مَنْ لكعب بن الأشرف ؟!
يشيرُ عنوانُ هذه الدراسة إلى حادثةٍ تاريخيّةٍ ذكرتها بعضُ كتب الحديث والسيرة النبويّة، تدورُ رواياتُ تلك الحادثة حول دائرةٍ واحدة: “أمَرَ رسولُ الله عليه الصلاةُ والسلام بقتل واحدٍ من زعماء اليهود في السنة الثالثة للهجرة؛ حيث أسهبت الرواياتُ في الحديث عن مشهد قتل كعب لكنّها لم تذكر التفاصيل التي دفعت رسولَ الله إلى اتخاذ قرار القتل..
نحاول في هذه الدراسة تسليطَ الضوء على ملابسات تلك الحادثة من خلال عرض الروايات المختلفة الواردة عنها لتحليلها ومحاولة فهم السبب الحقيقي الذي دعا رسولَ الله إلى اتخاذ قرار بقتل كعب بن الأشرف مقارنين في ذلك بين المسوّغات التي ساقتْها تلك الروايات وبين محتوى الآيات القرآنية التي تحدثت عن الحالات الثابتة في كلّ زمانٍ ومكانٍ فيما يخصّ إباحة دم شخصٍ ما.
1- الروايات الواردة في مقتل كعب:
1_ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، قَالَ عَمْرٌو : سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ ؟ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ : فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا، قَالَ: قُل. فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً وَإِنَّهُ قَدْ عَنَّانَا[1]، وَإِنِّي قَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ ، قَالَ : وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ[2]
قَالَ : إِنَّا قَدْ اتَّبَعْنَاهُ فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ[3] ، / و حَدَّثَنَا عَمْرٌو غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ يَذْكُرْ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ، أَوْ فَقُلْتُ لَهُ فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ فَقَالَ أُرَى فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ / فَقَالَ : نَعَمِ ارْهَنُونِ.
قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ؟ قَالَ: ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ ، قَالُوا : كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ؟!!
قَالَ: فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَيُقَالُ رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ ، هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللأمَةَ[4]
قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِي السِّلَاحَ ، فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ ، فَجَاءَهُ لَيْلًا وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ وَهُوَ أَخُو كَعْبٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحِصْنِ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَخِي أَبُو نَائِلَةَ/ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: قَالَتْ: أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ، قَالَ : إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ، إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لَأَجَابَ، قَالَ : وَيُدْخِلُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ ، قِيلَ لِسُفْيَانَ سَمَّاهُمْ عَمْرٌو؟ قَالَ : سَمَّى بَعْضَهُمْ، قَالَ عَمْرٌو : جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ/ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ ، قَالَ عَمْرٌو : جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ فَقَالَ: إِذَا مَا جَاءَ فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ فَدُونَكُمْ فَاضْرِبُوهُ ، وَقَالَ مَرَّةً: ثُمَّ أُشِمُّكُمْ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحًا[5] وَهُوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ[6]، فَقَالَ : مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رِيحًا ، أَيْ أَطْيَبَ ، وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو : قَالَ: عِنْدِي أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَأَكْمَلُ الْعَرَبِ ، قَالَ عَمْرٌو: فَقَالَ : أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ رَأْسَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ ، فَشَمَّهُ ثُمَّ أَشَمَّ أَصْحَابَهُ ثُمَّ قَالَ: أَتَأْذَنُ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ قَالَ : دُونَكُمْ، فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوه.[7]
2_ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بنِ فَارِسٍ أَنَّ الْحَكَمَ بْنَ نَافِعٍ حَدَّثَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ – وَكَانَ أَحَدَ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ تِيبَ عَلَيْهِمْ – وَكَانَ كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ يَهْجُو النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَيُحَرِّضُ عَلَيْهِ كُفَّارَ قُرَيْشٍ وَكَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَأَهْلُهَا أَخْلاَطٌ مِنْهُمُ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ وَالْيَهُودُ وَكَانُوا يُؤْذُونَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابَهُ فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ بِالصَّبْرِ وَالْعَفْوِ فَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللَّهُ (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) الآيَةَ ، فَلَمَّا أَبَى كَعْبُ بْنُ الأَشْرَفِ أَنْ يَنْزِعَ عَنْ أَذَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَمَرَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ أَنْ يَبْعَثَ رَهْطًا يَقْتُلُونَهُ فَبَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَذَكَرَ قِصَّةَ قَتْلِهِ فَلَمَّا قَتَلُوهُ فَزِعَتِ الْيَهُودُ وَالْمُشْرِكُونَ فَغَدَوْا عَلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا طُرِقَ[8] صَاحِبُنَا فَقُتِلَ. فَذَكَرَ لَهُمُ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- الَّذِى كَانَ يَقُولُ وَدَعَاهُمُ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- إِلَى أَنْ يَكْتُبَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ كِتَابًا يَنْتَهُونَ إِلَى مَا فِيهِ فَكَتَبَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً صَحِيفَةً.[9]
3- وَأَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ ».
فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ : ” يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ “.
قَالَ :« نَعَمْ ». قَالَ فَأْذَنْ لِى فَأَقُولَ قَالَ :« قَدْ أَذِنْتُ لَكَ ». فَذَكَرَ الْقِصَّةَ فِى احْتِيَالِهِ فِى قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ قَالَ فَلَمَّا اسْتَمْكَنَوا مِنْهُ قَتَلُوهُ فَأَتَوُا النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : « الْحَرْبُ خَدْعَةٌ ».[10]
4- عن ابن عباس أنهم اجتمعوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فمشى إليهم حتى بلغ إلى بقيع الغرقد فى ليلة مقمرة ، فقال : ” انطلقوا على اسم الله ، اللهمّ أعنهم ” ، و رجع رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته ، قال : فأقبلوا حتى انتهوا إلى حصنه يعني كعب بن الأشرف، فهتف أبو نائلة به فنزل إليه و هو حديث عهد بعرس ، فقالت له امرأتُه : إنك محارِبٌ و إنّ صاحبَ الحرب لا ينزل فى مثل هذه الساعةِ ، فقال لها : إنه أبو نائلة ، و الله لو وَجَدَني نائما ما أيقظني ، فقالت : و الله إني لأعرف فى صوته الشرّ ، فقال لها : لو يُدعى الفتى لطعنةٍ لأجاب ، فنزل إليهم ، فتحدثوا ساعة ، ثم قالوا : لو مشينا إلى شعب العجوز فتحدثنا ليلتنا هذه ، فإنه لا عهد لنا بذلك فقال : نعم فخرجوا يمشون ثم إن … شام يده فى فود رأسه ، فقال : ما رأيتُ الليلةَ عطراً أطيب ، ثم مشى ساعة ، ثم عاد بمثلها حتى اطمأن ، فأدخل يده فى فود رأسه ، فأخذ شعره ، ثم قال : اضربوا عدو الله ، قال : فاختلفت عليه أسيافُهم ، قال : و صاح عدوُّ الله صيحةً فلم يبق حصنٌ إلا أوقدت عليه نار قال : و أصيبت رجلُ الحارث ، قال محمّدُ بن مسلمة : فلما رأيتُ السيوفَ لا تغني شيئاً ذكرتُ مغولا فى سيفي ، فأخذتُه فوضعتُه على سرّته ، فتحاملتُ عليه ، حتى بلغ عانتَه فوقع ، ثم خرجنا فسلكنا على بني أميّة ثم على بنى قريظة ثم على بعاث ثم أسرينا فى حرة العريض و أبطأ الحارث و نزف الدم فوقفنا له ، ثم احتملناه حتى جئنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من آخر الليل و هو يصلي ، فخرج علينا فأخبرناه بقتل عدو الله ، فتفل على جرح الحارث فرجعنا به إلى بيته ، و تفرق القوم إلى رحالهم ، فلما أصبحنا خافت يهودٌ لوقعتنا بعدو الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” مَنْ وجدتموه من رجال يهود فاقتلوه ” ، فوثب محيصة بنُ مسعود على ابن سنينة رجل من تجار اليهود و كان يبايعهم و يخالطهم ، فقتله قال : فجعل حويصة بن مسعود و هو يومئذ مشرك و كان أسنّ منه يضربه و يقول : أي عدوَّ الله أقتلتَه و الله لرب شحم فى بطنك من ماله فقال : و الله لقد أمرني بقتله رجلٌ لو أمرني بقتلك لضربت عنقك ، قال :بالله لو أمرك محمد بقتلي لقتلتَني ؟ ، قال : نعم ، فقال : و الله إن ديناً بلغ بك هذا لدينٌ عجيب ، فكان أول إسلام حويصة من قبل قول أخيه ، فقال : محيصة فى ذلك شعرا.[11]
هذه خلاصةُ الروايات في مقتل كعب ابن الأشرف، وأنا لن أهتمّ كثيراً في هذه الدراسة بالبحث في أسانيد تلك الروايات لكنّني سأخوضُ في متونها محاولاً تحليلها تفصيليّاً و الربط بين محتواها وبين جوهر النص القرآني كما أفهمُه..
