الكَرَم: شرف الرجل. وتكرّم عن الشائنات، أي: تنزه، وأكرم نفسه عنها ورفعها. والكَرامةُ: طبق يوضع على رأس الحَب. والكَرامةُ: اسم للإكرام، مثل الطاعة للإطاعة ونحوه من المصادر. وكرُم كرَماً، أي: صار كريماً. والعرب تقول: هذه البلدة إنما هي كَرْمةٌ ونخلة، يعني بذلك الكثرة. وإذا جاد السحاب بغيثه قيل: كَرَّم. والكَرَمُ: أرض مثارة منقاة من الحجارة[1]. فالكرم: يكون بمعنى الفضل في كل شيء، كان معه عطاء أو لم يكن، فلذلك قيل: ثوب كريم، وكتاب كريم[2].
أصل الضيف الميل. والضيف: من مال إليك نازلا بك، وصارت الضيافة متعارفة في القِرى، وأصل الضيف مصدر؛ ولذلك استوى فيه الواحد والجمع في عامة كلامهم، وقد يجمع فيقال: أضياف، وضيوف، وضيفان. قال تعالى: {ضيف إبراهيم} (الحجر/51)، {ولا تخزون في ضيفي} (هود/78)، {إن هؤلاء ضيفي} (الحجر/68)، ويقال: استضفت فلانا فأضافني، وقد ضفته ضيفا فأنا ضائف وضيف[3].
إكرام الضيف خلق عظيم حث عليه الإسلام واعتبره من مكارم الأخلاق، وقد تكفل الله تعالى بتيسير أمر المؤمن إلى الجنة إذا ما كان العطاء من صفاته. قال تعالى {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} (الليل،5_7) وبعد أن أمرنا الله تعالى بالإنفاق، نهانا عن شح النفس بقوله {وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (التغابن،16).
يقصُّ علينا القرآن الكريم خبر الأنبياء ونماذج مما تحلوا به من كرم وسخاء. قال تعالى {وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يا قَوْمِ هَؤُلاَءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِي فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ} (سورة هود الآية 78). يفهم من الآية أنّ من إكرام الضيف حمايته من الأذى ومنع وقوع أي تعد عليه في جسمه أو ماله أو عرضه. فها هو نبي الله لوط عليه السلام يجهد دفاعا عن ضيوفه، ويبين لقومه طريق العفة الصحيح بالبيان أن النكاح من نساء القوم أطهر وأعظم مما يبغون.
والآية التالية تبين سلوك قوم لوط إذ حلَّ الضيوف على واحد منهم هو نبيهم، وبينت الآية مبلغ قلة أدب القوم في تعاملهم مع ضيوف نبيهم. قال تعالى {وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ. قَالَ إِنَّ هَؤُلاَءِ ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِي. وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِي} (سورة الحجر الآيات 67_69). ويفهم من الآية ضرورة الاحتفاء بالضيف والتجمل بالأدب معه حتى لا يُحرَج المضيف أو الضيف على حد سواء.
ومن إكرام الضيف الاحتفاء به والبشاشة في وجهه، وعدم التبرم من وجوده، وتقديم الميسور من الطعام إليه دون مبالغة ولا تكلف. قال تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} (سورة هود الآية 69).
كما أنّ سرعة الضيافة جزء أصيل من إكرام الضيف، وتأخرها دليل على الإهمال والتقصير، لذلك وجدنا ابراهيم الخليل مسارعا في تقديم الضيافة لزائريه حتى قبل التحقق من هويتهم؛ فمن أدب المضيف أن يخفي أمره وأن يبادر بالقِرى من غير أن يشعر به الضيف حذراً من أن يكفه. قال تعالى {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ. إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ. فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ. فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ} (سورة الذاريات، 24-27). وفي قوله ألا تأكلون حثٌّ للضيف على أن يأكل دون حرج، فلربما امتنع من الشبع مظنة الحياء، فإن وجد طلاقة المضيف استمر حتى يأخذ حاجته.
