الباب الثاني: موضوع الربا في القرآن الكريم والسنة النبوية
معنى الربا
جاءت كلمة “الربا” في القرآن الكريم بمعنى الزيادة. وهي من أربْى يربي والمصدر ارباء. أي الزيادة على الشيء. وربا الشيء، إذا زاد على ما كان عليه فعظم. وإنما قيل للمربي:”مُرْبٍ”، لتضعيفه المال، الذي كان له على غريمه حالا أو لزيادته عليه بسبب الأجل الذي يؤخره إليه فيزيده إلى أجله الذي كان له قبلَ حَلّ دينه عليه. ولذلك قال جل ثناؤه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً» (آل عمران، 3/ 131). وعلى هذا فلا يكون الربا إلا في التداين. قال الله تعالى: «وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ» (الروم، 30/ 39).
والمقرض هو الذي يملك مالا يزيد عن حاجاته، ويقرض الناس ليربيه. لذا لا يقرض إلا من ملك كمية من المال.
والمقرض بشرط الربا يطلب من المقترض كفيلا لضمان إعادة المال سالما. كما يأمن بذلك في الحفاظ على ماله. وسبب وقوع المقترض في الربا هو الأمل في زيادة الربح أو ضرورة سد الدين. ويعرف الربا بأنه القيمة الزمنية للمال تشبيها بحصيلة الإيجار. غير أن المال المؤجر يستفاد منه بدون أن ينفد أو ينقص من قيمته الأصلية. كالذي يستأجر بيتا ليسكن فيه وكذلك الذي يستأجر السيارة ليركبها. وعند انتهاء مدة الإجارة يعيدها إلى صاحبها. ولا تجوز الإجارة في مال لا يمكن الإستفادة منه بدون تنفيد. وعلى سبيل المثال أن النقود بحد ذاتها لا تسد الحاجة؛ فهي لا تؤكل ولا تشرب. والذي يملك كمية كبيرة من النقود فإنه يموت من الجوع إذا لم يجد ما يسد جوعه. ويبقى بلا مأوى إذا لم يكن له بيت؛ ولا يمكن أن تصبح النقود بيتا يسكنه ولا طعاما يأكله. فلا يمكن الإستفادة من النقود إلا بتبديلها مقابل مال أو خدمة من خدمات الحياة اليومية؛ أي أن النقود تنفد بالإستفادة منها؛ لذا لا يجوز استئجار النقود. فلا يمكن أن نتصور القيمة الزمنية في أموال لا يمكن الإستفادة منها ببقاء عينها.
والمتعاملون بالربا يقولون: من الممكن أن يكون شخص بحاجة ماسة إلى نقود، ومن المؤكد أنه سيحصل على النقود المطلوبة في الأيام المقبلة؛ أو بمعنى آخر أنه يملك النقود ولكن ليست معه في الوقت الحاضر، وفي الوقت نفسه توجد نقود عند شخص آخر وهو لا يحتاجها ولا يستعملها، فيمكن له أن يقرضها للمحتاج مقابل فائدة تعود عليه. وهذا حين يكون التعامل بالربا مرخصا. فتذهب حاجة المحتاج ويسد دينه حين الحصول على المال بالفوائد. ويستفيد كل منهما فلا يبقى المال بلا فائدة.
قال الله تعالى: « وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ» يعني أنه لا ينمو حسب الفطرة أي طبقا للقوانين الطبيعية الموجودة في النظام السوقي. لأن الدَيْن ليس من المعاملة التي تأتى بالربح. وإنما يحصل الربح باستثمار المال المقترض. وليس الإقراض استثمارا بحد ذاته. فلا يحق للمقرض المرابي أن يتقاسم الربح لأنه لا يتحمل المسئولية في الإستثمار ،كما أنه لا يقوم بأي عمل تجاهه. وجل عمله هو دفع المال والإنتظار ليتقاسم الربح.
وكثيرا ما يشبَّه الربا بالبيع. فيقال إن سلعة تباع ب10 ليرات نقدا، يجوز بيعها بـ 11 ليرة بالتقسيط لمدة شهر. وعلى هذا يجوز بيع 10 ليرات بـ 11 ليرة لمدة شهر. ولكن البيع هو مبادلة شيئين من جنسين مختلفتين؛ مثل أخذ الخبز مقابل نقود؛ فهي تكون نقدا كما تكون بالتقسيط. أما الربا فيطلق على العائد من الدين. وهي تختلف عن البيع تماما. وسنقف على هذا الموضوع فيما بعد إن شاء الله.