2- تحليل وتفكيك تلك الروايات والمقارنة فيما بينها:
تبدأ روايةُ البخاري الواردة عن جابر بن عبد الله بتساؤلٍ على لسان النبي على الشكل التالي: “مَنْ لكعب بنِ الأشرف فإنّه قد آذى اللهَ ورسولََه ؟”، التساؤل بهذه الصيغة يوحي لنا أنّ رسولَ الله كان مجتمعاً آنذاك مع عموم المسلمين في مكانٍ ما”مسجدٍ مثلاً” وطرحَ سؤالََه عليهم فوَقَفَ محمّدُ بنُ مسلمة ليجيب على تساؤل رسول الله بسؤالٍ منه: يا رسولَ الله أتحبُّ أن أقتلَه ؟
صيغةُ السؤال “مَنْ لكعب؟” لا يُفهم منها أنّ رسولَ الله يأمر بقتل كعب ولم نفهم منها طبيعةَ الأذى الذي كان يمارسه كعب ، لماذا إذاً تبادرَ إلى ذهن محمّد بن مسلمة أنّ رسول الله يريد قتلَ كعب، إنّ ردّ فعل محمّد بن مسلمة على السؤال المطروح لمعالجة مشكلةٍ واجهت المسلمين توحي لنا أنّ طريقة تفكير المسلمين في معالجة المشكلات التي كانت تعترضهم تقوم مباشرةً على منهج القتل، لكنّ هذا غيرُ دقيق إذا علمنا أنّ رسولَ الله كابدَ كثيراً من المشاق وواجه عديدَ المشكلات في مكّة طيلة ثلاثة عشر عاماً لكنّه لم يفكّر بمعالجة أيّة مشكلة منها باستخدام أسلوب القتل لمَن كان يؤذيه أشدّ الأذى ، بل كان يعالجها بكثير من الصبر، أي أنّ المسلمين لم يكونوا يضعون إراقة الدماء كخيار أوّل في مواجهة مَن كان يؤذيهم فمن أين جاء ابنُ مسلمة بهذه الفكرة السريعة ؟ !.
أجابَ رسولُ الله على سؤال بن مسلمة له بكلمة واحدة:”نعم”،أي: نعم اقتلْه.
يطلب ابنُ مسلمة أن يسمح له رسولُ الله بالكذب على كعب بن الأشرف ابتغاء تنفيذ مهمّة القتل التي عَزَمَ عليها، فيأذن له رسولُ الله بذلك، أي : يأذن له بأن يكذبْ !!
هنا تنتهي مهمّةُ رسول الله..
ذَهَبَ محمّدُ بنُ مسلمة ليلتقي إذاً بكعب بن الأشرف من أجل ترتيب عمليّة قتله، حيثُ أنّ كعب بن الأشرف الذي كان سيّداً كبيراً في قومه لم يعلمْ بنبأ الاجتماع العامّ الذي انعقدَ بين رسول الله وأصحابه ويستطيع أيُّ شخصٍ أن يحضر إليه ، ذلك الاجتماع الذي وكّلَ محمّد بنَ مسلمة بقتل كعب !.
أثناء اللقاء التمهيدي بين محمّد بن مسلمة وكعب بن الأشرف، مارسَ محمّدُ بنُ مسلمة التضليلَ والخداعَ ليقنعَ كعبَ بأنّه تنصّلَ من رسول الله الذي أفقرَه وأتعبَه ولم يعُدْ يطيق صبراً معه، لذلك فقد جاءَ إلى كعب يطلب منه سلفةً “دَيناً”.
لم يرفضْ كعبُ طلبَ بن مسلمة لكنّه أراد رهناً مقابلَ ما طلبه الأخيرُ من دَين :”ارهنوني نساءكم”،”ارهنوني أبناءكم” !
وهنا نتساءل : هل كان من عادات العرب أو غيرهم آنذاك أن يرهنوا نساءَهم “بشرط ألّا يكون ذلك لرجلٍ وسيم !” أو أبناءهم في مقابل ما كانوا يستدينون من غيرهم ؟!
جوابُ محمّد بن مسلمة كان الرفض لرهن امرأته عند كعب “ليس لأنّ ذلك كان معيباً في المجتمع العربي”، بل لأنّ” كعبَ كان من أجمل العرب !”، والرفضَ أيضاً لرهن أبنائه لدى كعب تجنباً لانتقادات العرب له، أي أنّ محمّد بن مسلمة لم يخشَ من انتقاد العرب له إن رهنَ نساءه لدى كعب بل سوّغ رفضَه بجَمال كعب “فهو أجملُ العرب” لكنّه خشيَ من انتقاد المجتمع له إن رهَن أبناءه، ثمّ اقترح أخيراً أن يرهن سلاحَه لدى كعب ، ومن المعلوم أنّ السلاح في مثل تلك المجتمعات لم يكن يقلّ أهميّةَ عن المرأة والأولاد بالنسبة للرجل، كيف يمكننا قبولُ مثل هذه التناقضات العجيبة ؟!
اتفق الرجلان إذاً على موعد اللقاء القادم، جاء محمّد بنُ مسلمة ليلاً إلى الحصن الذي كان يقيم فيه كعب واصطحبَ معه أبو نائلة الذي كان أخاً من الرضاعة لكعب بن الأشرف “أو جاء برجلين معه منهم أبو نائلة”، كان كعبُ حديث الزواج آنذاك، لمّا سمعَ كعبُ صوتَ زائريه همّ بالنزول، لكنّ امرأتَه قالت له: “أسمع صوتاً يقطر منه الدمُ”، وهنا لنا أن نتساءل: كيف علمَ راوي الحديث”جابر بن عبد الله” بقول امرأة كعب له ، هل كان معهما حينذاك؟!
بماذا أجاب كعبُ زوجتَه؟ هل قال لها أنّ زائريه جاؤوا متنصلين من رسول الله ليستدينوا منه ويرهنوا أسلحتَهم لديه ؟ لا.
