مقدمة:
معاملة الأسير والأحكام الخاصة به من الأمور التي فصَّلها القرآن الكريم، وكانت سيرة النبي صلى الله عليه وسلم خير مثال على تطبيق ما ورد في القرآن من توجيهات بشأن الأسير. وبالرغم من ذلك إلا أن بعض المسلمين أساء التعاطي مع الأسرى في فترات ما بعد الراشدين، ليظهر في عهد الفقهاء أحكامٌ جديدة أشبه بما كان عليه العهد قبل الإسلام. وفي هذه المقالة سأذكِّرُ بالأحكام المتعلقة بالموضوع، لعلها تكون تذكرة لمن ألقى السمع وهو شهيد.
معنى الأسير
الأسير هو من وقع في الأسر. والأسر: الشد بالقيد، وسمي الأسير بذلك، ثم قيل لكل مأخوذ ومقيد وإن لم يكن مشدودا[1].
وقيل في جمعه: أسارى وأسارى وأسرى، ويتجوز به فيقال: أنا أسير نعمتك، وأسرة الرجل: من يتقوى بهم. قال تعالى: {وشددنا أسرهم} (الإنسان، 28) إشارة إلى حكمته تعالى في تراكيب الإنسان المأمور بتأملها وتدبرها في قوله تعالى: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} (الذاريات، 21)[2]
ويمكننا تعريف الأسير اصطلاحا: بأنه المحارب الذي وقع في قبضة جيش عدوه بعد أن بدا الوهن في جيشه.
وقولنا (المحارب) احترازا عن غيره من الأبرياء كالكبير والصغير والعاجز، وقولنا (وقع في قبضة الجيش) إشارة إلى التمكن منه والقدرة على تأمينه، وقولنا (بعد أن بدا الوهن في جيشه) تحرزا عن الأسر قبل ذلك؛ إذ لا يصح الأسر قبل إثخان العدو لقوله تعالى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} (الأنفال، 67)
مشروعية اتخاذ الأسرى
قال الله تعالى {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا}(محمد،4) وشدُّ الوثاق يعني الأسر، إذ أن الأسر لغة هو الشد بالقيد، والمقصود في الآية إحكام السيطرة على الأسير حتى لا يهرب فيعود للقتال مرة أخرى. والحديث في الآية يدور عن أسرى الكفار لدى المسلمين.
الحكمة من اتخاذ الأسرى
يظهر من خلال الآية السابقة الحرص على إنهاء الحرب بأقصى سرعة ممكنة، حتى لا تطول فتُهلِكَ الحرث والنسل، وقد ظهر هذا الحرص في تشريعين مهمين حوتهما الآية:
الأول: قوله تعالى {فضرب الرقاب} يدل على ضرورة الهجوم القوي الذي يؤدي إلى صدمة العدو، وذلك بدلالة الفاء التي تفيد السرعة في تنفيذ الفعل. أما ذكر الرقاب فيفيد الجدية وعدم التهاون في أمر العدو، ولا شك أن مبادرة العدو بالهجوم وضربه دون هوادة يؤدي إلى تقهقره ومن ثم إنهاء الحرب في أقل مدة ممكنة.
الثاني: قوله تعالى {فشدو الوثاق} أيضا يدل على السرعة في القبض على أكبر عدد من محاربي العدو بعد تقهقرهم؛ حتى لا يتمكن العدو من تجميع صفوفه مرة أخرى فيطول أمد الحرب. ولا شك أن اتخاذ الأسرى يهدف إلى تعجيل إنهاء الحرب، وعدم التهاون مع الأسباب التي تؤدي إلى دوامها.
