هذا نص الخطاب الذي بعثنا به إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء في الجمهورية السودانية عبر موقعهم الإلكتروني:
تناقلت وسائل الإعلام مؤخرا خبرا مفاده أنّ محكمة سودانية حكمت على امرأة بالإعدام بعدما أدانتها بالردة عن الإسلام. وتعقيبا على الحادثة وما يشاكلها أردنا بيان حكم الله تعالى في المرتد وتصحيح الخطأ التاريخي الذي وقع فيه الفقهاء المسلمون عندما أثبتوا حد الردة بمعزل عن كتاب الله تعالى وتمسك بروايات مخالفة لكتابه. وحرصا منا على التناصح الذي أمرنا الله تعالى به نكتب هذا التوضيح الشرعي لهذه القضية.
الإيمان محله القلب، وهو محل الإختيار، ولا يمكن إجبار القلب على قبول رأي أو رفضه، كما لا يمكن إجباره على البقاء على رأي قد آمن به سابقا؛ لذا قرر الإسلام حرية الاعتقاد للفرد والجماعات، واعتبر أنّ حريّة الفرد وقدرته على الإختيار هما مناط التكليف، وبهما يتميز الإنسان عن غيره من المخلوقات، وهذه الخاصية مقترنة ببني آدم لا تفارقهم أبدا ما دامت الحياة في أبدانهم قال الله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} (الإنسان، 3)
وقد تقرر في القرآن الكريم أنه لا يُجبر أحدٌ على الدخول في الإسلام، وتورادت الآيات تباعا لتوضح هذه الحقيقة بشكل جلي وتقررها قاعدة لا مراء فيها ولا جدال، حيث قال تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} ( البقرة، 256). وبعد هذا البيان يعلن الله لعباده أنه لن يقاد أحد للإيمان جبرا بقوله تعالى {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا} (الكهف، 29)
ومن ينظر في كتاب الله تعالى يجد أنّ المرتد عن الإسلام لا يقتل، وأنه ليس ثمة عقوبة دنيوية عليه. بل نصت الآيات على مبدأ حرية الاعتقاد، ولا فرق بين حرية المرء عند دخوله في الإسلام أو خروجه منه؛ إذ أن أحدا لا يملك الحجر على قلوب العباد فيتحكم في معتقداتهم، والرقيب على ذلك هو الله وحده فيعاقب المرتد ويتوعده بالعذاب الأليم إن مات على ردته قبل أن يتوب، وإليكم الأدلة على ما نقول:
1_ قال الله تعالى:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} (البقرة، 256). والآية تنص صراحة على عدم جواز الإكراه في الدين ويستوي الأمر قبل الإسلام أو بعده، والقول بقتل المرتد هو من قبيل الإكراه في الدين.
2_ وقال أيضا {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة، 127)، هذه الآية تنص على عقوبة المرتد وهي حبوط عمله والخلود في جهنم ، ورغم أن الآية نصت على جزاء المرتد إلا أنها لم تذكر القتل عقوبة له، والسكوت في موضع البيان بيان.
وقد احتج القائلون بقتل المرتد بهذه الآية بالرغم من كونها حجة عليهم حيث قالوا: أشار العطف في قوله تعالى {فيمت} بالفاء المفيدة للتعقيب إلى أنّ الموت يعقب الإرتداد وقد علم كل أحد أن معظم المرتدين لا تحضر آجالهم عقب الارتداد فيعلم السامع حينئذٍ أنّ المرتد يعاقب بالموت عقوبة شرعية ، فتكون الآية دليلاً على وجوب قتل المرتد .[1]
ولا يخفى ما في هذا التوجيه من التكلف والتعسف. فكلمة “فيمت” تدل على موت المرتد حتف أنفه، ولا تدل على قتل الآخر إياه، والفرق بين الموت والقتل واضح.
كما أن الفاء في قوله تعالى (فَيَمُتْ) لا تفيد الترتيب الفوري بالضرورة وهي نظير قوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (التغابن، 2) ، ومعلوم أن كل إنسان يولد على الفطرة ويبقى كذلك الى أن يبلغ، ومن الناس من يختار الكفر على الإيمان، ولو كانت الفاء للتعقيب الفوري للزم ذلك أن يولد الانسان مؤمنا أو كافرا. وهذا يتناقض مع العدل الإلهي المطلق. وإنما ترد الفاء في مثل هذه الآيات لغرض بلاغي بحت؛ وهو التعريض بقصر مدة إقامة الإنسان على هذه الأرض، فإن علم ذلك بادر إلى التوبة والعمل الصالح.
