السؤال: بيتي قريب من المسجد وأحرص على الصلاة فيه، و أحيانا أصلي في البيت، وقد ذكر لي أنه لا يصح لجار المسجد أن يصلي الفرائض في بيته. أرجو التوضيح وبارك الله فيكم.
الجواب: صلاة الجماعة من سنن الهدى وشعائر الإسلام، وقد حضّ الله تعالى عليها في كتابه بقوله {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} (البقرة، 43) أي مع جماعتهم.
والحضّ على صلاة الجماعة ليس مقتصرا على حال الأمن بل في حال الخوف أيضا، قال الله تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} (النساء، 102) وفي الآية إظهار لأهمية صلاة الجماعة في حال الخوف، ولا شك أن المحافظة عليها في حال الأمن أولى.
وعن أبي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ)[1]
وعن بريدة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة)[2]
وقد روى مسلم عَن ابن مَسْعُود أنه قَالَ: من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ عَلَى هؤلاء الصلوات حيث ينادي بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم فِي بيوتكم كما يصلي هَذَا المتخلف فِي بيته لتركتم سَنَة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم[3].
وقد رخص للمرضى الصلاة في بيوتهم؛ ولا شك أن المريض ومن في حكمه كالعاجز وأصحاب الإعاقات الحركية قد رفع عنهم الحرج. قال الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا} (الفتح، 17) {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} (النور، 61) فآية الفتح رفعت الحرج عنهم في المشاركة في الجهاد بينما رفعت آية النور الحرج عنهم مطلقا في كل أمر يُشكّل لهم حرجا وعناءً كحضور الجمع والجماعات وصلاة العيدين.
أما غير المرضى فصلاة الجماعة في المسجد سنة مؤكدة لهم، لكنها ليس واجبة على الأعيان وقد ذهب البعض إلى وجوبها وذكروا روايات تتراوح بين الضعيف والمؤول[4] ومجموع الروايات يدل على أهمية حضور الجماعة. والخطير هو هجرها بالجملة أو التهاون فيها لأنها من شعائر الإسلام والإجتماع لها يحقق فوائد عظيمة في الدنيا والآخرة على حد سواء.
أما قول عبد الله بن مسعود (ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف) إنما فيه حكاية الحال عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحرصهم على حضور الجماعة، ولا يفهم منه لزوم حضورها للمريض والعاجز.
ومما يدل على جواز الصلاة في البيت وغيره قول النبي صلى الله عليه وسلم: (وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل)[5]
[1] صحيح البخاري، رقم الحدبث 611 ، 3/36
[2] رواه الترمذي، باب ما جاء في صلاة العشاء، 223 قال الترمذي هذا حديث غريب كما رواه ابو داوود وغيره وصححه الألباني
[3] فتح الباري لابن رجب، باب وجوب صلاة الجماعة، 5/488.
[4] أنظر فتح الباري لابن رجب، باب المساجد في البيوت،3/183
[5] صحيح البخاري، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا 438 وأخرجه مسلم في أوائل المساجد ومواضع الصلاة رقم 521
أضف تعليقا