ونقصد بالبيئة المحيطة تلك الاماكن التي لا غنى للانسان عن النزول بها سواء كانت بيته أو الطريق الذي يسلكه أو الساحات والحدائق التي يؤمها وقت فراغه. وقد وجدنا العديد من التشريعات والتوجيهات التي تدعو للمحافظة على البيئة المحيطة؛ وذلك بالحض على نظافة المساكن والطرقات والساحات العامة. ونذكر ذلك باختصار:
1_ نظافة المسكن
طهارة مكان الصلاة شرط في صحة الصلاة لقوله تعالى {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (البقرة، 125) وهذا التطهير يشمل التطهير من الأنجاس والأقذار ومن مظاهر الشرك والآثام. وإن بيت المسلم لا يخلو من الصلاة أداء لفريضة أو تنفلاً أو تهجداً ولذلك لا بد من المحافظة على طهارته. كما يحرص المسلم على نظافة بيته كي يحيا حياة سليمة بعيدة عن الأمراض ومنغصات الحياة.
المحافظة على طهارة المكان وخاصة المساجد لها فضل عظيم بالرغم من تقليل شأن هذه الصنعة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يترفع عن مساعدة أهله بتنظيف البيت وكنسه وقد أظهر من خلال التطبيق العملي تقديره الشديد لمن يقوم بهذه المهمة. فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن أسود رجلا – أو امرأة – كان يكون في المسجد يقم المسجد [1] ، فمات ولم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم بموته، فذكره ذات يوم فقال: «ما فعل ذلك الإنسان؟» قالوا: مات يا رسول الله، قال: «أفلا آذنتموني؟» فقالوا: إنه كان كذا وكذا – قصته – قال: فحقروا شأنه، قال: «فدلوني على قبره» فأتى قبره فصلى عليه[2].
2_ نظافة الطريق والأماكن العامة
نظافة الطريق والساحات العامة دليل على رقي أهل البلد، وتُعرف سمات المجتمع الخُلقية من نظافة الطرق والساحات؛ فنظافتها أبهج للنفس وأنقى للمتنفس وأدعى للإحترام. ويحذر النبي صلى الله عليه وسلم من التسبب في إيذاء الطريق أو الأماكن العامة التي يقصدها الناس للاستظلال والراحة بقوله (اتَّقُوا اللَّاعِنَيْنِ قَالُوا وَمَا اللَّاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ أَوْ ظِلِّهِمْ) [3] ويرد تأكيد ذلك في حديث آخر (اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَالظِّلِّ)[4].
ولما كان لا يخلو أن يتسخ الطريق لأي سبب كان فقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى إزالة ما يعلق على الطريق من القاذورات والأذى، واعتبر أن ذلك من أبواب الخير، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال ( يُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ) [5]
وللتأكيد على هذه الحقيقة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شعب الإيمان ليظهر أن إماطة الأذى عن الطريق آخرها بقوله (الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)[6]
ويبين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عظيم أجر من يزيل الأذى عن طريق الناس بضرب المثل الحي ليكون أدعى للفهم بقوله (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ )[7]
“وعن أبي سعيد مرفوعا: (غفر الله لرجل أماط عن الطريق غصن شوك، ما تقدم من ذنبه وما تأخر) …. وعن أنس قال: (كانت شجرة على طريق الناس فكانت تؤذيهم، فعزلها رجل عن طريقهم، قال النبي، صلى الله عليه وسلم: رأيته يتقلب في ظلها في الجنة) . واعلم أن الشخص يؤجر على إماطة الأذى، وكل ما يؤذي الناس في الطريق، وفيه دلالة على أن طرح الشوك في الطريق والحجارة والكناسة والمياه المفسدة للطرق وكل ما يؤذي الناس يخشى العقوبة عليه في الدنيا والآخرة، ولا شك أن نزع الأذى عن الطريق من أعمال البر، وأن أعمال البر تكفر السيئات وتوجب الغفران، ولا ينبغي للعاقل أن يحقر شيئا من أعمال البر والأصل في هذا كله قوله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره} (الزلزلة: 7) . وإماطة الأذى عن الطريق شعبة من شعب الإيمان”[8].
وقد أوجب الله على الناس الشكر على إنعامه الكثير الذي لا يحصى. ولما كان الإحصاء متعذرا جعل الله تعالى من كل عمل نافع بمثابة الشكر له، وفيه من الرفق بالعباد ما فيه. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “كل سلامى[9] من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع الشمس: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته تحمله عليها أو ترفع له متاعه عليها صدقة والكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة “[10]
[1] يقم المسجد أي يكنسه وينظفه
[2] صحيح البخاري، باب الصلاة على القبر، 1337
[3] سنن ابي داود، 23
[4] سنن ابي داود، 24
[5] صحيح البخاري، 8/354
[6] صحيح البخاري، 51
[7] صحيح البخاري، 2292
[8] عمدة القاري شرح صحيح البخاري، باب من أخذ الغصن وما يؤذي، 2742
[9] السلامى هو المفصل من العظم
[10] أخرجه البخاري (2707) و (2891) و (2989) ، ومسلم (1009) (56) ، وابن حبان (3381) وأحمد 8183
وقد أوجب الله على الناس الشكر على إنعامه الكثير الذي لا يحصى. ولما كان الإحصاء متعذرا جعل الله تعالى من كل عمل نافع بمثابة الشكر له، وفيه من الرفق بالعباد ما فيه. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “كل سلامى[9] من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع الشمس: تعدل بين الاثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته تحمله عليها أو ترفع له متاعه عليها صدقة والكلمة الطيبة صدقة وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة، وتميط الأذى عن الطريق صدقة “]