السؤال: من الناس من يحلف يمينا على قطيعة رحم أو على عدم إعطاء الصدقة لفقير قريب، أو عدم الذهاب للصلاة في المسجد بسبب خلاف مع الإمام. مثل هذه الأيمان تقع من الناس ونُسأل عنها كطلاب علم. ما هي الإجابة الأدق على مثل هذه التساؤلات.
الجواب: شُرع اليمين في الإسلام لحكم جليلة، وليس أقلها إثبات الحقِّ لصاحبه أو نفي التُّهمة عنه. ولا يصحُّ بحال أن يُجعَل من الأيمان حائلاً دون فعل الطاعات فضلا أن تكون رافعة لفعل المنكر. قال الله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ}. (البقرة،224)
واليمين الآثمة يمينٌ منعقدةٌ وليست بلغو، والفرق بينهما هو انعقاد القلب على إنشاء اليمين أو عدم ذلك، ويمين اللغو معفوٌ عنها كتلك التي تصدر من غير قصد. قال تعالى {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ} (البقرة، 225) .
ومن يصدر منه يمين على ترك الطَّاعة أو فعل المنكر فلا يجوز له أن يبرَّ بيمينه، بل يعودُ إلى فعل ما حلف على تركه من البرِّ، أو ترك ما حلف على فعله من الإثم. قال تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (آل عمران،135) ولقوله تعالى {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ). (النور الاية 22). نهت الآية أن يحلف على عدم تقديم العون لمستحقِّيه من أولي القربى وغيرهم، وقد أمرت الآية بالصَّفح والعفو إن صدر يمينٌ من هذا القبيل[1].
ويؤيد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (من حلف على يمين فرأى غيرها خيراً منها فليأت الذي هو خير وليكفّر عن يمينه)[2] .
وقد جاء تفصيل كفارة اليمين في سورة المائدة بقوله تعالى {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (المائدة، 89).
إذن الكفارة إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة. فإن لم يجد يصم ثلاثة أيام. ويخطئ كثير من الناس بصيام ثلاثة أيام لتكفير أيمانهم دون مراعاة كونهم قادرين على إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فالآية نصت على وجوب هذا فإن لم يستطع فإنه يصوم ثلاثة أيام.
وهو مخير بين الثلاثة الأولى أي الإطعام أو الكسوة أو الإعتاق. وهذه الخيارات الثلاثة تمثل الترتيب الأول، فإن عجز الحانث بيمينه عن أحدهما يلجأ إلى الصوم كما ذكرنا.
يتعذر بعض الناس من الإطعام سواء في بيته أو بتوزيعه على بيوت المساكين، ويعلل ذلك بالإحراج، والعلة ذاتها في موضوع الكسوة. ولذلك أنوّه إلى جواز أن يخرج قيمة الطعام أو الكسوة لعشرة مساكين، وربما كان ذلك أنفع لهم كما أنه أيسر وأستر لحالهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر تفسير ابن كثير على الآية. 3/ 276.
[2] رواه مسلم (1650) (12) ، وهو في “موطأ” مالك 2/478، والترمذي (1530) ، والنسائي في “الكبرى” (4722) ، وابن حبان (4349) ، والبيهقي 10/53، والبغوي (2438) وغيرهم.
أضف تعليقا