جوابُ كعب لامرأته كان على الشكل التالي: “إنّما هو أخي محمّد بنُ مسلمة ورضيعي أبو نائلة، إنّ الكريمَ إذا دُعيَ إلى طعنةٍ بليلٍ لأجاب” !!
كيف نستسيغ أنّ رجلاً حُكم عليه بالقتل من رسول الله يتحدّث بمثل هذه الشجاعة والمنطق النبيل: “إنّما هو أخي محمّدُ بنُ مسلمة ورضيعي أبو نائلة “!!
هذه الرواية تذكر التفاصيلَ الدقيقة التي دارت بين كعب وزوجته لكنّها لم تذكر أنّ كعباً أنزلَ معه شيئاً ليعطيَه لزوّاره في مقابل رهن سلاحهم لديه والذي هو الهدف من الزيارة بالأصل ، وتشيرُ الرواية إلى أنّ محمّدَ بنَ مسلمة أشار لأصحابه بخطّة القتل: “إذا رأيتموني استمكنتُ رأسَه لأشمَ عطرَ شعره فاضربوه ضربةً واحدة”، إذا فمحمّدُ بنُ مسلمة وفق هذه الرواية كان يعلم أنّ كعبَ سينزل إليه وهو ينفحُ منه ريحُ الطيب !
طلبَ محمّدُ بنُ مسلمة أن يشمّ رائحة شعر كعب العطرة، وشمّ أصحابُه تلك الرائحةَ أيضاً، فلمّا استمكنوا منه تماماً اجتمعوا عليه بسيوفهم وقتلوه.
إذا ملخّص رواية البخاري كما يلي: غضبَ رسولُ الله من سلوكيات كعب بن الأشرف لأنّها تؤذي اللهَ ورسولَه، اقترح محمّدُ بنُ مسلمة أن يقتل كعب لكنّه طلبَ إذناً من رسول الله ليحتالَ على كعب ويتمكّن من قتله، أعطاه رسولُ الله الإذن، نفّذ محمّدُ بنُ مسلمة العمليّة مع اثنين آخرين منهم أبو نائلة الذي كان أخا كعبٍ من الرضاعة بعد أن أعطَوا الأمان لكعب من خلال سلوكهم معه.
تختلف روايةُ أبي داوود عن رواية البخاري في كثيرٍ من التفاصيل المهمّة، فهي تذكر أنّ الشاعر كعبَ بنَ الأشرف كان يهجو النبيَّ ويحرّض عليه كفّار قريش، وتذكر أنّ كعب لم يستجبْ لدعوات الكفّ عن إيذاء النبي والمسلمين، وحينئذٍ أمرَ رسولُ الله سعدَ بنَ معاذ بأن يبعثّ رهطاً ليقتلوا كعبا، أيْ أنّ رواية أبو داوود تقول أنّ سعد بنَ معاذ هو الذي اختارَ محمّدَ بنَ مسلمة ليقوم بتلك المهمّة، لكنّ هذه الرواية تتفق فيما يبدو مع رواية البخاري في أسلوب تنفيذ القتل غيلةً “القتل بعد إعطاء الأمان سواء باللفظ أم بالسلوك العملي”.
تضيف روايةُ أبي داوود أنّ اليهودَ هبّوا منتفضين لمقتل أحد زعمائهم في صبيحة اليوم التالي فما كان من رسول الله إلّا أن كتب بينه وبينهم صحيفةً عامّة تضبط العلاقات بين المسلمين واليهود.
تبدو هذه الروايةُ أقربَ للدقّة من رواية البخاري من حيثُ أنّها تذكر سبباً محدّداً لأمر رسول الله بقتل بن الأشرف “الهجاء والتحريض” بينما كان السبب في رواية البخاري مطلقاً دون تحديد”إيذاء الله ورسوله”، سنرى بعد قليل إذا ما كان هذان السببان المذكوران في رواية أبي داوود كافيين وفق القرآن الكريم لإهدار دم كعب.
لا يفوتنا أن نتنبّه أيضاً أنّ سندَ رواية أبي داوود مختلفٌ كليّاً عن سند البخاري، لكنّ الروايتين لا تضمّان في سندهما أيّاً من الرجال الذين قتلوا بأنفسهم ابنَ الأشرف رغم أنّ محمّدَ بنَ مسلمة مثلاً قد عاش قريباً من أربعين عاماً بعد تلك الحادثة كما تذكر المصادرُ التاريخيّة ، فما الذي كان يمنعه من رواية هذه القصّة التي يجب أن يفتخر بها لأنّه قاتلُ كعب !.
أمّا في رواية البيهقي في “سننه الكبرى” فهي تتفق مع رواية البخاري من حيثُ التفاصيل وابتداءُ سندها بجابر بن عبد الله وعمرو بن دينار لكنّها تضيف أنّ رسولَ الله قالَ بعد أن علمَ بتفاصيل عمليّة القتل: “الحربُ خدعة”.
