السؤال: ما السلبيات المترتبة على عدم مراعاة المعايير الشرعية في اختيار الزوجين كلا منهما الاخر؟
الجواب: يمكننا حصر السلبيات المترتبة على عدم مراعاة المعايير الشرعية في اختيار الزوجين كلا منهما الاخر بما يلي:
يترتب على إهمال معيار الدين عدم تمام عهد الزوجية كما أراد الله تعالى فقد وصف القرآن الكريم المرأة الصالحة بقوله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} (النساء،34) ويخاطب الله تعالى الرجال بأن لا يظلموا المرأة التي أخذت منهم العهد بصيغة الاستفاهم التعجبي: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (النساء، 21) فمن تجاهل عنصر الدين في الاختيار فلا بد وأن يواجه ضعف الالتزام بالعهد من شريكه، وهو مؤشر على فساد الموازين، ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من اهمال عنصر الدين في الزواج بقوله (إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلاَّ تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)[1].
كما لا ينبغي الإغترار بالمال على حساب الدين، فكثير من الآيات والأحاديث تحذر من الإغترار بالأموال وهذه الآيات والأحاديث عامة في كل حال، قال تعالى: { وَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} (التوبة،85). هذه الآية نزلت في المنافقين خاصة، ولكنها عامة في معناها إذ لا ينبغي أن يعجب الإنسان بصاحب المال عند غياب الإيمان والعمل الصالح.
وإذا كانت طبيعة الإنسان تهوى الجمال فليس من الممكن أن يقف الإسلام حائلا بين طبيعة الإنسان واختياره، إلا أن هذا الإعتبار يجب أن لا يتعارض مع الدين فلا خير في امرأة أو رجل امتلكا الجمال والوسامة مع فساد دينهما، وقد حذر الإسلام من الإفتتان بالظواهر مع فساد البواطن في أكثر من مناسبة، قال الله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} (البقرة، 221)
أما اهمال عنصر التقارب في السن قد ينشأ عنه سوء التفاهم بين الزوجين لاختلاف الأمزجة نظرا لاختلاف الأعمار. وقد خطب كل من أبي بكر وعمر فاطمة الزهراء رضي الله عنهم، إلا أنّ النبي صلى الله عليه وسلم أجابهما بأنها صغيرة، ولكن عندما خطبها علي رضي الله عنه زوجه منها)[2] وذلك لتقاربهما في السن.
التقارب في التحصيل العلمي مهم في سبيل تحقيق الانسجام بين الزوجين وعدم التقارب مظنة الاختلاف، قال تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر، 9) والسؤال في الآية للإنكار والمعنى أنهم لا يستوون، والآية في سياق التفريق بين من يعلمون حق الله عليهم فيطيعونه ومن لا يعلمون حق الله عليهم فيعصونه، وهي عامة في كل مناحي الحياة وهو ما عرفه البشر بتجاربهم أنه لا يستوي من يعلم ومن لا يعلم. وعدم التساوي يؤدي إلى التباين في الفهم وتقدير الأمور مما ينعكس سلبا على حياة الزوجين، فمراعاة هذا الأمر في البداية هو أفضل مع كونه ليس واجبا.
التقارب في المستوى الإجتماعي؛ ونعني بذلك أن يخطب الرجل الفتاة من بيئة كبيئته من حيث مستوى المعيشة، لأن إختلاف طبيعة الحياة على الزوجة _خاصة_ له أثر كبير بعدم ديمومة الحياة الزوجية، فالفتاة التي تعيش في كنف أبيها الثري الذي يلبي لها كل ما تطلبه ، قد يصعب عليها العيش في ظل زوج فقير لا يلبي لها الحد الأدنى من حياتها المعتادة، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ أَنَّ أَبَا عَمْرِو بْنَ حَفْصٍ طَلَّقَهَا الْبَتَّةَ. قَالَتْ فَلَمَّا حَلَلْتُ ذَكَرْتُ لَهُ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ وَأَبَا جَهْمٍ خَطَبَانِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلَا يَضَعُ عَصَاهُ عَنْ عَاتِقِهِ، وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ (وفي رواية أخرى لمسلم تَرِبٌ لَا مَالَ لَهُ) انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ. فَكَرِهْتُهُ ثُمَّ قَالَ: انْكِحِي أُسَامَةَ. فَنَكَحْتُهُ فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا وَاغْتَبَطْتُ)[3] فقد علل النبي صلى الله عليه وسلم رفضه لمعاوية بأنه رجل فقير ربما لا يستطيع القيام بالنفقة عليها كما ينبغي.
