري معاملة الأحرار مع بعض الاستثناءات. ولأنه يلفت النظر إلى موضوع الاستغلال الجنسي للجواري أو نكاحهن. وهو ما يشكل جوهر هذه الدراسة.
[1] وفي الفقه التقليدي يجوز استرقاق الأحرار إذا وقعوا أسارى في أيديهم وكذلك أولاد الجواري من غير مالكهن. ويجوز بيع وشراء المستعبدين. وبناء على ذلك بقيت العبودية إلى يومنا هذا. (أنظر: الموسوعة الفقهية الجزء 23 مادة رقيق).
[2] سورة الشورى الآية 13. وقد جادل جميع الأنبياء ضد العبودية واستغلال الجواري لغرض جنسي
وقد قال الله تعالى بعد الآيات 1-25 من سورة النساء، لا سيما بعد الآية الرابعة والعشرين والخامسة والعشرين اللتان تشملان أحكام الزواج من الجواري وشروط الزواج: «يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ؛ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا؛ يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا» (النساء، 4 / 26-28).
يبين الله تعالى بهذه الآيات أن موضوع الزواج من الجواري هو من ضمن تبليغ الأنبياء. يحرم الله تعالى استفراش الجواري بدون النكاح، ولكن الذين اتبعوا الشهوات يريدون أن نغرق في الإثم باستفراش الجواري خلافا للشريعة الحنيفة. مع أن الله تعالى خفف علينا بجوازه الاستمتاع من الجواري بنكاح صحيح. (تفسير ابن الكثير عند تفسير الآية الثامنة والعشرون من سورة النساء). وبهذا أغلق طريق الاستمتاع من الجواري بغير النكاح. ولنعرف جيدا أنه لا يوجد في القرآن ما يجيز الاستمتاع من الجواري من غير النكاح. كل ما ورد في القرآن الكريم في الجواري هو نظام الأسر حيث تكون الجواري محبوسات فترة معينة ثم يطلق سراحهن مقابل فدية أو بدونها منا لهن.
[3] أنظر: الجاثية، 13؛ فاطر، 24؛ النساء، 4 / 36.
وقد استوعب الصحابة هذه الحقائق التي اكتملت في خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم. فعندما دخل ربعي بن عامر رضي الله عنه على كسرى ملك الفرس وقال له كسرى: "ما الذي جاء بكم ؟؟" فقال: "جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد؛ ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة؛ ومن جور الأديان إلى عدالة الإسلام.."
[4] أنظر: النسائي، باب عمل اليوم، رقم الحديث: 241، 243؛ مسلم، الأيمان، رقم الحديث 8؛ أبو داود، رقم الحديث: 4806.
[5] الذاريات، 56.
[6] لم تحل الغنائم لأي نبي إلا لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي أرسل كافة للناس. كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة، وبعثت إلى الناس كافة، وأعطيت الشفاعة " (رواه البخاري، الخمس، 8؛ ومسلم،الجهاد، 32 والمساجد، 5؛ أحكام القرآن للجصاص عند تفسير الآية 67 من سورة الأنفال).
وهذه التوضيحات النبوية تدل على أنه لم يحل للأنبياء السابقين الأسر فضلا عن استرقاق الأسرى والاستغلال الجنسي للجواري/الأسيرات. لأنهم أرسلوا ليدعوا قومهم إلى الإيمان بالله واجتناب الطاغوت.
[7] أنظر: الآية 27 من سورة هود؛ والآية 28 من سورة الإسراء.
[8] بلال وأمثاله: والآيات التي تحرم شتم المستعبدين وقد نزلت كلها في مكة المكرمة. الآية 28 من سورة الكهف والآية 52 من سورة الأنعام مثلا منعت من سب أشخاص هم بلال، وصهيب، وسلمان، وعمار، ولبينة، ورنينة، ونهدية وكلهم كانوا أسرى أو موالي قبل الإسلام أو أحرارا ولكنهم يعاملون معاملة الأسرى لكونهم من المستضعفين. ولم يطردهم النبي صلى الله عليه وسلم بل قربهم من نفسه وفتح أمامهم طريق الحرية. (أنظر: تفسير ابن كثير والشوكاني عند تفسير الآية 52 من سورة الأنعام).
[9] الآية 97 من سورة آل عمران؛ والآية 29 والآية 33 من سورة الحج. ونود أن نذكر هنا بقوله تعالى عن امرأة عمران: «إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (آل عمران، 3 / 35).
[10] سورة البقرة، 2 / 85.
كان في المدينة ثلاث قبائل من اليهود: بنو قينقاع وبنو النضير، وهم حلفاء الخزرج، وبنو قريظة وهم حلفاء الأوس، وكانوا إذا وقعت الحرب بين الأوس والخزرج انتصر كل فريق من اليهود لحلفائه، وانضم إليهم يقاتل خصومهم. وكثيرا ما كان اليهودي يقتل اليهودي في الحرب، ويخرجه من بيته، وينتهب ماله وأثاث منزله، وكل ذلك محرم عليهم فعله بنص التوراة.