هذه جملةٌ في غاية الأهميّة لأنّ عبارة “الحربُ خدعة” توحي بكلّ تأكيد أنّ كعبَ بنَ الأشرف كان في حربٍ حقيقيّةٍ معلنةٍ مع المسلمين، وبالتالي فإنّ من حقّ المسلمين أن يستخدموا تكتيكات مختلفة للقضاء على عدوّهم والاحتيالُ على العدو هو بالطبع أحدُ تكتيكات الحروب، لكنّ الإشكال ما زال قائماً : كيف انطلت الحيلةُ بسهولة على كعب بن الأشرف وهو يعلم أنّه في حربٍ مع المسلمين؟!
لعلَ أخطرَ الروايات المذكورة في شأن مقتل كعب هي الرواية الرابعة التي وردت في العديد من كتب السيرة، ومنها سيرةُ ابن هشام، وتبدو هذه الرواية موغلةً في الابتعاد عن الروايات الثلاثة الأولى كما أنّها موغلةٌ في الدمويّة أيضاً، فهي تنقلُ فقط عن ابن عبّاس أنّ رسول الله اجتمع بالمسلمين وبعد ذلك رافقَ المكلفين بقتل كعب إلى بقيع الغرقد في ليلة مقمرة ودعا لهم، وصلَ المكلفون بقتل كعب إلى حصنه فنادَوه، تقول امرأةُ كعب له: “إنّك محارِبٌ وإنّ صاحبَ الحرب لا ينزل في مثل هذه الساعة”، تؤكدُ الرواية على شجاعة كعب الذي يصرّ على النزول رغم تحذير زوجته: “إنّه أخي أبو نائلة”، وتؤكّدُ الروايةُ على حدس امرأة كعب: “والله إنّي لأعرف في صوته الشرّ”.
تصفُ الرواية تفاصيلَ أكبر عن مشهد قتل كعب: “اختلفت عليه أسيافُهم وصاح عدوُّ الله….”، “ذكرتُ مغولاً في سيفي، فأخذتُه فوضعتُه على سرّة كعب فتحاملتُ عليه حتّى بلغَ عانتَه فوقع”، تذكر الروايةُ أيضاً أنّ أحد الذين كانوا مع محمّد بن مسلمة وهو “الحارث” قد أصيب ونزف دماً نتيجة ضربات السيوف.
تتابع الرواية لتقول أنّ رسول الله أمرَ المسلمين بقتل كلّ مَن يصادفونهم من اليهود”دون تحديد أيّة ضوابط أو أسباب !”، وأنّ محيصة بن مسعود استجاب لأمر القتل فقتلَ تاجراً يهوديّاً كان يخالط المسلمين ويبايعهم، أي أنّ هذه الرواية تجعل من رسول الله ومن المسلمين وحوشاَ تقتل كلّ مَن تصادف من اليهود بدون سبب ودون أن ترعى حرمةَ الدماء، لا نحتاج كثيراً من الكلام لنقول: أيَّةُ روايةٍ دمويّةٍ كاذبةٍ تكذبُ على لسان رسول الله هذه ! بل أيٌّ عقلٍ يستطيع تصديقَ مثل هذه السفاهة التي تتناقض جذريّاً مع حرمة الدماء في الدين الإسلامي؟!
يقول الله تعالى: { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ } البقرة 190
الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه :لا تعتدوا أيّها المسلمون، فكيف لعقل المسلم أن يقبل أنّ رسولَ الله يقول للمسلمين:”اقتلوا كلّ مَن تصادفونه من اليهود” ! اقتلوه كائناً مَن كان !! أيٌّ تشويهٍ لمبادئ القرآن هذا الهراء ؟!
تجمع المصادر التاريخيّة على أنّ ابنَ عبّاس قد كان صغيراً لم يتجاوز الثالثةَ عشر من عمره حين وفاة رسول الله، أي أنّه كان يبلغ 6 سنوات في سنة حادثة مقتل كعب، فكيف يمكننا أن نقبل منه مثل هذه الرواية الدمويّة ؟! كما أنّ ابن اسحاق الذي روى أيضاً مثلَ هذه الرواية اشتُهر بتدليسه ؟!
أعتقد أنْ لو لم يكن القرآنُ بيننا اليوم لفعلنا الأعاجيبَ باسم الدين ولانتشرت الدماءُ في كلّ أصقاع العالم باسم الدين أيضاً، ولأصبح هذا الدينُ عبارةً عن خرافات تبدأ ولا تنتهي، لكنّ اللهَ سبحانه تكفّل بحفظ كتابه من الاختلاط والتدليس ليبقى لنا المرجعَ الذي نحتكم إليه أمام تلك الخرافات.
