السؤال: ما حكم رفع اليدين عند الدعاء؟
الجواب: رفع اليدين في الدعاء سنة ومن أسباب الإجابة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ربكم تبارك وتعالى حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا)[1].
ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى طيب ولا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي بالحرام فأنى يستجاب لذلك)[2].
فذكر عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن مد اليدين إلى السماء من أسباب الإجابة لولا المانع المذكور في الحديث.
وقد روى البخاري في صحيحه عن أبي موسى الأشعري قصة مقتل عمه أبي عامر الأشعري في أوطاس… قال: فدعا النبي النبي صلى الله عليه وسلم بماء فتوضأ، ثم رفع يديه فقال: اللهم اغفر لعبيد أبي عامر، ورأيت بياض أبطيه، ثم قال: اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس)[3].
ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذِيمة، دعاهم إلى الإسلام، فلم يحسنوا أن يقولا: أسلمنا، فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا، فجعل خالد يقتل منهم ويأسر … فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فرفع يديه وقال: (اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين) .. قال ابن حجر -رحمه الله-: (في الحديثين ردٌّ على من قال: لا يرفع اليدين في الدعاء غير الاستسقاء[4].
فكل هذه الأحاديث تثبت مشروعية رفع اليدين في الدعاء عامة، وتعارض حديث أنس الذي يفيد تخصيص الرفع في الاستسقاء، وهو حديث صحيح. فقد روى أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلاّ في الاستسقاء، وإنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه)[5] . قال الإمام ابن حجر -رحمه الله- عند شرحه لهذا الحديث: (ظاهره نفي الرفع في كل دعاء غير الاستسقاء، وهو معارض بالأحاديث الثابتة بالرفع في غير الاستسقاء)[6].
وقد عمد العلماء إلى الجمع بين هذا الحديث والأحاديث المثبتة للرفع في غير الاستسقاء كما يلي:
ذهب البعض إلى حمل حديث أنس على نفي رؤيته في غير الاستسقاء، وأن ذلك لا يستلزم نفي رؤية غيره، وعليه فالعمل بأحاديث الرفع أولى[7].
وذهب آخرون إلى تأويل حديث أنس: أن النفي واقع على صفة خاصة في الرفع، لا أصل الرفع، كما يدل عليه قوله: (حتى يرى بياض أبطيه) .
قال ابن حجر: (ويؤيده أن غالب الأحاديث التي وردت في رفع اليدين في الدعاء، إنما المراد به: مدّ اليدين وبسطهما عند الدعاء، وكأنه عند الاستسقاء مع ذلك زاد فرفعهما إلى جهة وجهه حتى حادتاه)[8]
وأخيرا لا بد من التنبيه على أن المواضع التي لم يرفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم يديه بالدعاء لا يجوز الرفع فيها، اقتداء به عليه الصلاة والسلام وذلك مثل الدعاء بين السجدتين والدعاء في آخر الصلاة قبل السلام فإنه لا يشرع الرفع فيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع في ذلك.
[1] رواه الترمذي في الدعوات، حديث رقم (3479) وقال حسن غريب. وأبو داود في الصلاة ، حديث رقم (1373) واللفظ له، ورواه ابن ماجه في الدعاء، حديث رقم (3855) وصححه الألباني في صحيح أبي داود، حديث رقم (1337)
[2] رواه الإمام أحمد في باقي مسند المكثرين من الصحابة، حديث رقم (7998). ومسلم في الزكاة، حديث رقم (1686) والترمذي في تفسير القرآن ، حديث رقم (2915) .
[3] صحيح البخاري مع الفتح، المغازي، باب غزوة أوطاس، حديث رقم 7/637
[4] فتح الباري، 11/146
[5] البخاري مع الفتح، الاستسقاء، باب رفع الإمام يده في الاستسقاء 2/601.
[6] فتح الباري، باب رفع الإمام يده في الاستسقاء 2/601
[7] فتح الباري، باب رفع الإمام يده في الاستسقاء 2/601
[8] فتح الباري، باب رفع الإمام يده في الاستسقاء 2/601.
أضف تعليقا