والمعاملة الربوية تكون دائما في نفس الأسلوب؛ وكان العرب في الجاهلية أي قبل الإسلام يربون ويحتفظون برأس المال. وحين يتم الأجل يطلبون المال المتقرض، فلو عجز المدين عن سد الدين مدد في الأجل مع زيادة مقدار الربا.[1]
لو كان الدين ناتجا عن معاملة ربوية، يسأل المدين حين يأتي الأجل؛ هل تؤدي ما عليك من الدين أم أزيد في الأجل؟ إذا لم يستطع المدين الأداء يزيد في الأجل مع زيادة الدين الناتج من الربا.[2] وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع:
وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضعه ربانا ربا عباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله.[3]
ربا الجاهلية هو نفس الربا الموجود في يومنا هذا، أي أنه ناتج عن الدين. والذين خاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم فهموا معنى ربا الجاهلية لأنهم أهل ذلك العصر.
والآية التالية دليل قطعي على أن الربا هو ما نتج عن الزيادة في الدين. قال الله تعالى: «فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ » (البقرة، 2/ 279).
رأس المال هو المال المقترَض. ولا يكون في البيع رأس المال في هذا المعنى لأنه مبادلة في المالين المختلفين في الجنس. وشرط الزيادة في سداد الدين يكون ربا. وهذه الآية تبين أن الربا له علاقة وثيقة بالدين. قال الله تعالى: «وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» (البقرة، 2/ 280).
وقد جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم أحاديث تتعلق بالموضوع نذكر بعضا منها:
عن ابن عباس قال أخبرني أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنما الربا في الدين».[4] وقال: «لا ربا إلا في الدين».[5] وقال: «إنما الربا في النسيئة».[6] وقال: « لاربا إلا في النسيئة».[7]
وبعد هذا يمكننا القول بأن الربا هو الزيادة الناتجة من الدين.
أ. تحريم الربا
ومن أولى الآيات التي جاء فيها تحريم الربا هي قوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» (آل عمران،3/ 130). ومن خصائص الربا كونه أضعافا مضاعفة. فالدين المشروط بالربا 10% يصبح بعد سنة 21% وفي السنة الثالثة يصبح 33%، ويزداد كلما طالت المدة حتى يتجاوز نسبة الربا عن مقدار رأس المال.
وفي مرحلة ثانية حرم الله الربا في الآيات التالية: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ. وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» (البقرة، 2/ 278-280).
وكان المقرضون في العصر الجاهلي يستعبدون المدين إذا عجز عن سد ديونه. أي يبتاع المدين بدل ديونه؛ وقد حُرمت تلك العادة الجاهلية في الآيات السابقة.[8]
ب. الربا والزكاة
قال الله تعالى: «وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ» (الروم، 30/ 39).
وقال تعالى: «يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ» (البقرة، 2/ 276).
وفي هذه الآية يخبر الله تعالى أنه يمحق الربا، أي: يذهبه، إما أن يذهبه كليا من يد صاحبه، أو يَحْرمَه من بركة ماله فلا ينتفع به، بل يعذبه به في الدنيا ويعاقبه عليه يوم القيامة. كما قال تعالى: «قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ» (المائدة، 5/ 100). وقال تعالى: «وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّم» (الأنفال، 8/ 37). وقال: «وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّه» (الروم، 30/ 39) .
القرض الربوي لا يعطى إلا لمن قدم ضمانات تكفل استرداد الديون، والحصول على القرض ليس من السهل، لأن تقديم الضمانات المشروطة للحصول عليه ليس بسهل، فيصبح المال حكرا عند هذا العدد القليل في المجتمع. وهذا يؤدي إلى فساد التوازن الإقتصادي في المجتمع.