3- حصر مبررات اتخاذ قرار القتل ومناقشتها على ضوء القرآن الكريم:
إنّ سلوكَ رسول الله وقراراتِه يجب أن تكون صالحةً للتطبيق في كلّ زمانٍ ومكان، ليس لأنّ رسول الله كان معصوماً عن الخطأ وكائناً فوق بشري، بل لأنّ ذلك السلوك وتلك القرارات يجب أن تكون بالأساس مستندةً إلى مضمون كتاب الله، فرسولُ الله متّبعٌ لكتاب الله وليس مبتدعاً، ومن الثابت أنّ كتاب الله تعالى هو كتابُ كلّ الأزمنة والحالات:
{قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ } الأنعام 50
{ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } يونس 15
{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً } الأحزاب 21
من المعروف أنّ الكتبَ التاريخيّةَ امتلأت بكثيرٍ من الروايات التي تحدّثت عن سيرة رسول الله أو نقلت لنا أقوالَه، ونحن لنا ثلاثة خيارات لا رابع لها أمام تلك الروايات والأقوال، إمّا أن نقبلَها جميعَها “وهذا غيرُ معقول لأنّ الكذبَ والدسَ دخلَ بشكلٍ كبير إلى تلك الكتب”، أو أن نرفضَها جميعَها” وهذا غيرُ مقبول أيضاً لأنّ الأقوال التي خرجتْ من فم رسول الله فعلاً وسلوكيّاته تفيدنا مزيدا من الفهم لكتاب الله”، وبالتالي فالخيارُ الثالث هو الأكثر دقّةً: نعرض تلك الأقوال والروايات على كتاب الله، فإن توافقت معه نقبلها، وإمّا إن تعارضتْ معه فهي لم تصدر عن رسول الله قطعاً.
هذا يعني أنّ رسولَ الله حين يتخذ قراراً بقتل شخصٍ ما يجب أن تكون مبرراتُ القتل مستندةً بالتوافق التام إلى واحدة من الحالات التي أباح فيها القرآن الكريم إهدار دم أي شخص تنطبق عليه تلك الحالات، ولو أنّنا تتبعنا تلك الحالات في القرآن الكريم لوجدناها لا تزيد عن ثلاث حالات أبداً هي كما يلي:
أ. النفسُ بالنفس “القصاص”: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ } البقرة 178
{ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } البقرة 179
{ فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَاماً فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْساً زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً } الكهف 74
ب. المحارِب وظهيرُه: { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ } البقرة 190
{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ } البقرة 246
{ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ وَقَاتِلُواْ الْمُشْرِكِينَ كَآفَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَآفَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } التوبة 36
{ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ، إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } الممتحنة 8،9
ج. الإفسادُ في الأرض:
{ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ } المائدة 32
لقد أصبحَ القتلُ تحت حجّة”الإفساد في الأرض” شائعاً بكثرة، فماذا يعني الإفسادُ في الأرض؟ كيف نفهمه بشكل صحيح بعيداً عن نوايا تحريف معناه ليناسب مصالحَنا الشخصيّة، سنتناول معنى “الإفساد في الأرض” بشيء من التفصيل..
وردت كلمةُ الفساد ومشتقاتها في عشرات الآيات القرآنيّة، ونلاحظ أنّ هذه الكلمة قد اقترنت في أكثر الآيات بكلمة “الأرض”، أي: الفساد والإفساد في الأرض، ما معنى كلمة الفساد لغوياً وكيف باستطاعتنا فهمُها حين تقترن بكلمة “الأرض”؟
“الفسادُ” في اللغة العربية يعني الاضطراب والخلل وهو نقيض التوازن والأمان، فحين نقول أنّ فلاناً أفسدَ شيئاً ما هذا يعني “أخَلَّ توازنَه وجعلَه مضطرباً”، وكلمة “أفسدَ” تناقض كلمة “أصلَحَ”، وحين تقترن بكلمة “الأرض” فهي تعني حتماً إحداث الاضطراب والخلل في الأرض.
لقد خلق الله سبحانه وتعالى كلّ شيءٍ في نظامٍ متكامل دقيقٍ متوازنٍ وسخّره لخدمة الإنسان المكلّف بعبادته: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } البقرة 164
{اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ } إبراهيم 32
{وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } النحل 14
لماذا خلق الله الإنس والجن؟ { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } الذاريات 56
أي أنّ غايةَ خلق الإنس والجن هي عبادة الله، وقد وفّر اللهُ سبحانه المقوّمات التي تسمح للإنسان بعبادة الله على أكمل وجه، كما يقول تعالى: { فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ } قريش 3،4
{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } البقرة 126
{ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ } إبراهيم 35
{ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } النحل 112
إذا هناك ارتباط عميق بين شيوع الأمن في المجتمع وبين تمدّد العبوديّة لله :{ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء } إبراهيم 40
تعني هذه الآياتُ أنّ المقوّمات الأساسيّة التي أودعها الله سبحانه لخلقه من أجل تحقيق عبادته كما أراد هي: الإطعام من بعد الجوع والأمن من بعد الخوف وهما بالطبع الأمران اللذان يحفظان نعمة الحياة، وعلى هذا الأساس فإنّ كلّ مَن يسعى في إخلال واضطراب هذين العاملين يُسمّى مفسداً في الأرض لأنّه يصدّ عن سبيل الله.