الأسير في حماية المسلمين حتى تضع الحرب أوزارها
الحرب لا تنتهي عند نهاية الاشتباك، فحالة الحرب تبقى قائمة ما لم يتم القضاء المبرم على قوة العدو أو توقيع الاتفاق معه على إنهاء حالة الحرب. ويبقى الأسير في رعاية المسلمين حتى يتحقق واحد من الأمرين. وخلال بقاء الأسير في قبضة المسلمين لا بد أن يلقى معاملة خاصة تليق بإنسانيته أولا، كما تليق بآسره المسلم صاحب الرسالة العظيمة ثانيا.
وقد أورد القرآن الكريم تعبيرا غاية في الحض على اللطف بالأسير وحسن التعامل معه والبذل في سبيله، في سياق وصفه سبحانه للأبرار من عباده حيث قال تعالى {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا. إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} (الإنسان، 8_9)
وقد ورد في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم التي هي التطبيق العملي لما دعا إليه القرآن الكريم، أمثلةٌ كثيرة على حسن تعامله صلى الله عليه وسلم مع الأسرى ومن ذلك:
ما روي عن عزيز بن عمير: قال كنت في الأسارى يوم معركة بدر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالأسارى خيرا»، وكنت في نفر من الأنصار، وكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم أكلوا التمر وأطعموني الخبز، بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم)[3] وقد كان خبز القمح طعاما نادرا يشتهيه الناس في ذلك الزمان، والتمر مما كان متوافرا بكثرة، ومع ذلك آثر الصحابة رضوان الله عليهم أسرى العدو على أنفسهم بوصية الله ورسوله.
وقد كان الأسرى ذووا الشأن يتلقون معاملة خاصة، ومثاله ما جاء في الرواية التالية «بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خيلا قِبَل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة، فربطوه بسارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ” ماذا عندك يا ثمامة” فقال: عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تُنعم؛ تُنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تُعط منه ما شئت، [وكرر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السؤال لثمامة ثلاث مرات في ثلاثة أيام]، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أطلقوا ثمامة”، فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل، ثم دخل المسجد، فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليَّ من وجهك، فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إليَّ، والله ما كان من دين أبغض إليَّ من دينك، فأصبح دينك أحب الدين كله إليَّ، والله ما كان من بلد أبغض إليَّ من بلدك، فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إليَّ … »[4]
وروى ابن هشام في السيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى ثمامة قال لأصحابه: «هذا ثمامة بن أثال الحنفي، أحسنوا إساره. ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال: اجمعوا ما كان عندكم من طعام فابعثوا به إليه، وأمر بلقحته [ناقة ذات لبن] أن يُغدى عليه بها ويراح»[5]
وكان من أخر ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم صحابته: «الصلاة وما ملكت أيمانكم»[6] وملك اليمين هنا هو الأسير الذي لم يتمكن بعد من دفع الفدية لآسره.
ماذا يُفعل بالأسير عند انتهاء الحرب
بعد أن أمر الله تعالى بشد الوثاق جاء توضيح مصير الأسرى صريحا في قوله تعالى {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أوزارها} (محمد،4) فقد حصرت الآية مصير الأسير في خيارين لا ثالث لهما؛ وهما المن أو الفداء، والمن أن يطلق سراح الأسير دون مقابل، أما الفداء فأن يطلق سراحه مقابل مال أو خدمة.
وقد التزم النبي صلى الله عليه وسلم أمر ربه إياه كما ورد في قصة أثال الحنفي التي أوردناها سابقا. وما روي عنه صلى الله عليه وسلم غير ذلك فإما أن يكون في دائرة الافتراء عليه كالروايات التي تفيد قتله أسرى بني قريظة[7]، وإما أن يكون الأسير قد ارتكب جريمة توجب قتله قصاصا كأن يكون قد قتل مسلما في غير حرب.
والقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بقتل الأسرى هو اتهام للنبي بمخالفة القرآن. وحاشاه أن يفعل. ولو صدر من النبي اجتهاد خاطئ بهذا الخصوص لعاتبه الله عليه عتابا شديدا كما حصل في اتخاذه الأسرى يوم بدر.