3_ وقال أيضا {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ، أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ}(آل عمران، 86_87). تتحدث الآية عن قوم آمنوا وشهدوا أن الرسول حق، وقامت لديهم البراهين على صدقه، ثم كفروا بعد هذا الإيمان وبعد هذه الشهادة وبعد قيام البراهين. فكيف يستحق هؤلاء الهداية؟ الجواب: لا يستحقونها لأن الله تعالى لا يهدي القوم الظالمين الذين خرجوا عن طريق الحق وتنكروا لما اهتدت إليه عقولهم. فهذه الآية أيضا تنصّ على جزاء المرتد وهو اللعن والخلود في العذاب دونما ذكر لقتله نصا ولا إشارة.
4_ وقال أيضا {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النحل، 106).
5_ وقال أيضا {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُوْلَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (آل عمران، 77).
6_ وقال أيضا {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء، 115).
7_ وقال أيضا {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا}(النساء، 137). الآية تتحدث عن ايمان وردة بشكل متكرر ثم تنص على جزاء هؤلاء بأنهم لن يحظوا بالمغفرة والهداية.
ولا يتصور عاقل أن يُذكر المرتد مرات عديدة في القرآن، وفي كل مرة ينص على عقوبته في الآخرة دونما التعرض لعقوبته في الدنيا، ثم يُدَّعى بعد ذلك أن الله تعالى أوكل لنبيه أن يتدارك ذلك . قال الله تعالى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (مريم، 64)
الأحاديث الواردة بقتل المرتد
أمّا الأحاديث التي وردت بقتل المرتد فإنها لا تصلح للاحتجاج بحال من الأحوال، ويمكن أن تقرأ من ثلاث زاوايا:
الزاوية الأولى: الأحاديث الدالة على قتل المرتد تخالف القرآن الكريم، وتأتي بحكم لم يذكر فيه، ولم يشر إليه فيه من قريب أو بعيد، بل تأتي بحكم جديد قد تقرر في القرآن غيرُه، وهو ما لا يمكن قبوله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم متبع لا مبتدع، ولذلك لما ألحَّ المشركون على رسول الله أن يأتي بقرآن غير ما أُنزل إليه كان الرد الإلهي للرسول {… قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف، 203)
ومن ناحية الرواية فإن تلك الأحاديث لم تسلم أسانيدها، وقد تكلم أهل العلم بكثير من رواتها. وفيما يلي نعرض لبعض تلك الأحاديث التي شكلت حجر الزواية في تقرير القتل كعقوبة للمرتد:
الحديث الأول: روى البخاري وغيره عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ : “أُتِيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِزَنَادِقَةٍ فَأَحْرَقَهُمْ ، فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ : لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أَحْرِقْهُمْ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لَا تُعَذِّبُوا بِعَذَابِ اللَّهِ ، وَلَقَتَلْتهمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ”[2]
هذا الحديث رواه أصحاب الكتب الستة إلا مسلما، ومدار الحديث على عكرمة مولى ابن عباس، وهذا الرجل قد تجنب الرواية عنه عدد من العلماء منهم الإمام مالك، وكان الإمام مسلم لا يروي عنه إلا قليلا، ويعلق البيهقي على هذا الحديث بقوله: وأما حديث عكرمة فإنه موصول قد احتج به البخاري ، وأخرجه في الجامع الصحيح ، إلا أن مالك بن أنس وجماعة من أئمة الحديث كانوا يتقون رواية عكرمة مولى ابن عباس ولا يحتجون بها[3]. وأول سلسلة هذا الحديث هو أبو النعمان محمد بن الفضل الملقب بعارم، وقد جرح بتغير عقله. وبناء على هذا فأقلّ ما يقال أنّ هذا الحديث لا يصلح ليكون دليلا على حد من حدود الله تعالى.
وعند نقد متن الحديث فإننا نرى فيه ما هو مستبعد، فقضية الحرق بالنار لا يعمد إليها بشر سوي فضلا أن يكون عليا رضي الله عنه، وهذه القضية لم ينتبه إليها كثيرون فتأمل ذلك.
