السؤال: العاشر من محرم هو ذكرى استشهاد الحسين بن علي رضي الله عنهما، وهناك من المسلمين من يقيمون المآتم بهذه المناسبة ويظهرون الحزن باللطم والنواح وضرب أنفسهم بالسلاسل. ما هو رأي الدين بهذه الأفعال.
الجواب: ذكرت المصيبة في القرآن الكريم وكيفية التعامل ازاءها. ومصيبة الموت من جملة المصائب التي تصيب الانسان، وخاصة إن كان الموت نتيجة للقتل ظلما وتعسفا، وقد أرشد الله تعالى إلى ضرورة الصبر عند وقوع المصيبة واعتبر ذلك من علائم الايمان. قال تعالى {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ} (البقرة، 156) فالقول الذي يرضي الله تعالى (إنا لله وإنا إليه راجعون)، ومن قالها استحق صلاة الله عليه بأن ينزل عليه الرحمة والسكينة والرضا بقضائه.
وفي هذا السياق يقول النبي اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ فَيَفْزَعُ إِلَى مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللَّهُمَّ عِنْدَكَ احْتَسَبْتُ مُصِيبَتِي فَأْجُرْنِي فِيهَا وَعَوِّضْنِي مِنْهَا إِلَّا آجَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا وَعَاضَهُ خَيْرًا مِنْهَا”[1] .
ولا يجوز إظهار الجزع والتصرف بما ينافي الصبر كاللطم والنواح وضرب النفس بالسلاسل. وفي هذا يقول النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ”[2] لأن هذه الأفعال من العلامات الظاهرة لعدم الصبر. وعن أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “بَرِئَ مِنَ الصَّالِقَةِ وَالحَالِقَةِ وَالشَّاقَّةِ”[3].
وقد بكى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على فراق ابنه ابراهيم وقال “إِنَّ العَيْنَ تَدْمَعُ، وَالقَلْبَ يَحْزَنُ، وَلاَ نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا، وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ”[4]. والقول الذي يرضي الله تعالى هو لا حول ولا قوة الإ بالله. ثم إن النبي لم يجعل من ذلك اليوم مناسبة سنوية ليقيم المآتم ويظهر الحزن، ولنا فيه القدوة الحسنة، والخروج عن هديه هو المصيبة ذاتها.
وما ينبغي الإشارة إليه أن اقامة المآتم بهذه المناسبة هو إعادة انتاج للتاريخ وتذكير بالفتن. والأصل بالمسلم أن يعيش حياته وفقا لكتاب ربه وليس وفقا لأهوائه وتعصبه لرأيه. وقد يقول قائل إننا نقيم المآتم حزنا على ابن رسول الله. والغريب أنهم لا يقيمون المآتم بذكرى موت جده النبي صلى الله عليه وسلم ولا لمن استشهدوا غدرا من الصحابة السابقين كأبيه علي أو عمر أو عثمان رضي الله عنهم جميعا.
[1] سنن ابن ماجه ، رقم الحديث 1587
[2] البخاري، 1294 ومسلم 165 – (103) وغيرهما من أصحاب السنن
[3] البخاري 1296 . الصالقة التي ترفع صوتها عند المصيبة، والحالقة التي تحلق شعرها حدادا، والشاقة التي تشق ثيابها إظهارا للحزن
[4] البخاري، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ» رقم الحديث 1303 ، وأخرجه مسلم في الفضائل باب رحمته صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال، رقم الحديث 2315
سلام عليكم. وقعت على صفحتكم الموقرة فأعجبت بجرأتكم العلمية. ورغم كوني شيعيا واختلافي جزئيا معكم عقديا وفقهيا بما لا يخل بإسلام كلينا إلا أني وجدت تجرُّدا للحقِّ، ولكن ساءني ما قرأته هنا وتحديدا في قولكم: “والغريب أنهم لا يقيمون المآتم بذكرى موت جده النبي صلى الله عليه وسلم ولا لمن استشهدوا غدرا من الصحابة السابقين كأبيه علي” فهلا تكرمتم بفتح قنواتنا ليلة 28 صفر ويومها أو زرتم بلدي لتروا الحزن على رسول الله يطبّق الأرجاء، وكذلك ليلة 21 رمضان ويومها يوم مخصوصٌ لعلي، أرجو الإنصاف مع إقراري طبعا بعدم مشروعيَّة بعض الممارسات الشيعيَّة، ولكن ذلك لا يُخرج الأمر عن قول الحقِّ.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
شكرا جزيلا على تواصلك معنا وعلى رأيك بموقعنا، وهذا يسعدنا حقَّا.
أخي محمد: ما أحزنك لم يكن هو أساس تفيندنا لفعل الشيعة بمناسبة استشهاد الحسين رضي الله عنه، وإنما أساس التفنيد أنَّ إحياء المصائب ليست من دين الإسلام في شيء، فليس مطلوبا شرعا أن تقيم مراسم الحزن والمآتم بمناسبة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم أو وفاة أحد من آله أو أصحابه. لكنَّ المطلوب أن تتأسى بهم في فهم القرآن والجهاد به والعيش بنورة وبمقتضاه، فإن فعلت كنت مُحبَّا حقَّا للنَّبيِّ وآل بيته. وإن تركت الكتاب الذي جاهدوا به ومن أجله كان حُبَّا مزعوما لم تقدِّم ما يثبته سوى ما لم يرد الشرع به..
القرآن الكريم يبيِّن لنا الصُّورة الحقيقيَّة لمحبَّة النَّبيِّ بقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (آل عمران، 31_32) فمحبَّة النَّبيِّ تكمن باتباعه واتِّباع النُّور الذي أُنزل معه، كما جاء في قوله تعالى {فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (الأعراف، 157) وصورة ذلك أن نأتي ما أمر به، وننتهي عمَّا نهى عنه.
ولا يوجد في كتاب الله أمرٌ واحد بإدامة العزاء على ميِّت وإحياء ذكراه كل سنَّة، ولو كان هذا مشروعا لأقامه نبيُّنا على الأنبياء من قبله، أو على من استشهدوا في بدر وأُحد، وكان منهم عمُّه حمزة وكان أحبَّ النَّاس إليه، ولأقامه على خديجة وهي أحبُّ نسائه إليه، ولأقامه على عمِّه أبي طالب الذي كان حاميا له ونصيرا، لكنَّنا لم نجد شيئا من ذلك، ولم يُروَ أنَّه أقام لأحد ذكرى سنويَّة ومأتما يخلد الحزن عليه.
بل إنَّ الله تعالى يتحدَّث عن موت النَّبيِّ كموت أي إنسان آخر بقوله لنبيِّه {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} (الزمر، 30) ذلك أنَّه بلَّغ الرِّسالة واكتمل الدِّين، فمن أراد الحقَّ فعليه بتلك الرِّسالة والعيش بنورها، ومن تنكَّب عنها فارق الهدى وعاش في الضَّنك، كحال عامَّة المسلمين اليوم.
نسأل الله تعالى لنا ولكم الهداية والتوفيق والسداد