لكن النبي صلى الله عليه وسلم التزم أمر الله له في ذلك؛ فكان كثيرا ما يمنُّ، كما حصل مع أسرى هوازن وثقيف بعد حنين، وقلما كان يأخذ الفدية، وإن أخذها كان يأخذها بما تيسر كتعليم أولاد المسلمين القراءة والكتابة، فعن ابن عباس، قال: “كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة”[8]
إعدام الأسرى على يد (داعش) في العراق
إن الحرب الدائرة في جزء من بلاد المسلمين (سوريا والعراق) يجب على كل مسلم العمل على إيقافها والإصلاح بين الفرقاء؛ لأن الحروب الأهليه لا غالب فيها سوى أعداء الأمة.
وقد توالت الأنباء مؤخرا عن إعدام الأسرى المتبادل في الحرب الدائرة هناك، وبحسب هذه الأنباء فإنه يتم إعدام المسلم لأخيه الأسير المسلم المخالف له في الولاء السياسي. ومن تلك الأخبار حادثة إعدام الأسرى في العراق على يد قوات ما بات يعرف بتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). ويمكن أن تكون هذه الأخبار مفتريات، ولكن أعداء الأمة يتمسكون بهذه الأخبار ليدينوا المسلمين بقتل بعضهم البعض لأسباب تخالف الفطرة، وهذا يجعلنا في ضيق شديد يدفعنا لتوضيح الأمر.
وعلى فرض صدق تلك الأخبار فإن تلك الممارسات ما هي إلا تكريس للمنهج المستقى من التراث الفقهي المشوه الذي اعتمد الأحكام بعيدا عن القرآن الكريم وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فطفق المنتسبون للإسلام بقتل بعضهم بعضا محتجين بما تيسر لدى كل فريق من روايات تبيح دم من عصم الله تعالى دمه.
لقد تبين لنا من خلال ما سبق أن دم الأسير الكافر معصوم حيث يبقى في حضرة المسلمين حتى يتم إطلاق سراحه ورجوعه إلى بلده آمنا. فإن كان الحال مع الأسير الكافر كذلك فينبغي أن يحظى الأسير المسلم بذات المعاملة على الأقل.
إن الحالة الحرجة التي يعيشها المسلمون في هذه الأيام ناتجة عن الأخذ بالتراث دون تمحيصه وإخضاعه لميزان القرآن الكريم، والحال هذه ستدوم وتتفاقم ما لم يرجع المسلمون إلى النبع الأصيل (القرآن الكريم) الذي سعدت به الأمة في بداية عصرها فكانت خير أمة أخرجت للناس.
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
جمال أحمد نجم
[1] انظر: المجمل 1/97
[2] مفردات الراغب، مادة أسر
[3] المعجم الكبير (977). قال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/ 86: وإسناده حسن
[4] صحيح البخاري (4114)، صحيح مسلم (1763).
[5] السيرة النبوية لابن هشام 6/ 51. أي يشرب صباحا ومساء.
[6] مسند أحمد بن حنبل 3/ 117، سنن ابن ماجه (1625)، وصححه الألباني في إرواء الغليل (2178).
[7] انظر جمال نجم (غزوة بني قريظة بين الحقائق والأساطير) http://www.hablullah.com/?p=2100
[8] أخرجه أبو داود (3134) ، وابن ماجه (1515) ، والبيهقي (4/14)
أ.د. احمد صبحي منصور
بعد موقعة بدر واجهت المسلمين مشكلة الأسرى والغنائم، ونزل تشريع الغنائم في سورة الأنفال، وفيه النهي للمسلمين عن أن تكون الغنائم هى غاية القتال بل الدفاع عن النفس ونشر الدعوة. ونتتبع الموضوع بايجاز على النحو الآتى:
1 ـ فى البداية تبدأ سورة الأنفال بقوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين).