عدم مراعاة جانب الطبائع والأمزجة، قد يكون سببا في هدم أسر قائمة، وفي حديث فاطمة بنت قيس، رفض النبي صلى الله عليه وسلم زواجها من أبي جهم لحدة طبعة وعنفه، وهو ما يسلط الضوء على هذا الموضوع، فكثير من الناس لا ينتبه لهذا، ولذلك يقولون إن فلانا صاحب خلق ودين وتزوج من فلانة وهي كذلك صاحبة خلق ودين لكنهما لم يتفقا، وانتهى الأمر بهم إلى الطلاق. ولا يخفى أن السبب في فراقهما هو الإختلاف في طبائعهما ونظرتهما للحياة، ونحن نعرف أن الإسلام لا يفرض على الناس أسلوبا عسكريا محددا في نظرتهم للأمور، وفي رتابة عيشهم، لذلك تجد الناس مختلفين، وصدق الله تعالى إذ يقول: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} (هود، 118) لهذا السبب نولي الأهمية في قضية معرفة طبائع الشخص قبل الموافقة عليه.
عدم مراعاة المزايا الجسدية والبنيوية في كلا الخاطبين، قد يفسد الحياة الزوجية فيما بعد لذا دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة ان ينظر الخاطبان لبعضهما حتى يؤدم بينهما وكما كان كمال الخلقة سببا في رغبة ابنة الرجل الصالح بموسى عليه السلام كانت دمامة ثابت بن قيس رضي الله عنه سببا في مفارقة زوجته له، (فقد روى ابن عباس أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته قالت نعم)[4].
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ، قَالَ : (كَانَتْ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ ، وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاَللَّهِ لَوْلَا مَخَافَةُ اللَّهِ لَبَصَقْتُ فِي وَجْهِهِ إذَا دَخَلَ عَلَيَّ ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ ، فَرَدَّتْهَا عَلَيْهِ ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)[5]
وقد يقول قائل هذا تمييز ضد من لم يعطون حظا من الجمال، والامر ليس كذلك بل هو إمضاء لسنة الله في الأشياء، فكما خلق الله تعالى الناس مختلفين أشكالهم وألوانهم كذلك خلقهم مختلفين في طبائعهم وأمزجتهم، فما تراه أنت قبيحا قد يراه غيرك جميلا، والعكس صحيح. فمن مقتضيات الإنصاف وإتمام الأمور على وجهها مراعاة النظرة الشخصية للشريك والتي ستكون بمثابة الوقود الذي سيدعم استمرار الحياة الزوجية ويشحنها بالعاطفة ليسير مركب العائلة فينثر من حوله الايجابية والنموذج الجميل للأسرة المتحابة المتوادة.
[1] الترمذي، باب ما جاء إذا جاءكم، 1084
[2] رواه الحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين، رقم الحديث 2654 . والنسائي، رقم الحديث 8508 . وابن حبان في باب ذكر الأخبار عما قال المصطفى، رقم الحديث 7074
[3] رواه مسلم، رقم الحديث 2709 . وأبو داوود في نفقة المبتوته، رقم الحديث 1944. والنسائي، رقم الحديث 1053
[4] البخاري، باب الخلع وكيف الطلاق فيه، رقم الحديث 4867
[5] نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية، باب الخلع، 6/413
أضف تعليقا