الحديث الثاني: روى مسلم: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، وَوَكِيعٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، إِلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ “[4]
رواة هذا الحديث
نعرض لرواة الحديث بحسب ما جاء في سيرهم
نرى أن مسلما[5]. ذكر الحديث معتمدا على سند من سبعة رجال. ومن المفيد أن نتعرف أحوال هؤلاء الرواة وما قيل فيهم بحسب ما ورد في “ميزان الإعتدال، وسير أعلام النبلاء، وتقريب التهذيب ” كما يلي:
الراوى الأول: أبو بكر بن أبى شبية واسمه الحقيقى عبد الرحمن بن عبد الملك بن شيبة، أبو بكر الحزامى المدني. قال أبو أحمد الحاكم: ليس بالمتين عندهم. وقال أبو بكر بن أبي داود: ضعيف. وقال ابن حبان في الثقات: ربما أخطأ. مات في حدود العشرين ومائتين[6] .
الراوى الثاني: حفص بن غياث وهو أبو عمر النخعى القاضي قال عنه أبو زرعه: ساء حفظه بعد ما استقضى، أي بعد أن تولى القضاء، وقال داوود بن رشيد: حفص بن غياث كثير الغلط. وقال عنه ابن عماد: كان عسراً فى الحديث جداً …[7]
الراوي الثالث: أبو معاوية الضرير واسمه محمد بن خازم -بمعجمتين- الكوفي. قال عنه الحاكم: احتج به الشيخان. وقد اشتهر عنه الغلو أي غلو التشيع. وروى عباس عن ابن معين قال: روى أبو معاوية عن عبيد الله أحاديث مناكير. وَقَالَ يَعْقُوْبُ بنُ شَيْبَةَ: ثِقَةٌ، رُبَّمَا دَلَّسَ، كَانَ يَرَى الإِرْجَاءَ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: كَانَ رَئِيْسَ المُرْجِئَةَ بِالكُوْفَةِ. وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ: كَانَ حَافِظاً، مُتْقِناً، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُرْجِئاً، خَبِيثاً. ومات سنة خمس وتسعين ومائة. وله اثنتان وثمانون سنة
الراوي الرابع: هو وكيع: واسمه وكيع بن الجراح، أبو سفيان الرؤاس الكوفى. قال عنه ابن المدنى كان وكيع يلحن. قال ابن المديني في التهذيب: وكيع كان فيه تشيع قليل.
الراوي الخامس: الأعمش واسمه سليمان بن مهران أبو محمد الكاهلى الكوفى الأعمش. قال عنه الذهبى: ما نقموا عليه إلا التدليس وهو يدلس. وقال عنه ابن المبارك: إنما أفسد حديث الكوفة أبو إسحاق والأعمش. قال عنه ابن جرير بن عبد الحميد أهلك أهل الكوفة أبو إسحاق واعيمشكم هذا وقال عنه أحمد بن حنبل: فى حديث الأعمش اضطراب كثير..
الراوي السادس: عبد الله بن مرة (الْهَمْدَانِيّ الخارفي الكوفي كما يقول العسقلاني في فتح الباري). قال عنه ابن حجر العسقلاني ثقة[8] من الثالثة[9].
الراوي السابع: مسروق (ابن الأجدع ابن مالك الهمداني الوادعي أبو عائشة الكوفي ثقة فقيه عابد مخضرم من الثانية- تقريب التهذيب)[10].
والخلاصة أن سلسلة مسلم في حديث “لا يحل دم امرئ مسلم…” تتكون من سبعة رجال، خمسة رجال منهم طعنوا فيهم ورجلان منهم متفق على ثقتهما.
الزاوية الثانية: على فرض صحة بعض الروايات فربما أُمر بقتل المرتد الذي رافق ردته فساد في الأرض، فيكون القتل جزاء لفساده لا لردته.
وما يعزز هذا الإفتراض أن كثيرا من الروايات ربطت بين الردة والمحاربة والإفساد في الأرض ومثل ذلك ما رواه النسائي عن عائشة مرفوعا (…وَرَجُلٌ يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ فَيُحَارِبُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ فَيُقْتَلُ أَوْ يُصَلَّبُ أَوْ يُنْفَى مِنْ الْأَرْضِ)[11]. ومثل ذلك ما رواه ابن ابي شيبة: (…أو رجل حارب الله ورسوله وارتد عن الإسلام) [12] ، ومثله أيضا: (…ورجل خرج محاربا لله ورسوله فانه يقتل أو يصلب أو ينفى من الارض أو يقتل نفسا فيقتل بها) [13] .