ذلك أننا نفترض أن هناك 2.000.000 ليرة متداولة في الأسواق، وحين نزيد عليها 1.000.000 ليرة أخرى بالقروض الربوية نرى في الأسواق زيادة في النشاط ، ولكن هذا النشاط مؤقت ولا يستمر طويلا. لأنه سيسحب من الأسواق 1.100.000 ليرة عند نهاية الأجل، ذلك إذا اعتبرنا نسبة الربا 10% وهي أقل نسبة ربا. وينخفض مقدار الليرة المتداولة إلى 1.900.000 ليرة. ولتحتفظ الأسواق بنشاطها المعتاد تحتاج إلى 1.100.000 ليرة. وحين يكون هذا المقدار بالقرض الربوي سينقص المقدار المتداول إلى 1.790.000 ليرة. وبتكرار هذه العملية لا تكاد تبقى في الأسواق الليرة المتداولة الحرة.
وبدون أن يدخل 1.000.000 ليرة عن طريق القرض الربوي ينقص المقدار المتداول في الأسواق بجمع البنوك الربوية الأموال من الأسواق، وبهذا نستطيع أن نقول أن المعاملة الربوية هي من الأسباب الأساسية في الأزمات الإقتصادية وجمود الحركة السوقية. بالإضافة إلى ذلك ارتفاع الأسعار المستمر. والنتيجة الحتمية هي ازدياد الفقر.
لو افترضنا أن البنك يعطي إلى أصحاب المودوعات 5%، وبعد 7 سنوات فإنّ المبلغ 1.000.000 يصل إلى 1.475.000 بزعم أن الربح كان 50% تقريبا. وفي الحقيقة فإن أصحاب المودعات هم كذلك يخسرون. لأنه في حالة عدم القرض الربوي فإن العاملين يحصلون مقابل عملهم ما يكفيهم من مصارف حياتهم اليومية وهم راضون بذلك لأنهم لا يدفعون تكلفة للنقود. أما في معاملة القروض الربوية فالربا تكلفة؛ وهذه التكلفة بطبيعة الحال تنعكس على الأسعار. وبإرتفاع الأسعار يقل دخل أصحاب المودوعات لأنهم يأخذون 5% من نسبة الربا والتي هي بالأصل 10%. كما ينقص رأس المال. وعلى سبيل المثال: الذي أودع في البنك 50 ليرة بربا 5% حين كان كغم من السكر ب 50 قرشا. وبعد 7 سنوات تصل 50 ليرة إلى 73.75 ليرة. ولكن في هذه المدة قد يرتفع سعر السكر إلى 195 قرشا. قبل 7 سنوات كان يستطيع أن يشتري بـ 50 ليرة 100 كغم من السكر؛ والآن يستطيع أن يشتري بـ 73.75 ليرة حوالي 38 كغم من السكر. وبهذا نستطيع القول إن قيمة المودعات قد قلت 62%.
الفلاحون والتجار وأصحاب الحرف الذين لهم دور هام في المجتمع؛ يستعملون نقودهم في أعمالهم ولا يودعونها في البنوك. ولكنهم سيفتقدون الإستطاعة على القيام بأعمالهم، لأن النظام الربوي أنزل مقدار النقود المتداولة الحرة إلى 12120″> .
والذي يعتمد في إنتاجه على القرض الربوي يضيف 20% إلى السعر الأصلي للمنتجات لأنهم سيدفعون 10% . وتربح الشركة خلال السنة 100.000 ليرة من مبلغ مقترض مقداره 1.000.000. وهذا حين نفترض أن الأوضاع السوقية استمرت في حالة جيدة. وهذه النقود ربح صاف لهم، لأنهم يستغلون مكانتهم التي حصلوا عليها بأموالهم الكثيرة في دفع تكاليف العمل. وفي السنة الثانية يكون الربح 110.000 ليرة، لأن مقدار القرض الربوي سيكون 1.100.000 ليرة. وبعد 7 سنوات يكون الربح الإجمالي 950.000 ليرة. هكذا تتكاثر عندهم الأموال وتقل في الأسواق. وأفلس الذين هبط دخلهم السنوي تحت نسبة الربا، وعجزوا عن سد ديونهم.