2 ـ وفي هذا الإطار كان الحديث عن الأسرى في سورة الأنفال الذين اضطرهم المسلمون إلى دفع الفدية اموالا، فنزل قوله تعالى يلوم النبى محمدا وأصحابه: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ.) (الأنفال 67 ـ) والمعنى أن النبى كان لا يمكن أن يحوز أولئك الأسرى إلا بالحرب ـ بالمفهوم الاسلامى ـ التى لا تبتغى عرض الدنيا، ولكن المؤمنين حين أسفرت تلك الحرب عن وقوع أسرى أرادوا عرض الدنيا أو المال بأخذ فدية من الأسرى مقابل إطلاق سراحهم، ويحذرهم رب العزة إنه لولا عفو الله تعالى لعاقبهم أشد العقاب. ويأمر الله تعالى رسوله أن يقول للأسرى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم ) (الأنفال 70). وهى لفتة تعاطف أن يأمر الله تعالى النبى محمدا أن يقول لأسرى من الكفار المعتدين إنه سيعوضهم خيرا عن المال المأخوذ منهم، بل ويغفر لهم إن علم فى قلوبهم خيرا. فماذا إذا منّ عليهم النبى باطلاق سراحهم فقابلوا المعروف بالعدوان ؟ هنا يتكفل الله تعالى بالدفاع عن النبى و المؤمنين (وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.) (الأنفال 71).
3 ـ ويتضح هنا أن الافتداء بالمال ممنوع، وهناك أنواع أخرى للافتداء مثل تبادل الأسرى أو تبادل المنافع، وفى كل الأحوال فالأسير يطلق سراحه مجانا أو بالفدية.
وجدير بالذكر أن قوله تعالى (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ.) تعرض لعملية تحريف فى المعنى أخرجت الموضوع عن سياقه، إذ زعموا أن الله تعالى أنّب النبى محمدا لأنه لم يقتل الأسرى ورضى أخذ الفدية منهم. ولو كان هذا صحيحا فلماذ جاءت التشريعات السابقة واللاحقة فى فداء الأسرى ؟ الواضح هنا أن التأنيب نزل للنبى والمؤمنين لأنهم أطلقوا سراح الأسرى مقابل المال، وهذا خطأ كبير إستلزم اللوم، لذا قال جل وعلا يأمر النبى أن يقول للأسرى:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم)
ثانيا: حقوق الأسير بعد إطلاق سراحه بإعتباره (ابن السبيل) :
1 ـ إن إطلاق سراح الأسرى قد أكّده تشريع تالٍ في التعامل مع الأسرى في المعركة في قوله تعالى: (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاء حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا) (محمد 4) أى إما أن تمن على الأسير بإطلاق سراحه وإما بالفداء بتبادل للاسرى، وليس هناك حل ثالث، أى ليس هناك قتل للأسير.
