السؤال:
نصلي في مسجد قديم بُني قبل مئات السنين، وقد تبين لنا حديثا أنه منحرف عن القبلة كثيرا، وأكد هذا هيئة من المتخصصين. لكن بعض الناس يرون البقاء على ما كانوا عليه من استقبال غير صحيح. ويسأل البعض عن حكم صلاتهم السابقة هل هي باطلة أم صحيحة. أفيدونا جزاكم الله خيرا.
الجواب:
من المعلوم أن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة بدليل قوله تعالى:
{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (البقرة، 150).
ولا يجوز البقاء على نفس الاإتجاه بعد بيان أن القبلة خلافه، بل ينحرف المصلون باتجاه القبلة امتثالا لأمر الله تعالى حتى لو كانوا في صلاتهم. وهذا ما حدث فعلا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم إلى المدينة صلَّى قِبَل بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَل البيت وأنه أول صلاة صلاها صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون فقال: أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبَل مكة فداروا كما هم قِبَل البيت)[1] فالناس قد استداروا نحو القبلة وهم في صلاتهم، امثالا لأمر الله تعالى لهم.
وفي رواية ابن عمر رضي الله عنهما قال: (بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة)[2].
أود التذكير هنا بأنه لما تحول النبي في الصلاة نحو البيت الحرام اتبعه المؤمنون وخالفه اليهود، لذلك أورد الله تعالى نكيرهم بتحول القبلة بقوله:
{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (البقرة، 142)
والآية تبين الفرق بين من يظهر له الحق فيمتثل ومن يراه فيحيد عنه.
يجب على المسلمين تحري القبلة عند بناء المساجد، وعند صلاتهم أيضا. لكن احتمال الخطأ وراد، وبعد التحري فإن الصلاة صحيحة. وإن تبين الخطأ في استقبال القبلة بعد ذلك فالدوام على الصلاة في الاتجاه الخطأ يبطل الصلاة . وعليه فإن صلاة الناس في مسجدكم قبل بيان خطأ الاستقبال صحيحة مقبولة بإذن الله تعالى. وقد تساءل الناس بعد تحويل القبلة عن صلاتهم السابقة إن كانت مقبولة أو غير ذلك فكان جواب الله تعالى لهم بأنه لن يضيع إيمانهم. فعن ابن عباس رضي الله عنه قال “لما حولت القبلة، قال أناس: يا رسول الله، أصحابنا الذين ماتوا وهم يصلون إلى بيت المقدس؟ فأنزلت: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} (البقرة: 143) “[3].
[1] رواه البخاري في صحيحه (40) (4486) ومسلم (525) ، والنسائي في السنن الكبرى (945) و (11000) و (11003) وابن خزيمة في صحيحه (437) وغيرهم.
[2] رواه البخاري في صحيحه (403) و (4491) و (4494) و (7251) ، ومسلم (526) (13) ، والنسائي في”المجتبى”2/61، وفي “الكبرى” (948) و (11002) ، وابن خزيمة (435) ، وأبو عوانة 1/394، وابن حبان (1715) وغيرهم
[3] رواه أحمد في مسنده، (2692) (2775) و (2964) و (3249) ، وأبو داود (4680) والطيالسي (2673) ، والدارمي (1235) ، والطبري في “التفسير” 2/17، والطبراني (11729) ، والحاكم 1/269. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. كما صححه الحافظ في “الفتح” 1/98 وغيرهم.
وأعداء الإسلام وجدوا الفرصة سانحة لبثّ سمومهم وأعلامهم المضادّ، قالوا: إنّ تغيير القبلة تمّ بدافع عنصري، وزعموا أنّ النبي(صلى الله عليه وآله) اتّجه أوّلاً إلى قبلة الأنبياء السابقين، ثمّ عاد إلى قبلة قومه بعد تحقيق انتصاراته، ولمّا يئس منهم استبدل الكعبة بها.
وأصل ذلك : أنهم أرادوا نفي علو ذات الله تعالى ، وغاظهم ما يجده الناس في فطَرهم ضرورةً من توجه قلوبهم نحو السماء ، ومن رفع أيديهم تجاهها ، فزعموا أن ” السماء قبلة للدعاء ” ! وأن توجه المسلمين بقلوبهم نحوها ، ورفع أيديهم باتجاهها : هو توجه لقبلة الدعاء ، كما يتوجهون للكعبة قبلة الصلاة ! حتى روى بعض الكذَّابين نفاة الصفات عن الله تعالى في ذلك حديثاً نسبه للنبي صلى الله عليه وسلم ، بلفظ : (السماءُ قِبلةُ الدعاء) !