والربح الذي حصل عليه المرابون وهو 950.000 ليرة لا يكون نقدا. ذلك أنهم يشترون العقارات بأكثر مما يملكون من النقود. وهذه العقارات تفقد قيمتها بسبب تلاشي النشاط السوقي. وهم دائما يجمعون الأموال ثم يتركونها كالضرع المحلوب. عنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «مَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمْ الرِّبَا إِلَّا أُخِذُوا بِالسَّنَةِ وَمَا مِنْ قَوْمٍ يَظْهَرُ فِيهِمْ الرُّشَا إِلَّا أُخِذُوا بِالرُّعْبِ».[9]
والإنسان مجبول على حب المال والبخل. والربا يزيد حبه إلى المال. فهم يجمعون المال ليربو الناس. وجمع النقود هو في نفس الوقت سحب ما يتداول في الأسواق من النقود. ولا يوجد في القرآن الكريم أمر أو أية إشارة إلى جمع الأموال. والأوامر كلها للإنفاق. كما قال الله تعالى: « إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ. فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ» (التغابن، 64/ 15-17).
يقال في اللغة العربية على الأنبوب نفق. وعلى هذا فالإنفاق هو إمرار الشيء من الأنبوب. والنفقة هي ما أنفق. والنفقة تطلق على ما أنفق الرجل على نفسه وعياله وما تبرع به للمؤسسات الخيرية. كما أن من أنفق في الخيرات يقال عنه أنه قد أقرض الله قرضا حسنا. لأنه قد أنفق لوجه الله تعالى واحتسابا عنده.
النقود هي العمود الأساسي في الإقتصاد؛ لأنها تتكفل بسير الحياة اليومية، وجريان الخدمات المالية هو بمثابة الدم الذي يجري في العروق؛ فهي تحمل الإحتياجات اللازمة للحياة الإجتماعية؛ كما أن الدم الجاري في العروق يحمل ما يلزم للإنسان ليبقى حيا؛ وعدم وصول الدم إلى عضو ما في الإنسان يتسبب في ظهور أمراض، وبزيادة انقطاعه يزداد المرض حتى الموت؛ كذلك تراكم النقود في مكان ما وعدم سيرها في المجتمع يتسبب بأزمة اقتصادية كبيرة والتي قد تؤدي إلى انهيار المجتمع بأكمله.
الإنفاق في سبيل الله مثل الزكاة والصدقة؛ ضرورة اجتماعية لضمان نشاط الأسواق، وتوفير الأمن والطمأنينة وانجاز ما يفيد للمجتمع وأفراده. وإلا فالعواقب السيئة تنتظر. قال الله تعالى: «وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» (البقرة، 2/ 195).
للإنفاق في سبيل الله تأثير مضروبي حسابي؛ حيث إن الفقير ينفق ويستهلك ما حصل عليه من الزكاة أو الصدقات. وعلى سبيل المثال فهو يشتري ما يحتاجه من المحلات؛ وأصاحب المحلات يشترون البضاع من المصنع وصاحب المصنع سيوزع هذه النقود لرواتب العاملين في المصنع. أي أن مقدار ما يعطى زكاة أو صدقة لا يزيد ولكن الخدمات التي انجزت بها تضاعفت. كما أن انتقال الثروة من يد إلى أخرى ينشط ويحسن الأوضاع السوقية، وبالتالي تزداد الحيوية في الساحة الإجتماعية كما يضمن التوازن في التوزيع المالي بين أفراد المجتمع وهذا بطبيعة الحال يوفر الأمن. وبمعنى آخر إن انتقال الثروة بين أفراد المجتمع هو الطريق الأمثل في التكافل الإجتماعي. قال الله تعالى في كتابه الكريم: «مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ» (البقرة، 2/ 261- 263).
كما تبين أن الربا يؤدي إلى تراكم الثروة في يد الأغنياء؛ أما الزكاة فهي انتقال الثروة من الأغنياء إلى الفقراء؛ وهو ما يؤدي إلى زيادة المشترين وبالتالي تحسين الأوضاع الإقتصادية.
ت. اعلان حرب على الله ورسوله
قال الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ» (البقرة، 2/ 278-279).
اعلان حرب على الله ورسوله هو محاولة إفساد سنن الحياة، لأن الله هو الذي وضع تلك السنن. فكل حركة تعمل في تعطيل سنن الله تعالى فهي إعلان حرب على الله ورسوله. وقد أشارت ملكة سبأ إلى ما تتركه الحرب من العواقب السيئة. كما قال الله تعالى عنها: «قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ» (النمل، 27/ 34).