فقطع الشجر الذي يُطعم الناس هو إفسادٌ في الأرض، وتحريم الصيد من البحار والأنهار التي خلقها الله سبحانه هو إفسادٌ في الأرض، وأيّ اعتداء على مصدر رزق شرعه الله للإنسان وأعانه من خلاله على تحقيق عبوديته لله هو إفسادٌ في الأرض، وبكلّ تأكيد فإنّ أيّ قتلً خارج نطاق محددات القرآن الكريم هو إفسادٌ في الأرض.
كما أنّ المجتمع الذي تتوافر فيه مقوماتُ الأمن والأمان هو المجتمع الذي سيسمح للإنسان بممارسة عبادة الله دون أن ينتابه بسبب ذلك خوفٌ أو عقاب، وكل مَن يسعى في طريق الإخلال بتوازن وأمن ذلك المجتمع هو مفسدٌ في الأرض { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } البقرة 114
في سورة يوسف سُمّيت السرقة “إفساداً في الأرض” على لسان إخوة يوسف لأنّ السرقة تخلّ بأمن المجتمع وتعتدي على مصالح أفراده:{ قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ } يوسف 73
نستطيع القولَ إذاً أنّ الفسادَ و الإفسادَ في الأرض متدرجٌ، فلا يقولُ القرآنُ الكريم أنّ كلّ مفسدٍ يجب أن يُقتل، بل تراوحت العقوبةُ حسب درجة الإفساد، ولا شكّ أنّ أعلى درجات الإفساد في الأرض هو ارتكابُ القتل دون مبرّرٍ قرآني،يقول تعالى:{ إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } المائدة 33، لكنْ على العموم يمكننا القولُ أنّ كلّ إفساد في الأرض هو صدٌّ عن سبيل الله لأنّ الإفسادَ في الأرض كما قلنا هو الاعتداءُ على المقوّمات الأساسيّة “الحياة، الرزق، الأمن” التي رسّخها اللهُ لكلّ البشر على اختلاف أماكنهم ، فهذه المقوماتُ الثلاثة هي أسس الحريّة العقديّة والفكريّة التي أقرّها القرآن الكريم لكل إنسان:{ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } البقرة 256 ، وبالمقابل فإنّ الحفاظ على تلك المقومات وترميم الثغرات فيها هو الإصلاحُ في الأرض :{ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } البقرة 30
{وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } الأعراف 86
فرعون مثلاً كان مفسداً في الأرض لأنّه كان مجرماً يصدُّ عن عبادة الله :
{وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ } الأعراف 127
{ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } القصص 4
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
هشام العبد
إنّ القرآن هو المصدرُ الوحيد للتشريع في الإسلام، و أفضلُ ما نصفُ به السنّةَ النبويّةَ هو أنّها تطبيقٌ للقرآن الكريم، وعلى هذا الأساس فلا يمكن أن تكون هذه السنّةُ مخالفةً للقرآن لأنّ رسولَ الله مأمورٌ باتباع القرآن وتبليغه.
ولذلك فإنّ كلّ روايةٍ منسوبةٍ إلى رسول الله وردت لنا ،نحن المسلمين، يجب أن تخضع للتمحيص على ضوء القرآن الكريم، فلمّا ابتعدْنا عن هذا المنهج سيطرتْ علينا الأوهامُ والخرافات لأنّنا صرنا نعتبرُ كلّ روايةٍ منسوبةٍ إلى قول أو فعل رسول الله صحيحةً ولو لم تكن متسقةً مع جوهر النص القرآني، وكانت النتيجةُ أنّ الإسلامَ الذي نعتنقه اليوم قد صار خليطاً من حقائق وأوهام وخرافات دون أن نكون قادرين على التمييز فيما بينها ليكون إسلامُنا نقيّاً.
ولا شكّ أنّ الروايةَ التي تتحدث عن مقتل ابن الأشرف هي واحدة من القصص التي ملأت كتبَ الحديث فأصبحت بمثابة المسلّمة التي لا تقبلُ الجدال ورحنا نستنبطُ منها الأحكامَ المخالفةَ لكتاب الله، فمن قائلٍ بوجوب قتل شاتم رسول الله أو منتقده، إلى قائلٍ بجواز القتل بالشبهة ، إلى قائلٍ بجواز القتل بعد منح الأمان، إلى قائلٍ بجواز القتل المجّاني تحت ذريعة الإفساد في الأرض.
لذلك أرى أنّ جرأةَ كاتب هذه الدراسة في إخضاع هذه الروايات إلى النقد والتحليل تحت ضوء كتاب الله هو أمرٌ مفيدٌ طالما كانت النيّةُ هي محاولةُ التشخيص السليم لحادثةٍ لمْ نتبيّن كلّ ملابساتها وطالما كانت النيّةُ هي محاولة إزالة الغموض الذي يكتنفها والذي استغلّه أعداءُ الإسلام ليطعنوا فيه وهم الذين يقولون ليل نهار أنّ رسولَ الله كان يقتل الشعراء الذين كانوا ينتقدونه.
