الجمع بين الصلوات: الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء
فرضَ الله تعالى في النهار صلاتين، وفي الليل ثلاثة. قال الله تعالى {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} (هود، 114).
والطرف بالتحريك: الناحية من النواحي والطائفة من الشي، والجمع أطراف[1]. قوله تعالى “طرفي النهار”، أي في جزئيه؛ وللنهار ثلاثة أجزاء رئيسية؛ الأول يبدأ بطلوع الشمس، والثاني، يبدأ بمرور الشمس من الخط الطولي. والثالث: يبدأ من منتصف ما بين مرور الشمس من الخط الطولي إلى غروبها.
فقوله تعالى {طرفي النهار} يدل على صلاتي الظهر والعصر. وقوله تعالى “وزلفا من الليل” يدل على صلاة كلٍ من المغرب والعشاء والفجر. كما جاء توضيحه في قوله تعالى {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدلُوكِ الشَّمسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (الإسراء، 78) غسق الليل هو نهاية وقت صلاة العشاء. والغسق له معنيان؛ الأول ذهاب البياض الذي يلي الحمرة (الشفق الأحمر) ودخول ظلمة الليل. والثاني: البارِدُ، فغسق[2] الليل هو الوقت الذي يبرد فيه الجو وهذا الوقت يتوسط آخر وقت العشاء والفجر. وفائدة هذين المعنيين تظهر في الدائرة القطبية في الصيف حين لا تغيب الشمس.
وقوله تعالى {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} أي عندما يجتمع الفجر، يحين وقت صلاة الصبح. والفجر مصدرا بمعنى شق الشيء شقا واسعا،[3] واسما يعني حمرة الشمس المستطيرة المنتشرة في الأفق الشرقي في الصباح. ونعني بتجمع الفجر تجمع الأضواء الحمراء في الأفق.
الجمع بين الظهر والعصر
قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} ( الإسراء، 78) يبين وقت صلاة الظهر التي هي أول صلاة اليوم. كما جاء ذلك في تطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي سعيد الرقاشي قال: ” كان يصلي الظهر عند دلوك الشمس”[4]. فبالجمع بين الآية والحديث يتبين لنا أن أول صلاة النهار هي الظهر، ويبدأ وقتها حين زوال الشمس.
ولم يُذكر في القرآن الكريم آخرُ وقت الظهر وبداية وقت صلاة العصر. ونفهم من قوله تعالى: {طرفي النهار} أن وقت العصر يبدأ بخروج وقت الظهر، لأن كلمة “طرف” في اللغة يمكن إطلاقها على كل جزء من أجزاء الشيء. لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع أحيانا صلاتي الظهر والعصر. فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: “جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمَدِينَةِ، فِي غَيْرِ خَوْفٍ، وَلَا مَطَرٍ”.[5]
ومع ذلك لصلاة العصر وقت محدد صلاها فيه النبي صلى الله عليه وسلم في أغلب الأوقات. عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أمني جبريل عليه السلام عند البيت مرتين، فصلى بي الظهر حين زالت الشمس وكانت قدر الشراك، وصلى بي العصر حين كان ظله مثله، وصلى بي يعني المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء حين غاب الشفق، وصلى بي الفجر حين حرم الطعام والشراب على الصائم، فلما كان الغد صلى بي الظهر حين كان ظله مثله، وصلى بي العصر حين كان ظله مثليه، وصلى بي المغرب حين أفطر الصائم، وصلى بي العشاء إلى ثلث الليل، وصلى بي الفجر فأسفر” ثم التفت إلي فقال: “يا محمد، هذا وقت الأنبياء من قبلك، والوقت ما بين هذين الوقتين”.[6]
والآية 114 من سورة هود تؤيد الرواية السابقة. وتلك الآية تبين أن الصلوات الخمس يقام كل واحد منها في وقت محدد له. وهذا يفهم من كلمة “طرفي” وكلمة “زلفا”، لأن “طرفي” يفيد وقتين و”زلفا” يفيد ثلاث أوقات.
ولم يكن وقت صلاة العصر في الأحاديث الأخرى مبينا على شكل واضح. عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم، قال: “إذا صليتم الفجر فإنه وقت إلى أن يطلع قرن الشمس الأول، ثم إذا صليتم الظهر فإنه وقت إلى أن يحضر العصر، فإذا صليتم العصر فإنه وقت إلى أن تصفر الشمس، فإذا صليتم المغرب فإنه وقت إلى أن يسقط الشفق، فإذا صليتم العشاء فإنه وقت إلى نصف الليل”.[7]
وعن أبي موسى، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه ” أتاه سائل يسأله عن مواقيت الصلاة، فلم يرد عليه شيئا، قال: فأقام الفجر حين انشق الفجر، والناس لا يكاد يعرف بعضهم بعضا، ثم أمره فأقام بالظهر، حين زالت الشمس، والقائل يقول قد انتصف النهار، وهو كان أعلم منهم، ثم أمره فأقام بالعصر والشمس مرتفعة، ثم أمره فأقام بالمغرب حين وقعت الشمس، ثم أمره فأقام العشاء حين غاب الشفق، ثم أخر الفجر من الغد حتى انصرف منها، والقائل يقول قد طلعت الشمس، أو كادت، ثم أخر الظهر حتى كان قريبا من وقت العصر بالأمس، ثم أخر العصر حتى انصرف منها، والقائل يقول قد احمرت الشمس، ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق، ثم أخر العشاء حتى كان ثلث الليل الأول، ثم أصبح فدعا السائل، فقال: الوقت بين هذين”.[8]
الجمع بين المغرب والعشاء
يبدأ الليل من غروب الشمس إلى طلوعها. وقد بين الله تعالى الصلوات التي تؤدى في الليل بقوله: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} (هود، 114).