ولكنهم كانوا إذا وضعت الحرب أوزارها يقومون بافتكاك الأسرى ومفاداتهم، عملا بنص التوراة، فاستنكر الله تعالى أفعالهم هذه، فهم يقتل بعضهم بعضا خلافا للنص، ولكنهم يفتكون الأسرى ويفادونهم عملا بنص التوراة.
ويقول الله تعالى لهم مستنكرا تصرفاتهم هذه: أفتؤمنون ببعض الكتاب وتعملون به، وتكفرون ببعضه وتخالفونه؟ وتوعد الله تعالى من يؤمن ببعض الكتاب، ويكفر ببعضه الآخر بالخزي والمذلة في الحياة الدنيا، وبالعذاب الأليم الشديد يوم القيامة.
[11] أنظر: الآية 165 من سورة الأنعام؛ والآية 32 من سورة الزخرف.
[12] أنظر: الآية 36 من سورة النحل؛ والآية 165 من سورة الأعراف؛ والآية 47 من سورة طه؛ والتثنية من الكتاب المقدس، 5 / 15.
[13] أنظر: الآية 157 من سورة الأعراف؛ ولا شك أن الإصر والأغلال تعني نوعا من العبودية.
[14] أنظر: الآية 207 من سورة البقرة.
[15] وقد ورد موضوع شراء الإنسان في سورة يوسف الآية 20 و21 لكنه شراء لا يقبله الإسلام.
[16] البخاري، المناقب 1؛ مسلم، فضائل الصحابة 199.
[17] صحيح البخاري، باب: المعاصي من أمر الجاهلية، ولا يكفر صاحبها بارتكابها إلا بالشرك؛ وأنظر: ابن كثير 13؛ البخاري كتاب العتق 17، والإيمان؛ نيل الأوطار 7 / 4؛ ترجمة التجريد الصريح، رقم الحديث 1118.
[18] أنظر: الآية 151 من سورة الأنعام؛ والآية 33 من سورة الإسراء؛ والآية 68 من سورة الفرقان.
[19] أنظر: الآية 217 من سورة البقرة.
[20] أنظر: الآية 193 من سورة البقرة.
[21] التوحيد كمبدأ الحرية والمساواة
شهادة "لا إله إلا الله" ليست مبدأ ميتافيزيقيا؛ بل هي مفتاح لخلاص البشرية من كل ما يتحكم بحياة الناس من الأنظمة الرهبانية ومن ضغط زعماء القبائل والعشائر ومن ظلم الملوك الظالمة ومن اضطهاد الطغاة وأصحاب السلطات الذين ينظرون إلى الشعب كالعبيد وقطيع الأغنام؛ وبعبارة أخرى هي متاح الخلاص من كل المستبدين الجبارين الذين يرتهنون إرادة الشعوب. (Hayri Kırbaşoğlu, Âhir Zaman İlmihali, s.100).
[22] النماذج الخاطئة المنسوبة إلى عمر وعثمان رضي الله عنهما
وعدم التفريق بين العبد والأسير بشكل عام، وبين من كان رقيقا في الجاهلية وانتقل إلى الإسلام وهو رقيق والأسير في العهد الإسلامي وبالتالي فهم الكلمات المتعلقة بالعبودية والأسر في الآيات والأحاديث والنصوص التاريخية مثل العبد والرقبة وما ملكت الأيمان والخادم على أنها كلمات تعني الرقيق أدت إلى تلوث المعلومات، والابتعاد عن الحقائق. ونعرض في كتابنا هذا بعض النماذج من التحريفات لتلك الكلمات.
وهنا نقف على روايتين تاريخيتين. إحداهما: ما روي أن عمر رضي الله كان يناوب على الإبل مع رقيقه. وكان عمر رضي الله عنه يمد أذن رقيقه وهو يمد أذنه أيضا.