الزاوية الثالثة: ربما كان حد الردة شريعة سابقة عمل بها النبي صلى الله عليه وسلم مدة من الزمن حتى جاء القرآن بنسخها، فقد جاء في التوراة النص التالي ” وإنْ أغراكَ في الخفاءِ أخوكَ اَبْنُ أمِّكَ، أوِ اَبنُكَ، أوِ اَبنَتُكَ، أوِ اَمرَأتُكَ التي في حَرَمِكَ، أو صديقُكَ الذي هوَ كنَفْسِكَ، فقالَ لكَ: تعالَ نعبُدُ آلهةً أخرى لا تعرِفُها أنتَ وآباؤُكَ مِنْ آلهةِ الشُّعوبِ الذينَ حَوالَيكُم، القريبينَ مِنكُم والبعيدينَ عَنكُم، مِنْ أقاصي الأرضِ إلى أقاصيها. فلا تلتَفِتْ إليهِ، ولا تسمَعْ لَه، ولا يتَوجعْ قلبُكَ علَيهِ، ولا تتَحَمَّلْهُ، ولا تستُرْ علَيهِ، بلِ اَقْتُلْهُ قَتْلاً. يَدُكَ تكونُ علَيهِ أوَّلاً لِقَتلِهِ، ثُمَ أيدي سائِرِ الشَّعبِ أخيرًا، ترجمُهُ بالحجارةِ حتى يموتَ،”[14].
والأمر كذلك في المسيحية فقد جاء في رسالة بولس إلى العبرانيين: (مَن خالَفَ شَريعَةَ موسى قُتِلَ مِن غَيرِ رَحمَةٍ ( بِناءً على قَولِ شاهِدَينِ أَو ثَلاثة ). فأَيَّ عِقابٍ أَشَدَّ مِن ذلك العِقابِ يَستَحِقُّ، كما تَرَون، مَن داسَ ابنَ الله وعَدَّ دَمَ العَهْدِ الَّذي قدِّسَ بِه نَجِسًا واستَهانَ بِرُوحِ النَّعمَة؟، فنَحنُ نَعرِفُ ذاكَ الَّذي قال: ( لِيَ الاِنتِقامُ وأَنا اَّلذي يُجازي )[15]. وبناء على هذه النقول في التوراة والإنجيل فربما كان قتل المرتد شريعة سابقة عمل بها النبي صلى الله عليه وسلم مدة من الزمن حتى نُسخت بنص القرآن الكريم، ومثل هذا ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برجم الزاني المحصن لأنه شريعة سابقة حتى نسخه القرآن الكريم. قال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [16] والنبي محمد صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الأنبياء.
بناء على ما سبق يتبين أنه لا وجود لشيء اسمه حد الردة في الإسلام، وأنّ الأمر لا يعدو كونه إمّا تأويلا خاطئا للآيات التي أظهرت بوضوح عقوبة المرتد المتمثلة في خلوده في جهنم إن لم يتب قبل أن يموت، وإمّا تأويلا خاطئا لروايات تشير إلى مشروعية قتل المرتد قد ثبت من خلال المناقشة عدم صحة أسانيدها فضلا عن مخالفتها للقرآن، وعلى فرض الصحة لا يعدو كون المرتد قد ارتكب ما يوجب قتله من الحرابة والإفساد في الأرض.
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
[1] التحرير والتنوير، 2/272
[2] صحيح البخاري، باب: لا يعذب بعذاب الله، 3017، 2854 ،(3/1098) -[6524]
[3] معرفة السنن والاثار للبيهقي،باب المرتد 13/407
[4] مسلم، كِتَابُ الْقَسَامَةِ وَالْمُحَارِبِينَ وَالْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ، الباب السادس، رقم الحديث: 25 – (1676)
[5] مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري 204 – 261هـ، 820 – 875م.
[6] الكتاب: ميزان الاعتدال في نقد الرجال المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ)
[7] انظر: سير أعلام النبلاء وميزان الإعتدال
[8] أحمد بن علي بن حجر شهاب الدين/العسقلاني الشافعي الميلاد : 773 ت. الوفاة : 852، تقريب التهذيب، الصفحة 405.
[9] الطبقة الوسطى من التابعين، فالأولى: الصحابة على اختلاف مراتبهم، الثانية: طبقة كبار التابعين كابن المسيب، الثالثة: الطبقة الوسطى من التابعين، كالحسن وابن سيرين.
[10] ميزان الاعتدال للذهبى 6/10، 2/414، 3/215، 5/223 والحاكم النيسابورى معرفة علوم الحديث ص 105، ص 107 بيروت.
[11] النسائي 4662
[12] مصنف ابن ابي شيبة 6/417
[13] كنز العمال 367
[14] التثنية، الأصحاح، 13/7_11، موسوعة نور الحق
[15] رسالة بولس الى العبرانيين، الإصحاح 10/28_30، موسوعة نور الحق
[16] (المائدة، 44)
أضف تعليقا