السؤال: قال الله تعالى في المنافقين {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} (الأحزاب، 61). أفهم من هذه الآية وجوب قتل المنافقين. وقرأت في أحد كتب التفسير أن هذا حكم في القرآن ولم يعمل به. وقد ثبت في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقتل المنافقين. فكيف يصحّ أن يقال إن النبي لم يطبق حكما في القرآن الكريم. أجيبوني مأجورين.
الجواب:
لم يقتل النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين؛ لأنه لم يؤمر بذلك، ولأنه لا يجوز أن يُكره أحد على قبول الدين. ومنشأ الخطأ في فهم الآية التي ذكرها السائل الكريم هو عدم وقوف المفسر على كلمة (ثُقفوا) الواردة في الآية التي قد يفسرها البعض بمعنى مجرد المقابلة، وهذا تفسير خاطئ.
والصحيح أن هذه الكلمة ومشتقاتها تستعمل في القرآن الكريم للدلالة على اللقاء في الحرب عادة.
وهي من قبيل قوله تعالى:
{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (الأنفال، 57)
أي إذا قابلتهم في الحرب فالحق الهزيمة بهم بحيث يكونوا عبرة لغيرهم من أعدائكم.
ومثل قوله تعالى عن اليهود:
{ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا}
أي كلما تقابلوا مع المؤمنين في حرب ضربت عليهم الذلة.
ويقول الله تعالى عن المشركين:
{إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً} (الممتحنة، 2)
بمعنى إن يقابلوكم في الحرب تظهر عداوتهم رغم ما تربطكم بهم من أواصر القربى.
يتبين مما سبق أن الآية التي أمرت بقتل المنافقين حددت ذلك في الحرب فقط، لتكون علة قتلهم أنهم معتدون محاربون وليس لكونهم يخفون الكفر. فلا يصح مقاتلة الكافر لكفره؛ لأن الله تعالى وحده من يعاقب ويكافئ على الكفر والايمان. وبهذا يتضح أن النبي صلى الله عليه وسلم طبق النص القرآني بحذافيره وليس الأمر كما ظنّ الأخ السائل.
وينبغي فهم الآيات التي تأمر بقتال الكفار أو المنافقين بقيد كونهم محاربين ومعتدين بدليل قوله تعالى:
{وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة 190)
أضف تعليقا