من الممكن أن يكون لعمر رضي الله عنه الذي عرف واشتهر بعدله ومحاربته للعبودية وعتقه الرقاب خادمين وموالي، وكذلك عثمان رضي الله عنه الذي عرف بحساسيته تجاه القصاص، ولكن هل يعقل أن يكون لهما رقيق في الإسلام؟
وهل يمكن القول أن الصحابة استرقوا الأسرى وقاموا بالاستغلال الجنسي للجواري / الأسيرات استنادا على مثل هذه الروايات؟ وهل يُقبل هذا بعد أن وضع الإسلام نظامه الخاص للأسر؟ بالطبع كلا. حتى ولو قلنا إن بعض الصحابة استرق الأسرى وقام باستغلال جنسي للجواري / الأسيرات فهو من جهل ذلك الصحابي بحقيقة الأمر؛ فلا يمكن التعميم على مجمل الصحابة أو نسبته إلى الإسلام. وهل يعقل تقديم هذه الروايات على القرآن الكريم والسنة النبوية؟
[23] وقد قال بعض من يعرف بعلماء الإسلام أن المولى المعتق ليس بمكافئ للحر مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أشار أنه كالحر تماما ويمكن توليه للحكم. (أنظر: الكاساني، 2 / 319)
[24] صحيح مسلم كتاب الإمارة 36 رقم الحديث: 1836. دخل زيد بن علي على هشام بن عبد الملك فقال له هشام لقد بلغني يا زيد أنك تذكر الخلافة وتتمناها، ولست هنالك وأنت ابن أمة!!! وهل يمنع كون زيد ابن أمة من أن يكون خليفة مع وجود التوجيهات النبوية السابقة؟ ومع الأسف الشديد قد تسربت عادات الجاهلية إلى سياسة الإسلام وفقهه. (مسعودي، 3 / 218؛ الكامل لابن الأثير، 4 / 241.
[25] عن الليث بن سعد عن محمد ابن عجلان: أن عمر فضل أسامة بن زيد على عبد الله بن عمر فلم يزل الناس بعبد الله حتى كلم عمر، فقال: أتفضل علي من ليس بأفضل مني؟ ففرضت له في ألفين ولي ألف وخمسمائة درهم! فقال عمر: فعلت ذلك لأن زيد بن حارثة كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمر، وأن أسامة كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن عمر. (فتوح البلدان، صـ. 658).
[26] وهبة الزحيلي، أثار الحرب، ص. 393؛ مغني المحتاج 4 / 128؛ المغني، 8 / 376؛ شرح السير الكبير 2 / 269؛ حاشية العدوي 2 / 28.
[27] للتعرف على آراء المذاهب المختلفة في هذا الموضوع أنظر الموسوعة 23 / 19)
[28] يقول سيد قطب: وكان عملية استرقاق الأسرى مستمرة بين المسلمين وأعدائهم؛ وكان المسلمون في حاجة أن يتعاملوا بالمثلية؛ فلذا لم يمكن إنهاء العبودية بالمرة. (في ظلال القرآن، 7 / 320، 10 / 103).
[29] وهنا يجدر بنا أن نشير إلى قول عمر بن الخطاب، حيث قال لعمرو بن العاص فاتح مصر: " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" سيرة عمر، لابن القيم؛ مفهوم الحرب في الإسلام، لمحمد أبي الزهرة صـ . 110).
[30] أنظر: ابن كثير، المائدة 2.
[31] الموسوعة الإسلامية_ وزارة الشؤون الدينية التركية، 11 / 385.
التمثيل بالقتلى الذين يسقطون في الحرب حرام، والتمثيل هو تشويه الجثث إمعانا في النكاية والتشفي. وقد نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى هذا صار الصحابة فرفضوا التمثيل ، وذموه. وعلى رأسهم أبو بكر رضي الله عنه. ولكن بالرغم من نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الأفعال الشنيعة إلا أنها كانت فاشية في الدولة العثمانية: "كانت رؤوس قتلى الأعداء وأنوفهم وأذنهم تفصل عن جثثهم وتنظم في خيط وتبعث إلى عاصمة الدولة ليسهل بذلك معرفة عدد القتلى الذين سقطوا من صفوف العدو. (العبودية في الدولة العثمانية، نهات أنجن، صـ. 172).
[32] ويذكر بعض الباحثين أن استغلال الجواري للمتعة الجنسية كان مطبقا على سبيل المعاملة بالمثل. (أنظر: أسرى الحرب في قانون الدول الإسلامية، أحمد أوزَلْ، صـ. 66).
وهل يعقل أن الإسلام يجيز مباشرة المتزوجات على أساس المعاملة بالمثل؟ ومثل هذه الآراء لا علاقة لها بالإسلام. ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل تجاوز البعض إلى القول بأن اتخاذ المحظيات من الجواري جائز بالكتاب والسنة.
[33] المبسوط للسرخسي، 10 / 169. وقد أعطي عبد الله بن عمر رضي الله عنه أسيرا ليقتله فرد قائلا لم نؤمر بذلك. وقرأ الآية الرابعة من سورة محمد. (آثار الحرب صـ . 424)
[34] تاريخ الإسلام لأحمد حلمي فليبي، صـ 278؛ وكذلك أنظر: عمر رضي الله عنه وإدارة الدولة 2 / 235-244.
[35] كتاب ترجمة الخراج لأبي يوسف إلى اللغة التركية بقلم علي أوزَك، 28 / 229.