وقد أشار القرآن إلى قوم مر بهم نبي الله موسى والخضر عليهما السلام فلم يضيفوهما بما يدل على استنكار موسى لصنيعهم. لأن إكرام الضيف فضيلة في كل زمان ومكان، ولا شك أن تلك خصلة تغلغلت عميقا في نفس كليم الله ما دفعه إلى استنكار ذلك الحدث من أهل القرية دون التفات لشرط الخضر بأن لا يسأله عن شيء حتى يحدث له منه ذكرا. قال تعالى: {فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً}(سورة الكهف الآية 77).
وفي قرآن يتلى إلى يوم القيامة امتدح الله تعالى كرم الأنصار وإيثارهم لإخوانهم المهاجرين. بقوله تعالى {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الحشر،9) إن خير الصدقة ما يكون عن ظهر غنى، لكن ظروفا قد تحل وأزمات قد تحدث تجعل البذل والكرم حتما لا خيارا، في تلك الظروف تظهر النفوس الزكية المؤثرة لتنقذ الأرواح من بين مخالب الجوع والحرمان، فيسطر الله تعالى في كتابه المجيد عظمة هؤلاء ويخلد ذكرهم حتى يكونوا قدوة في الخير في كل زمان ومكان.
ولما كانت السنة هي التطبيق العملي للقرآن الكريم، وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم ليس داعيا للكرم فحسب بل كان مثالا حيا يحتذى به، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ»[4]
وليس إكرام الضيف خيارا إذا نزل، بل له الإكرام لزاما. يوضح هذا ما رواه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام (إِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا)[5]
وقد بين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن إكرام الضيف من علائم الإيمان بقوله “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ”[6] ويفسر ابن بطال (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر): يعني من كان إيمانه بالله واليوم الآخر إيمانًا كاملا فينبغى أن تكون هذه حاله وصفته؛ فالضيافة من سنن المرسلين[7].
وقد عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم من يفتح بابه لذوي السبيل والحاجة كالمجاهد في سبيل الله بقوله “ما في الناس مثل رجل آخذ بعنان ، فيجاهد في سبيل الله ، ويجتنب شرور الناس ، ومثل رجل باد في غنمه يقري ضيفه ويؤدي حقه”[8] .
وقد تكفل الله تعالى بتيسير أمر المؤمن إلى الجنة إذا ما كان العطاء من صفاته {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} (الليل،5_7) وعَنْ عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ اسْتَخْلَصَ هَذَا الدِّينَ لِنَفْسِهِ، وَلا يَصْلُحُ لِدِينِكُمْ إِلا السَّخَاءُ وَحَسَنُ الْخلقِ، فَزَيِّنُوا دِينَكُمْ بِهِمَا”[9]. والكرم سجية يحبها الله تعالى، فعن سهل بن سعد الساعدي، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول: «إن الله كريم يحب الكرم ويحب معالي الأخلاق ويكره سفسافها»[10]
ويأمرنا الله تعالى بالإنفاق، وينهانا عن شح النفس بقوله تعالى {وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (التغابن،16) وخير وقاية من شح النفس الذي حذرنا القرآن منه يشير إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : «ثلاث من كن فيه فقد وقي شح نفسه من أدى الزكاة ، وأقرى الضيف ، وأعطى في النائبة »[11].
جمال نجم
[1] العين، مادة كرم بتصرف
[2] إيضاح شواهد الإيضاح، باب معنى البيت 1/91
[3] مفردات الفاظ القران للراغب الأصفهاني ،كتاب الضاد،باب ضيف
[4] البخاري، باب ذكر الملائكة، رقم الحديث 3220. ومسلم. باب كان النبي اجود الناس، رقم الحديث 50 – (2308)
[5] صحيح البخاري، باب حق الضيف في الصوم، رقم الحديث 1838
[6] صحيح البخاري،باب اكرام الضيف وخدمته إياه، رقم الحديث 6136
[7] شرح صحيح البخاري ابن بطال، باب اكرام الضيف وخدمته، رقم الحديث 9/310.
[8] المستدرك على الصحيحين للحاكم، رقم الحديث 2339
[9] المعجم الكبير للطبراني، رقم الحديث 14762
[10] المستدرك على الصحيحين للحاكم،141 رقم الحديث
[11] الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم، 1904
[9] المعجم الكبير للطبراني، رقم الحديث 14762
[10] المستدرك على الصحيحين للحاكم،141 رقم الحديث
[11] الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم، 1904
رائع جزاكم الله خيرا