والزُّلْفةُ والزُّلْفَى القُربةُ، والجمع زُلَفٌ وزُلَفاتٌ. [9] وأقل الجمع في العربية ثلاثة. وعلى هذا فإنّ الزلف ثلاث أوقات من الليل قريبة من النهار. وفي تلك الأوقات الثلاث القريبة من النهار يؤدى في كلٍّ منها صلاة من صلوات الليل.
وقوله تعالى {إلى غسق الليل} يبين آخر وقت العشاء، ولم تبين الآية آخر وقت المغرب كما لم تبين أول وقت العشاء. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء أحيانا حتى دون عذر كما ذكرنا في الروايات السابقة. ومع ذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب في أول وقته أي عند تحقق مغيب الشمس، وكان يصلي العشاء عند مغيب الشفق الأحمر، كما علمه جبريل عليه السلام.
ونذكر أحاديث الجمع لمزيد من الفائدة
عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل أخبرهم أنهم خرجُوا مع رسولِ الله – صلَّى الله عليه وسلم – في غزوة تَبُوكَ، فكان رسولُ الله – صلَّى الله عليه وسلم – بين الظهرِ والعصرِ والمغربِ والعشاء, فأخَّرَ الصلاةَ يوماً، ثم خرج فصلَّى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل، ثم خرج فصلَّى المغربَ والعشاء جميعاً)[10] .
عن ابن عباس، قال: “صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا، في غير خوف، ولا سفر” [11]
وعن ابن عباس، قال: “صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا بالمدينة، في غير خوف، ولا سفر” قال أبو الزبير: فسألت سعيدا، لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني، فقال: “أراد أن لا يحرج أحدا من أمته” [12]
وعن ابن عباس “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعا، وثمانيا، الظهر والعصر، والمغرب والعشاء”[13] .
نفهم من الجمع بين الآيات والأحاديث أنه يجوز الجمع بين صلاتي الظهر والعصر، أو صلاتي المغرب والعشاء أحيانا لما ذكرنا، ولا يصح أن يتخذ الجمع عادة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجمع إلا نادرا. كما لا يجوز الجمع بغير الأوقات المذكورة مطلقا؛ كالجمع بين العصر والمغرب مثلا؛ لأنه لم يرد عليه دليل من القرآن أو السنة. ولأنّ النبي صلى الله عليه وسلم طبق الوحي كما نزل، ولم ينزل بغير ما ذكرنا من كيفية الجمع.
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
جمال أحمد نجم
ــــــــــــــــــــــ
[1] لسان العرب، مادة: طرف.
[2]تاج العروس، مادة: غسق.- (26 / 251)
[3] المفردات، مادة فجر.
[4] التاريخ الكبير، للبخاري، تحقيق مصطفى عبد القادر أحمد، بيروت 1422 /2001 رقم الحديث: 1948.
[5] مسلم صلاة المسافرين وقصرها الجمع بين الصلاتين في الحضر 54- (705).
[6] سنن أبي داود، باب الصلاة رقم الحديث: 393؛ سنن الترمذي المواقيت، 1.
[7] صحيح مسلم، المساجد ومواعيد الصلاة، 171- (612).
[8] صحيح مسلم المساجد، 178- (614)؛ سنن أبي داود، الصلاة، 2 – (395)؛ النسائي، المواقيت، 15- (1، 260، 261)
[9] لسان العرب، مادة: زلف
[10] رواه ابو داوود، باب الجمع بين الصلاتين،1206 وهو في “موطأ مالك” 1/ 143 – 144، والنسائي في “الكبرى” (1576)، ومسلم (706) وابن ماجه (1070) وهو في “مسند أحمد” (22070)، و”صحيح ابن حبان” (1595).
[11] مسلم، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، 49 – (705)
[12] مسلم، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر،50 – (705)
[13] مسلم، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، 56 – (705)،
ولي سؤال علي هذا الجمع
ما رأي فضيلتكم حول جمع الجمعۃ بالعصر
الجمعة تصلى وقت الظهر وتقوم مقامه، ولا مانع شرعا من جمع العصر معها بعد الفراغ منها، أي جمع تقديم، أما جمع التأخير فلا يصح، لأن الجمعة لا تصلى في وقت العصر.