حبل الله
الانتحار جريمة بحق النفس

الانتحار جريمة بحق النفس

السؤال:

قد يصل الإنسان إلى حالة اليأس من الحياة بسبب تراكم المشكلات عليه فلا يجد أمامه سوى التفكير بإنهاء حياته بالانتحار. لماذا حرم الإسلام الانتحار وعدَّه جريمة علما أن المنتحر يقتل نفسه ولا يقتل غيره.

الجواب:

الانتحار هو الاعتداء على النفس بإهلاكها، ولا يملك الإنسان الحق بإهلاك نفسه لأنها ملك خالقها سبحانه فهو المحيي والمميت، ولا يملك هذا الحق غيره سبحانه. فالاعتداء على النفس بالقتل أو بما دونه إنما هو تعد على ما وهبه الله تعالى للإنسان من نعمة الحياة ليحافظ عليها لا ليهلكها. لذا حرم الله تعالى الانتحار بقوله:

{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}. وتوعد المنتحرين مباشرة بقوله {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} (النساء، 29_30)

يفكر ضعفاء النفوس والإيمان بالانتحار عندما تواجههم المشكلات مستسلمين لليأس. لكن المسلم لا يفكر بالانتحار لأنه لا ييأس من رحمة الله وإن قسا عليه الزمن وتناوبت عليه السنون؛ فهو يعلم أن الابتلاء يرفع الدرجات ويكفر السيئات، وهو على يقين دائم أن مع العسر يسرا؛ لذا لا ينفك عن الاجتهاد ولا يفتر عن المحاولة. قال الله تعالى على لسان يعقوب موجها أبناءه وقد طال به الابتلاء:

{وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف، 87)

وقال الله تعالى حاكيا عن ابراهيم الخليل:

{قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} (الحجر، 56)

وكما يحب الإنسان الخير ولا يكتفي منه ولا ينقطع عن طلبه فعليه في المقابل أن لا يصيبه اليأس عندما تصيبه المصيبة، وإلا كان كمن قال الله فيهم:

{لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} (فصلت، 49)

ينصُّ القرآن الكريم على عقوبة القتل العمد بقوله تعالى:

{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (النساء، 93)

ويحذر النبي صلى الله عليه وسلم من خطورة الانتحار، لأن المنتحر لا يملك فرصة التوبة من جريمة القتل، فعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من قتل نفسه بحديدة، فحديدته بيده، يجأ بها في بطنه في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسم، فسمه بيده، يتحساه في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه، فهو يتردى في نار جهنم، خالدا مخلدا فيها أبدا “[1]

وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، التقى هو والمشركون، فاقتتلوا، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره، ومال الآخرون إلى عسكرهم، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل، لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقال: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إنه من أهل النار»، فقال رجل من القوم: أشهد أنك رسول الله، قال: «وما ذاك؟» قال: الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار، فأعظم الناس ذلك، فقلت: أنا لكم به، فخرجت في طلبه، ثم جرح جرحا شديدا، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة، فيما يبدو للناس، وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار، فيما يبدو للناس، وهو من أهل الجنة»[2].


[1]  رواه مسلم في الإيمان (109)  وأحمد برقم (7448) (10195) و (10337) وأخرجه أبو داود (3872) والترمذي بإثر الحديث (2044)، وعبد الرزاق (19716) ، والدارمي (2362) ، والطحاوي (196).

[2]  البخاري، المغازي، 2898

أضف تعليقا

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.