وقد كتب أبو عبيدة إلى عمر رضي الله عنه بهزيمة المشركين، وبما أفاء الله على المسلمين، وما أعطى أهل الذمة من الصلح وما سأله المسلمون من أن يقسم بينهم المدن وأهلها والأرض وما فيها من شجر أو زرع، وأنه أبى ذلك عليهم حتى كتب إليه فيه ليكتب إليه برأيه فيه؛ فكتب إليه عمر: إني نظرت فيما ذكرت مما أفاء الله عليك، والصلح الذي صالحت عليه أهل المدن والأمصار وشاورت فيه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فكل قد قال في ذلك برأيه، وإن رأيي تبع لكتاب الله تعالى قال الله تعالى: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير، ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب، للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون} [الحشر: 6- 8] هم المهاجرون الأولون {والذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون} [الحشر: 9] ؛ فإنهم الأنصار {والذين جاءوا من بعدهم} [الحشر: 10] ولد آدم الأحمر والأسود؛ فقد أشرك الله الذين من بعدهم في هذا الفيء إلى يوم القيامة؛ فأقر ما أفاء الله عليك في أيدي أهله واجعل الجزية عليهم بقدر طاقتهم تقسمها بين المسلمين ويكونون عمار الأرض فهم أعلم بها وأقوى عليها، ولا سبيل لك عليهم ولا للمسلمين معك أن تجعلهم فيئا وتقسمهم للصلح الذي جرى بينك وبينهم ولأخذك الجزية منهم بقدر طاقتهم، وقد بين الله لنا ولكم؛ فقال في كتابه: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} [التوبة: 29] ؛ فإذا أخذت منهم الجزية فلا شيء لك عليهم ولا سبيل. أرأيت لو أخذنا أهلها فاقتسمناهم ما كان لمن يأتي من بعدنا من المسلمين والله ما كانوا يجدون إنسانا يكلمونه ولا ينتفعون بشيء من ذات يده، وأن هؤلاء يأكلهم المسلمون ما داموا أحياء؛ فإذا هلكنا وهلكوا أكل أبناؤنا أبناءهم أبدا ما بقوا فهم عبيد لأهل دين الإسلام ما دام دين الإسلام ظاهرا؛ فاضرب عليهم الجزية وكف عنهم السبي وامنع المسلمين من ظلمهم والإضرار بهم وأكل أموالهم إلا بحلها ووف لهم بشرطهم الذي شرطت لهم في جميع ما أعطيتهم
[36] الآية الثانية والعشرين والثالثة والعشرين من سورة النساء؛ والآية الثامنة والثلاثين؛ والآية الخامسة والسبعين بعد المئتين من سورة البقرة.
الاستمتاع من الجواري / الأسيرات في العهد الجاهلي وبداية عهد الإسلام كان بعض الصحابة يستمتع من الجواري / الأسيرات حتى أنجب البعض منهن، ولكن كان ذلك قبل نزول الآية 25 من سورة النساء التي تمنع جمع الحرة مع الأمة. أليس كذلك؟
أ. كان في الجاهلية قبل الإسلام يتزوج الرجل زوجة أبيه وينجب منها الولد. (أنظر: الآية 22 من سورة النساء) كما كان من يجمع بين الأختين في نكاح واحد وينجب من كليهما الأولاد. وقد عفا عنها الإسلام بقوله تعالى: «إلا ما قد سبق» بأن يتفرق من تلك الأزواج.
ب.وفي الجاهلية كان كثير من الصحابة متزوجين من المشركات وقد امتنعوا من الزواج من المشركات بعد نزول الآيات التي تحرم الزواج منهن. (أنظر: النسائي، النكاح 63، رقم الحديث 3341).
ولم يشمل قوله تعالى: "إلا ما قد سبق" النكاح الذي تم عقده قبل الإسلام ولم يسلم أحد الزوجين، حيث لم يلغه الإسلام. لذا كانت زينب رضي الله عنها بنت النبي صلى الله عليه وسلم أرسلت فدية لإنقاذ زوجها المشرك من الأسر. كما أخبرنا القرآن الكريم أن امرأة نوح وامرأة لوط كانتا كافرتين تحت عبدين من عباد الله بنكاح مشروع. وعلى هذا فقد كان بعض من الصحابة في بدء الإسلام يدخل بالأسيرة وينجب منها الولد ومن المحتمل أنهم استمروا على هذا الأمر حتى بعد نزول الآية الثالثة والخامسة والعشرون اللتان تحرمان الجمع بين الجارية والحرة. وهو مما يوضح كيفية تمليك بعض الصحابة الجاريات مع الحرة وإنجابهم الولد منهن في العهد الإسلامي بعد النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم بالصواب.
[37] سورة البقرة، 2 / 278. وقد ألغي بقول النبي صلى الله عليه وسلم ربا العباس.
أضف تعليقا