إنّ الفرقَ بين كتاب الله وجميع الكتب الأخرى هي كالفرق بين الله وعباده ، أي أنّ الفرقَ بين كتاب الله الذي هو مرجعنا الوحيد وبين الكتب التي وصفها المسلمون ب”الصحيحة” وقدّسوها هو كالفرق تماماً بين الله سبحانه وبين البخاري أو مسلم أو غيرهم، ومن الضرورة أن تخضعَ كلّ الروايات إلى ميزان القرآن، فالحقيقة تكمن في القرآن، وحين نتبنى هذا المنهج ستكونُ كلُّ أفكارنا وعباداتنا وآدابنا وأخلاقنا متّسقةً مع جوهر القرآن الكريم.
جزى اللهُ كاتبَ هذه الدراسة كلَّ خير في الدنيا والآخرة على تذكيره لنا بهذه الحقائق.
أخوكم في الله: أنس عالم أوغلو
اهلا وسهلا بحضرتك سيد جمال نجم وارجو من حضرتك معرفة وتوضيح قصة اغتيال أبو رافع اليهودي وهل فعلاً النبى أمر بقتله وهل يجوز الاغتيال في الإسلام كما أتى في صحيح البخاريّ وارجو من حضرتك شرح معنى الحديث الشريف والقصة لأن هذا الموضوع يحيرنى كثيراً لكن حضرتك تقوم بتبسيط وشرح الأمور جيدا ارجو الرد وشكرا جزيلا لحضرتك
هذه الرواية مفتراة بكمالها، لأن هذا الشخص لو كان ارتكب ما يوجب القتل كأن يكون قد قتل آخر بغير حق لأمر النبي بقتله على أعين الناس
أما إن لم يفعل فكيف سيأمر النبي بقتله جهرا أو سرا؟ بالتأكيد لن يفعل لأن الاغتيالات من عمل أعوان الشيطان وليس من عمل المؤمنين فضلا عن أن يكونوا أنبياء
لو سمحت سيد جمال ما رأي حضرتك في هذا الحديث
((بَعَثَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في بَعْثٍ وقالَ لَنَا: إنْ لَقِيتُمْ فُلَانًا وفُلَانًا – لِرَجُلَيْنِ مِن قُرَيْشٍ سَمَّاهُما – فَحَرِّقُوهُما بالنَّارِ قالَ: ثُمَّ أتَيْنَاهُ نُوَدِّعُهُ حِينَ أرَدْنَا الخُرُوجَ، فَقالَ: إنِّي كُنْتُ أمَرْتُكُمْ أنْ تُحَرِّقُوا فُلَانًا وفُلَانًا بالنَّارِ، وإنَّ النَّارَ لا يُعَذِّبُ بهَا إلَّا اللَّهُ، فإنْ أخَذْتُمُوهُما فَاقْتُلُوهُمَا.))
الراوي : أبو هريرة | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري
الصفحة أو الرقم: 2954 | خلاصة حكم المحدث : [معلق]
وهذا جزء من شرح الحديث
ارتَكَبَ كَثيرٌ مِنَ المُشرِكينَ جَرائمَ في حَقِّ المُسلِمينَ والمُسلِماتِ قبْلَ الهِجرةِ وبعْدَها، واستَحَقُّوا على ذلك العِقابَ، ومِن ذلك أنَّه لَمَّا عَزَمَتْ زَيْنَبُ بِنتُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الهِجرةِ، وخَرَجتْ قاصِدةً المَدينةَ المُنوَّرةَ، قابَلَها رَجُلانِ مِنَ المُشرِكينَ، وهُما هَبَّارُ بنُ الأسودِ، ورَجُلٌ آخَرُ، قيلَ: هو نافِعُ بنُ عَبدِ قَيسٍ، فضَرَبَا البَعيرَ الذي كانَتْ تَركَبُه، فسَقَطَتْ مِن فَوقهِ، وكانت حامِلًا، فسَقَطَ حَمْلُها.
وهل حقا الرسول أمر بالقتل لانه كان غاضبا ارجو التوضيح
وهذا الحديث ايضا مثل حديث ابو هريرة جاء في سنن أبي داود:
– حدثنا سعيد بن منصور قال ثنا مغيرة بن عبد الرحمن الحزامي عن أبي الزناد قال حدثني محمد بن حمزة الأسلمي عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره على سرية قال فخرجت فيها وقال {إن وجدتم فلانا فأحرقوه بالنار ” فوليت فناداني فرجعت إليه فقال ” إن وجدتم فلانا فاقتلوه ولاتحرقوه فإنه لا يعذب بالنار إلا رب النار}.
قال الشيخ الألباني: صحيح
وهذا الحديث ايضا له نفس المعنى وان الرسول نهى عن الحرق ولكن أمر بالقتل فانا لم أصدق هذة الأحاديث فالرسول لم يكن يأمر بقتل أحد إلا من ثبت عليه انه قاتل وماذا لو أن هؤلاء الذين بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أسرعوا بالذهاب قبل أن يتراجع.. ثم هل هذا هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الممتلئ بالرحمة، من يأمر بالحرق بالنار ما رأي حضرتك ارجو الرد من فضلك سيد جمال وشكرا جزيلا لحضرتك