كما بينا سابقا أن الربا يفسد البنية الإجتماعية ويقف حائلا أمام تحسين العلاقة الإجتماعية ويؤدي إلى فساد التوازن الإقتصادي. أي أنه ينهي الطبقة الوسطية في المجتمع فينشأ بون شاسع بين الغني والفقير. ويحدث التنافر وصعوبة التعايش بين أفراد المجتمع. كما يتسبب بإنهيار كثير من الأسر فيكثر في الساحة الإجتماعية عدد المتشردين، وكثرة المتشردين تهدد الأمن الإجتماعي؛ لأن المشردين قريبا ما يتحولون إلى إرهابيين. وهكذا سلسلات من الأخطار التي تهدد المجتمع من جميع نواحيه؛ فالسبب الأساسي فيها هو المعاملة الربوية. لذا قال الله تعالى فأذنوا بحرب من الله ورسوله…
ترتفع التكالف بالربا وتزداد الحاجة إلى النقود. وقد ذكرنا سابقا أن الذي يودع البنك نقودا مقابل الربا بـ 5% يربح حوالي 50% في مدة سبع سنوات. ولكن مع ازدياد الأسعار فهو يخسر تقريبا 62%. وأما الذي لم يودع في البنك فهو يخسر أكثر من ذلك ولكن السبب فيه الربا. وعلى سبيل المثال: يمكن شراء 100 كغم من السكر بـ 50 ليرة حين كان سعر السكر بـ 50 قرشا. فبسبب الربا يرتفع سعر السكر إلى 195 قرشا؛ فيمكن شراء 26 كغم من السكر. لأن النقود قد فقدت قيمتها بنسبة 74% بالنسبة للسكر. وبالنظر إلى تأثر المستوى العمومي في للأسعار، نرى فساد التوازن المالي، وأن الأسواق تحتاج إلى 74% من النقود لتحتفظ بنشاطها السابق؛ فضلا عن التطور في الأوضاع السوقية. وترى الناس في حالة من الفقر بالرغم من أن المستودعات مليئة بالسلع ، فهم لا يملكون النقود لشراء السلع، فيستولي الركود والكساد على الأسواق.
والذي جمع النقود مقابل الربا طالما لا يجد من يربو منه، أي من يأخذ النقود منه مقابل الربا، فتبقى النقود مخزونة من غير أن يستفاد منها. فهم الأشقياء لأنهم مسئولون عن تلك الأزمة. وقد أنذر الله تعالى من يتسبب بمثل تلك الأزمة بقوله: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ» (التوبة، 9/ 34-35).
وهذا العذاب الأليم يصيب المجرمين في حياتهم الدنيا. لأنه في حالة عدم الإنفاق تنتشر السرقة والنهب والفوضى التي تهدد المجتمع أمنيا واقتصاديا. والذي يمتنع عن الإنفاق يعاني هذا العذاب الأليم يوم القيامة بأن تكوى جبهته وجنبه وظهره بسبب احتكاره الأموال.
وفي نظام الأوراق المالية؛ تحاول الحكومة سد الحاجة النقدية بطباعة الأوراق النقدية (بنك نوت) لأنها سهلة. وفي المثال السابق؛ إن الأوراق النقدية المتداولة مليونان من الليرات؛ فتحتاج الدولة لطباعة مليون و أربعمئة وثمانون ليرة من الأوراق النقدية لإيجاد التوازن في الأسواق، ولتوزيعها للمتضررين من الربا. ولكن بدلا من ذلك، كثيرا ما يوزع كمية كبيرة من تلك العملات إلى المشروعات الموالية للحزب الحاكم لترغيبهم في الإستثمار أو لأهداف أخرى والتي يعود نفعها في نهاية المطاف للحزب الحاكم. فيزداد بذلك الإضطراب في التوازن الإقتصادي. ويصبح الأشخاص الموالون للحكومة يتحكمون بأموال هائلة في وقت قصير. ويشترك في ذلك بعض السياسيين والبيروقراطيين بشكل غير شرعي.
ويستورد الأغنياء السلع الوضيعة ويبيعونها بأسعار منخفضة للسيطرة على المال والخدمات المالية. ولإنهاك أصحاب المتاجر والفلاحين. ويظهر في المجتمع صنفان متضادان؛ الأول دخلهم مرتفع جدا والثاني منخفض جدا. فيصبح الناس كعاملين أحدهما قد مات من العطش والآخر قد غرق.
