الإهتداء إلى الصراط المستقيم
علمنا ربنا سبحانه أن ندعوه الهداية إلى الصراط المستقيم في سورة الفاتحة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ. غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} (الفاتحة، 5_7) ثم أشار كيف يكون ذلك في أول سورة البقرة بقوله تعالى {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة، 2) فالإهتداء إلى الصراط المستقيم لا يتم إلا بالقرآن الكريم.
ولما ألحَّ المشركون على رسول الله أن يأتي بآية تكون سببا في هدايتهم كان الرد الإلهي للرسول: {… قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف، 203) ولأنه هدى جاء الأمر في الآية التي تليها بضرورة الإصغاء له: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأعراف، 204) وليس الأمر لمجرد الاستماع، بل لفهم وتطبيق ما فيه من الأحكام.
والرسول مبلغ عن الله ما أُوحي إليه بمقتضى وظيفة التبليغ المكلف بها: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } (المائدة، 67)
ومن مقتضيات تبليغ الوحي تطبيقه بين الناس والحكم به، فقد أمر الله تعالى نبيه: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (المائدة، 49) وفي الآية التي تليها يبين سبحانه أن اللجوء إلى أي حكم سوى الحكم بكتابه هو جاهلية: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} (المائدة، 50)
وقد طبق النبي الوحي بين أصحابه الكرام، وكان الأسوة الحسنة في تطبيقه، ومثالا يحتذى، وهذا ما دلّ عليه قوله تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب، 21).
الأسوة تظهر في التطبيق لا بمجرد تبليغ النص، ومن هنا نفهم الوظيفة التامة المناطة بالنبي، ألا وهي التبليغ والتطبيق، وما بلغه النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن محفوظ بين دفتي المصحف وقد تكفل الله تعالى بحفظه بقوله: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (الحجر، 9)
وقد أمر الله تعالى نبيه أن يحكم بين الناس بالكتاب وفق المنهج الذي أراه الله إياه: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ …} (النساء، 105)
فحكم النبي هو الحكمة التي أُنزلت مع الكتاب. قال الله تعالى {وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} (النساء، 113) وقد بين الله تعالى أن من وظائف النبي تعليم الكتاب والحكمةِ بقوله {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (الجمعة، 2)
والحكمة هي المشار إليها بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه”[1] فالمِثْلُ هو الحكمة.
إنّ تعليم النبي الكتاب والحكمة هو تطبيق الكتاب بنصه وأحكامه بين الناس ليكون سببَ التزكية والفلاح للمؤمنين في الدنيا والآخرة. ولا يستقيم المسلم على صراط الله تعالى إلا بفهم وتطبيق القرآن كما فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
والتأسي بالنبي لا يكون بتأليهه وجعله مشرعا من دون الله؛ لأنّ النبي متبع لا مبتدع: {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} (الأنعام، 106)، ومبلغ لا مشرع: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (المائدة، 67)
إن التشريع من حق الله تعالى وحده، وهو المنفرد بالأمر. قال الله تعالى {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ. وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (آل عمران، 80).
أضف تعليقا