2 ـ وبعد إطلاق سراحه مجانا أو بالفدية غير المالية فإن تشريعات الإسلام تلاحقه بالرعاية، إذ يصبح ابن سبيل. (ابن السبيل) يعنى الغريب الوافد لبلد مسلم ، كالسائح فى عصرنا، وكالأسير المُفرج عنه قبل أن يلحق ببلده. والأسير الذى تم إطلاق سراحه له كل حقوق ابن السبيل المالية فى الرعاية والاحسان اليه مثل الوالدين والأهل والأقارب. يقول تعالى عن الاحسان لابن السبيل أو فى الأسير الذى تم اطلاق سراحه وأصبح ابن سبيل:(وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (النساء 36)
3 ــ ويجعل له رب العزة جل وعلا حقا أصيلا فى زكاة كل مؤمن (وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ) (الاسراء 26) ويقول تعالى (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ.) (الروم 38)
4 ــ وهذه الحقوق المالية نزلت التوصية بها عامة فى سورتى الاسراء و الروم فى مكة، ثم جاء التفصيل والتوضيح فى السور المدنية حيث أصبح لابن السبيل حقوق في أموال المسلمين في الزكاة الرسمية: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. ) (التوبة60)، والصدقة التطوعية: (يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ.) (2البقرة)، وفي غنائم الحرب: (وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا) (الأنفال 41)، وفي الفئ أى إيرادات بيت المال: (مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ) (الحشر7)
5 ــ أى طالما أن الأسير يسير في بلاد المسلمين فهو ابن سبيل تحوطه الرعاية والإحسان، ومطلوب من المسلمين إكرامه وإطعامه من أفضل الطعام وبدون أن يتكلف كلمة شكر: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا.) (الانسان89)
أخيرا:
هذه التشريعات الخاصة بالأسير هى فقرة من منظومة تشريعية متكاملة تجسّد مبادىء الشريعة الاسلامية العليا من العدل والسلام والرحمة والاحسان وحفظ حقوق الانسان فى الحياة والمال والعرض، بغض النظر عن دينه وجنسه وعنصره. وللتذكير نقول
1 ــ أنه يكفى فى إطلاق سراح الأسير المقاتل فى جيش العدو المعتدى على المسلمين، إنه إذا إستجار بالمسلمين وقت القتال فيجب على المسلمين حمايته وحقن دمه وإسماعه آيات من القرآن، ثم توصيله الى أهله ومأمنه، يقول جل وعلا: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ (6) التوبة).
2 ــ أن الحرب فى تشريع الاسلام هى للدفاع فقط، وأن الله جل وعلا لا يحب المعتدين، وأن رد الدفاعى يكون بمثله دون تجاوز: ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) ) (وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) البقرة)
3 ــ أن الاسلام هو دين السلام والأمان وأن من أسماء رب العزة (السلام) و (المؤمن) وأن من أهم إسمائه (الرحيم)، وأن البسملة الاسلامية هى (بسم الله الرحمن الرحيم) وأن تحية الاسلام هى (السلام عليكم) وأن الله جل وعلا أرسل رسوله خاتم النبيين بالقرآن رحمة للعالمين (الأنبياء 107) وليس لارهاب العالمين، وان المسلم فى التعامل مع البشر هو المسالم بغض النظر عن عقيدته وأن المؤمن هو المأمون الجانب بغض النظر عن دينه، ولهذا فإن الجندى فى جيش العدو فى أرض المعركة إذا قال (السلام عليكم) فيجب حقن دمه (النساء 94).
اهلا وسهلا بحضرتك سيد جمال توجد رواية تقول
((وكان الحارث بن أبي ضرار سيد بني المصطلق قد وَجَّه عيناً له
ليأتيه بخبر رسول الله ﷺ ، فأصابه النبي ﷺ وهو في طريقه فسأله ﷺ عن جموع بني المصطلق ، فلم يذكر من شأنهم شيئاً
، فعرض عليه النبي ﷺ الإسلام فأبى ، فأمر ﷺ عمر ، فضرب عنقه))
تبدو الرواية غير صحيح فالنبى لا يمكن ان يأمر بالقتل فالنبى بعث رحمة للعالمين وعلى خلق عظيم ابدا ما رأى حضرتك
وهذة رواية مشابهه في كتاب الرحيق المختوم عن غزوة بنى المصطلق تقول ان الحارث بن أبي ضرار قد وجه عينًا ؛ ليأتيه بخبر الجيش الإسلامي، فألقي المسلمون القبض عليه وقتلوه.
واظن ان هذة الرواية ايضا تخالف حكم القرآن الكريم في الأسير لأن مذكور ان المسلمين القوا القبض عليه معني هذا انه أصبح اسير فكيف يتم قتله وحكم الأسير في القرآن الكريم المن أو الفداء
ما رأى حضرتك ارجو الرد لو سمحت
لكنه ليس اسيرا بعد حرب وجه لوجه… هو جاسوس والله اعلم