السؤال: ما حكم وليمة العرس؟ وهل تصح بغير اللحم؟ وما هو وقتها؛ قبل الدخول أم بعده؟
الجواب:
أولا: حكم وليمة العرس
جعل الله تعالى الزواج سنة في دوام الجنس البشري، ولما كان العقد منوطا بالإشهار كان الاجتماع للاحتفال به مظنة له، وهو ما يدعو إلى الوليمة عادة، وهي نوع من إظهار الفرح ومظهر لشكر النعمة، لذلك ندب إليها الشرع، وقد ورد مجموعة من الأحاديث الدالة على مشروعيتها منها:
قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه: (أولم ولو بشاة)[1]. وعن بريدة بن الحصيب قال: لما خطب علي فاطمة رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنه لا بد للعروس من وليمة)[2] والأحاديث بهذا المعنى كثيرة.
ثانيا: طعام الوليمة
لا يشترط في الوليمة إراقة دم الحيون، كما لا يشرط تقديم اللحم، بل يمكن تقديمها مما تيسر من الطعام. وحالة المولم من اليسر والاعسار تحدد ماهية الوليمة. فقد روى أنس رضي الله عنه في قصة زواج النبي صلى الله عليه وسلم من صفية رضي الله عنها (أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل وليمتها التمر والسمن والأقط)[3] . وفي رواية أخرى: يقول أنس (فدعوت المسلمين إلى وليمته. ما كان فيها من خبز ولا لحم وما كان فيها إلا أن أمر بالأنطاع[4] فبسطت فألقى عليها التمر والأقط والسمن)[5] .
ولا بد للإشارة هنا أن الأحاديث التي تدل على مشروعية وليمة العرس والأحاديث التي ورد فيها الأمر بالوليمة محمولة على الاستحباب ومصروفة عن الوجوب وهو قول أكثر الفقهاء.
ثالثا: وقت الوليمة
وقت الوليمة يكون بعد الزفاف أو قبله، والأحاديث التي ذكرنا بينت أن الرسول صلى الله عليه وسلم أولم بعد الدخول. والظاهر أن الأمر فيه سعة، فلو كانت الوليمة قبل الدخول فلا بأس به لتحقق المقصود منها.
رابعا: إجابة الدعوة الى الوليمة
الظاهر وجوب إجابة الدعوة لوليمة العرس ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا دعي أحدكم إلى الوليمة فليأتها)[6] .
ولقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا دعي أحدكم إلى وليمة عرس فليجب)[7].
وقوله عليه الصلاة والسلام أيضاً: (شر الطعام طعام الوليمة يدعى له الأغنياء ويترك الفقراء ومن ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله)[8] .
وإجابة الدعوة مقيدة فيما إذا لم يكن هناك عذر للمدعو لتركها فإذا ترك إجابة الدعوة لعذر فلا بأس في ذلك. وقد كثرت الأعذار في هذا الزمان حيث أصبحت وليمة العرس تخرج عن مقاصدها في كثير من الأحيان لتتحول إلي مجون وإخلال بالقيم الاسلامية.
ويشكو البعض الآخر مما بات يعرف بتعميم الدعوة حيث تأتيه الدعوات ممن يعرف وممن لا يعرف؛ فيكون لديه عدة دعوات في اليوم الواحد. والتصرف إزاء ذلك أن يلبي دعوة من له حق عليه من قرابة أو صداقة، حيث لا تكلف نفس إلا وسعها.
خامسا: الدعاء لصاحب الوليمة
يستحب لمن حضر وليمة العرس أن يدعو بالخير لصاحبها فقد ورد في ذلك أحاديث منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بعد الفراغ من الطعام بهذا الدعاء: (أكل طعامكم الأبرار وصلّت عليكم الملائكة وأفطر عندكم الصائمون)[9] .
وعن عبد الله بن بسر أن أباه صنع للنبي عليه الصلاة والسلام طعاماً فدعاه فأجابه فلما فرغ من طعامه قال: (اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وبارك عليهم، ووسع عليهم في أرزاقهم)[10] .
وكذلك يدعو للزوجين بالبركة لها وبما سيرزقان من الابناء حيث ورد أنه عليه الصلاة والسلام كان يدعو للزوجين بقوله: «اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِمَا وَبَارِكْ عَلَيْهِمَا، وَبَارِكْ لَهُمَا فِي نَسْلِهِمَا»[11]. وفي رواية أخرى كان يدعو بهذا الدعاء: (بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير)[12] .
[1] رواه البخاري، باب الوليمة ولو بشاة، (5167) ومسلم، باب الصداق، 79 – (1427)
[2] السنن الكبرى، باب ما يقول اذا خطب امراة (10016) كما رواه أحمد وغيرهما وهو حديث حسن.
[3] رواه مسلم، باب فضيلة اعتاقه أمته، 87 – (1365)
[4] والأنطاع بسط من الجلد وغير ذلك من
[5] رواه البخاري، باب غزوة خيبر (4213).
[6] رواه البخاري، باب حق إجابة الوليمة والدعوة، 5173. أخرجه مسلم في النكاخ باب الأمر بإجابة الداعي على الدعوة رقم 1429
[7] أخرجه مسلم، باب الأمر باجابة الداعي (1429) (98) ، وابن ماجه (1914) ، والبيهقي في “السنن” 1/261 و263 من طريق عبد الله بن نمير، بهذا الإسناد. والبيهقي 7/261 من طريق خالد بن الحارث، والدارمي 2/143 من طريق عقبة بن خالد، كلاهما عن عبيد الله بن عمر، به. وقال فيه: “إلى الوليمة” دون تقييد بالعرس.
[8] أخرجه البخاري، باب من ترك الدعوة فقد عصى الله تعالى (5177) ، ومسلم (1432) (107) ولفظه عند مسلم: بئس الطعام طعام الوليمة … ، وأبو داود (3742) ، والطحاوي في “شرح مشكل الآثار” 4/143، والبيهقي 7/261، والبغوي (2315) عن الزهري، به.
وأخرجه الدارمي (2066) من طريق الأوزاعي، عن الزهري، به.
[9] رواه أحمد مسند أنس بن مالك، 12406 وأخرجه الضياء في “المختارة” (1783) من طريق عبد الله بن أحمد، عن أبيه، بهذا الإسناد.
وهو في “مصنف عبد الرزاق” (7907) و (19425) ، ومن طريقه أخرجه أبو داود (3854) ، والطبراني في “الدعاء” (924) ، والبيهقي في “السنن الكبرى” 4/240 و7/287، وفي “الآداب” (329) ، وفي “شعب الايمان” (6048) و (6049) و (6050) ، والبغوي (3320)
[10] رواه احمد في حديث عبدالله بن بسر (17678)، أخرجه مختصرا الدارمي (2022) ، وابن أبي عاصم في “الآحاد والمثاني” (1355) ، والنسائي في “الكبرى” (6763) ، وابن حبان (5299) ، والطبراني في “الشاميين” (923) من طريق عيسى بن يونس، والطبراني أيضا (923) من طريق يحيى بن عبد الله البابلتي، كلاهما عن صفوان بن عمرو، به.
[11] مسند الروياني، ابن بريدة عن بريدة، (35)
[12] رواه ابو داود (2130 ) والترمذي1091 وأخرجه الدارمي (2174) ، وابن ماجه (1905) ، والنسائي في “عمل اليوم والليلة” (259) ، وابن حبان (4052) ، وابن السني في “عمل اليوم والليلة ” (604) ، والبيهقي 7/148 من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، بهذا الإسناد.
مشكورون على هذا الموضوع القيم وجزاكم الله خيرا