السؤال: بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الى المدينة أسسوا دولتهم واستقروا فيها، وبحسب الروايات فإن النبي وصحابته بدؤوا بمهاجمة قوافل التجارة التابعة لأهل مكة، وهو ما أدى إلى اشتعال الحرب مبكرا بين المسلمين وقريش. هل كان تصرف المسلمين تجاه قوافل التجارة صحيحا؟ ألا يظهرهم ذلك بأنهم معتدون ويسعون للحرب؟ أم أن هذه الروايات غير صحيحة. وإن كانت كذلك فما هي الأسباب الحقيقية التي أدّت الى اشتعال الحرب مبكرا بينهما؟
الجواب:
قبل الحكم على الأحداث التاريخية لا بد من دراسة الحدث ومقدماته ونتائجه كوحدة واحدة. ومن ثم تقييم الحدث بناء على ذلك، ولا يصح نزع الحدث من سياقه، وهذا مهم للغاية.
أُخرج النبيُّ وصحابتُه من موطنهم المحبب إلى قلوبهم بسبب إيمانهم واعتقادهم، وقد أُجبروا على ترك أموالهم التي أصبحت بعد ذلك تحت سطوة قريش وتصرفهم، وقد أُجبر الصحابة على الهجرة إلى الحبشة (تُسمى اليوم أثيوبيا) مرتين حتى انتهى بهم الأمر في المدينة، وكل هذا الظلم الذي وقع عليهم وما تبع ذلك من عناء وعنت لم يكن لجرم اقترفوه بل لأنهم قالوا ربنا الله.
ولم يكتف القرشيون بطرد المسلمين من ديارهم ونهب أموالهم، بل مارسوا ضغوطا سياسية هائلة على ملك الحبشة وزعماء المدينة كي يطردوا المسلمين من ديارهم ويرفعوا الحماية عنهم مستغلين نفوذهم لدى زعماء البلدين[1].
بحسب القرآن الكريم فإن العلاقة بين المسلمين وغيرهم تُبنى على التعاون والبر دون الإثم، وهذه الحالة تستمر حتى مع وجود تجاوزات مقبولة. وقد بيَّن القرآن ثلاثة خطوط حمر إذا تجاوزها غير المسلمين فإنه ينبغي الرد عليهم بما يضمن الأمن للبلاد والعباد.
قال الله تعالى {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الممتحنة، 8_9)
بحسب الآيات فإن الخطوط الحمر التي لا ينبغي لغير المسلمين أن يتجاوزها في علاقاتهم مع المسلمين هي:
1_ أن لا يُحاربوا المسلمين في دينهم
2_ أن لا يُخرجوا المسلمين من ديارهم
3_ أن لا يُناصروا ويساعدوا مَن يُخرج المسلمين من ديارهم.
والحقيقة أن أهل مكة قد تجاوزا جميع هذه الخطوط الحمراء بشكل سافر.
لقد تعرض المسلمون بعد هجرتهم لضغوط اقتصادية هائلة تمثلت بمصادرة أموالهم في مكة وليس انتهاء بمقاطعتهم اقتصاديا حيث مُنع بيعهم أو الشراء منهم، وقد حشد القرشيون خلفهم الكثيرين في الحجاز وخارجه.
وبناء على مبدأ المعاملة بالمثل المقيَّد بعدم التعدي كما نص عليه القرآن الكريم، كان لا بد من محاصرة قريش اقتصاديا، وقد كانت الفرصة سانحة بمرور قافلة لأبي سفيان بالقرب من المدينة، وقد كان الرجل من أكابر مجرمي مكة آنذاك، ولا شك أن السيطرة على قافلته ستضعفه وأتباعه . كما أنها ستعوض المهاجرين بعض ما استولى عليه القرشيون من أموالهم.
لأجل ذلك فإن الروايات التي تفيد بمهاجمة المسلمين قوافل قريش التجارية تنسجم تماما مع قوانين الحرب التي أقرها الإسلام، وعلى رأسها رد الظلم بمثله وعدم الاعتداء.
*ننصح بقراءة هذا الموضوع ذي الصلة (هل الإسلام دين حرب) على الرابط التالي http://www.hablullah.com/?p=2194
أضف تعليقا