السؤال: ما حكم الصلاة على القبر بعد دفن الميت وخاصة إن مر على موته فترة طويلة؟
الجواب: الأصل أن يُصلى على الميت قبل دفنه. فإن تعذر الصلاة عليه لأي سبب كان جاز أن يصلى عليه في قبره، والأصل في ذلك أمر الله تعالى نبيه بالصلاة عليهم بقوله تعالى {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (التوبة، 103) وسياق الآية يدل على حالة بعينها وهو الصلاة عليهم بعد أدائهم الزكاة أي الدعاء لهم.
لكن المعنى الأعم يشمل الصلاة عليهم عند موتهم أيضا لحاجتهم إليه وقد بلغ من حرص النبي على الصلاة على الميت حتى صلى على من عُرف بالنفاق، حتى نهاه الله عن ذلك بقوله { وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ} (التوبة، 84)
وعندما كان يفوته الصلاة على الميت قبل الدفن يبادر إلى الصلاة عليه في قبره، وقد حدث هذا مرارا. ومن ذلك ما رواه أبو هريرة: ” أن امرأةَ سوداءَ، أو رَجُل كان يَقُم المسجد[1]، فَفَقَدَهُ النبي- عليه الصلاة السلام- فسألَ عنه؟ فقيل: ماتَ، فقال: ألا آذنتموني به؟ قال: ” دلوني على قبره، فدعوه، فصلى عليه”[2].
وعن خارجة بن زيد بن ثابت، عن عمه يزيد بن ثابت قال: “خرجنا مع رسول الله- عليه السلام- فلما وردنا البقيع إذا هو بقبر، فسأل عنه؟ فقالوا: فلانة فعرفها، فقال: ألا آذنتموني بها؟ قالوا: كنت قائلا صائما، قال: فلا تفعلوا لا أعرفن ما مات منكم ميت ما كنت بين أظهركم، إلا ناديتموني به، فإن صلاتي عليه رحمة، قال: ثم أتى القبر فصففنا خلفه، وكبر عليه أربعا”[3].
وقد وردت أحاديث أخرى تؤيد الحديثين السابقين وفيها الدلالة على أنه من لم يدرك الصلاة على الميت قبل الدفن فإنه يصلي على قبره، ومتى حضر القبر يصلي عليه وليس لذلك مدة محددة. فعن سعيد بن المسيب ” أن أم سعد- يعني ابن عبادة ماتت، والنبي- عليه الصلاة والسلام- غائب، فلما قدم صلى عليها، وقد مضى لذلك شهر “[4]
وَرُوِيَ ” أَنَّهُ صَلَّى عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ”[5] وقد يكون هذا الأثر ضعيفا إلا أنه لا يوجد ما يعارضه عقلا ولا شرعا، فقد ثبت أن النبي صلى الله عله وسلم صلى على القبر لما فاتته الصلاة قبل الدفن، ولم يضرب النبي مدة محددة لجواز ذلك فيفهم على إطلاقه.
وقد يتوهم البعض أن الصلاة على القبر سنة للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة دون أمته، وهذا غلط من بعض المحققين، إذ لو كان كذلك لزجرهم صلى الله عليه وسلم، عن أن يصطفوا خلفه، ويصلوا معه على القبر، ففي ترك إنكاره على من صلى على القبر بيان أنه فعل مباح له ولأمته معا[6].
[1] يقم المسجد أي يكنسه، والقمامة: الكناسة.
[2] صحيح البخاري، باب الصلاة على القبر بعد ما يدفن (1337) ، ومسلم، باب الصلاة على القبر (965) وغيرهما
[3] صحيح ابن حبان، 3087، وصححه الألباني
[4] شرح السنة للبغوي، باب الصلاة على القبر، 5/363 قال البيهقي : هو مرسل صحيح، وقد روي موصولا عن ابن عباس، والمشهور المرسل
[5] شرح السنة للبغوي، باب الصلاة على القبر، 5/363
[6] أنظر صحيح ابن حبان، 7/356
أنا الذي يعنيني من هذا الحديث الزاوية الثانية احترام الإنسان، أن امرأة سوداء تقم المسجد، ماتت، لهوانها على الناس، ولضعف شأنها، رأى أصحاب أنها أقل من أن يخبر عن موتها، فلما تفقدها النبي عليه الصلاة والسلام قال((قال فهلا آذنتموني فأتى قبرها فصلَّى عليها)) والروايات كثيرة، مرة قال: رأيتها في الجنة، مرة سألها وأجابت، وهكذا فنحن القاعدة: أن المؤمن يحترم الإنسان أي إنسان، إذا رأى إنساناً متلبساً بمعصية، لا يحقد على ذاته، يغضب من عمله فقط، من الداخل لا يوجد غيظ، لو أن طبيباً رأى إنساناً معه مرض جلدي مزعج، يحقد عليه؟ بالعكس، يشفق عليه، فالإنسان إذا ارتكب معصية، المؤمن الكامل لا يحقد، ولا يغضب منه، يغضب عليه، يتألم من عمله، بالنهاية الإنسان يحترم الإنسان أي إنسان مؤمن. وهذا سيدنا رسول الله قمة المجتمع الإسلامي، سيد الخلق، وحبيب الحق، تفقد امرأة سوداء تقم المسجد لهوانها على الناس لم يخبروا عنها رسول الله.