السؤال: هل يجوز أن نبدأ بالسلام على غير المسلمين؟ وما المقصود بالحديث الذي ينهى عن ابتدائهم بالسلام واضطرارهم لأضيق الطريق عند ملاقاتهم؟
الجواب: يجوز للمسلم أن يبدأ غير المسلم بالسلام، فقد سلّم إبراهيم عليه السلام على والده {قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ} (مريم، 47)، وكان المؤمنون يواجهون لوم الكافرين إياهم بالقول (لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) (القصص، 55) وقال سبحانه لنبيه عليه الصلاة والسلام (فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ) (الزخرف، 89).
نفهم من الآيات السابقة أنه لا حرج من ابتداء غير المسلم بالسلام ، وابتداؤه بالسلام هو جسر للتواصل والتعاون معه، وربما يؤدي ذلك لأن يتعرف على الاسلام ويؤمن به.
وأما حديث «لا تُبَادِرُوا أَهْلَ الْكِتَابِ بِالسَّلَامِ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فِي طريق فاضطروهم إلى أضيقه»[1]
يظهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك في ظرف خاص حيث كان يتجهز لحرب بني قريظة بعد انتهاء غزوة الأحزاب كما تشير بعض روايات الحديث، ولا شك أن حالة الحرب لها مصطلحاتها وقوانينها، ويصحُّ أن نسمي هذا بمقدمات الحرب، ولا يمكن أن يُعمم قول النبي في الحالة الطبيعية، لأن التعميم يعارض ما ذكرنا من آيات.
فإن قال قائل ولماذا ذكر النبي في بعض الروايات النصارى بالرغم من أنه لم يكن في حالة حرب معهم عندئذ؟ قلنا ربما هو إدراج من الرواة، فقد ذُكر الحديث دون لفظ النصارى في عدة روايات، كما ذكر لفظ أهل الكتاب في روايات أخرى وورد ذكر اليهود فقط في روايات غيرها مما يدل على حدوث الاضطراب في النقل.
وقد احتج بهذا الحديث القائلون بعدم جواز أن يبدأ المسلم بالسلام على غير المسلم، متناسين الآيات الواردة، وذلك تماشيا مع قواعدهم باعتماد الرواية بمعزل عن الكتاب، فكثيرٌ من المسائل قدمت فيها الرواية على الكتاب؛ إما باهمال الآية ذات العلاقة، وإما بتأويل معناها حتى توافق الرواية، وإما بإدعاء نسخها. ولا بد من التذكير هنا أن الروايات نُقلت بطريق الآحاد، أي أن ثبوتها ظني، ويبقى احتمال خطأ الرواة فيها وارد.
إن كون الحديث صحيح السند لا يعني حاكميته على القرآن، بل لا بد من إخضاعه لميزان الكتاب، فإن وافقه أخذنا بها وإلا توقفنا فيه.
وعلى كل حال فإن آيات القرآن واضحة الدلالة في جواز ابتداء غير المسلم بالسلام ولا عبرة بغيره مما يخالفه.
[1] أخرجه مسلم “2167” في السلام: باب النهي عن ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم، وعبد الرزاق “19457” ، والبغوي في “شرح السنُّة” “3310” ، وأحمد 2/225و444، والبخاري في “الأدب المفرد” “111”، والطحاوي في “شرح معاني الآثار” 4/341، وأبو نعيم في “حلية الأولياء” 7/140، 142، والبيهقي في “السُّنن” 9/203، والترمذي “1602” في السير: باب ما جاء في التسليم على أهل الكتاب
أضف تعليقا