وازدياد مقدار العملات المتداولة في الأسواق الحرة يخدم الأغنياء فقط، لأنهم في هذه الحالة يستطيعون رفع أسعار منتجاتهم. وعلى سبيل المثال فإنهم كانوا يبيعون طنين من السكر قبل سبع سنوات لسد دين مقداره ألف ليرة، أما الآن فيكفيهم بيع 513 كغم من السكر لنفس الغرض، وفي هذه الحالة يكون المدين رابحا، لذا يُزاد في القروض إذا عجز عن الدفع في الوقت المحدد. كما أن البنوك تضطر لرفع نسبة الربا لتعويض الأضرار التي لحقت بسبب ازدياد الأسعار. ويصبح العيش صعبا. عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُنَّ قَالَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلَاتِ».[10]
وعن عون بن أبي جحفة عن أبيه قَالَ: «لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ ».[11]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا: «رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى أَرْضٍ مُقَدَّسَةٍ فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قَائِمٌ وَعَلَى وَسَطِ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ فَإِذَا أَرَادَ الرَّجُلُ أَنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجُلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ فَجَعَلَ كُلَّمَا جَاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كَانَ فَقُلْتُ مَا هَذَا فَقَالَ الَّذِي رَأَيْتَهُ فِي النَّهَرِ آكِلُ الرِّبَا».[12]
وعن الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةً آكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَالْحَالَّ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ وَمَانِعَ الصَّدَقَةِ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ».[13]
ث. سلوك المرابين
قال الله تعالى: «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (البقرة، 2/ 275).
وقال الرازي: القوم كانوا في تحليل الربا على هذه الشبهة ، وهي أن من اشترى ثوباً بعشرة ثم باعه بأحد عشر فهذا حلال ، فكذا إذا باع العشرة بأحد عشر يجب أن يكون حلالا ، لأنه لا فرق في العقل بين الأمرين[14].
ويوجد بين هذين الأمرين تشابه مع وجود خلافات يسهل التفريق بينهما. كالتشابه بين عصير العنب المختمر وهو الخمر، وعصير العنب غير المختمر، وكلاهما من عصير العنب؛ لذا لا يقال على الخمر بأنه ذات عصير العنب، الأول حرام لأنه أصبح مسكرا أما الثاني حلال لأنه من المشروبات العادية. فالبيع والربا أمران مختلفان. لذا قيل للأول دَينًا وللثاني بيعًا. ويستلم الدائن نفس ما أقرضه من حيث الكمية والنوعية؛ أي أنه لو أقرض 10 ليرات فهو يستلم 10 ليرات. والربا زائدة عطلت بها تلك العينية. وبيع سلعة سعرها الحالي 10 ليرات بـ 11 ليرة مؤجلا ليس من الربا؛ لأن 11 ليرة تعتبر سعرا لتلك السلعة؛ فالتزايد والتناقص في أسعار السلع شيء معروف في التسوق؛ لأنه لا يشترط في البيع أن يكون السعر واحدا، حتى إن السلع من نفس النوعية تباع مرة ب10 ليرات ومرة ب11 ليرة أو غير ذلك من الأسعار المتقاربة حسب الإتفاق بين المشتري والبائع. وهذا جائز بشرط أن لا يكون هناك خداع.
وهنا خلافات أخرى بين البيع والربا غير ذلك الخلاف… فالبيع مثلا يكون نقدا، والدين ليس كذلك. فلا يُعقل أن أحدا يستدين دينا بشرط أن يعيده على الفور. فيلزمه التأجيل ولو لمدة قصيرة. ويجوز لمن اشترى سلعة بـ 8 ليرات أن يبيعها بـ 10 ليرات، فهو في هذه الحالة قد ربح ليرتين. ولكن لا يجوز المراباة بهذا الطريق. وسنقف على هذه المسألة في موضوع “الربا”. إن شاء الله تعالى.
ونقل الرازي عن القائلين بتحليل الربا قولهم: «فالبياعات إنما شرعت لدفع الحاجات ، ولعلل الإنسان أن يكون صفر اليد في الحال شديد الحاجة ، ويكون له في المستقبل من الزمان أموال كثيرة، فإذا لم يجز الربا لم يعطه رب المال شيئاً، فيبقى الإنسان في الشدة والحاجة ، أما بتقدير جواز الربا فيعطيه رب المال طمعاً في الزيادة ، والمديون يرده له عند وجدان المال ، وإعطاء تلك الزيادة عند وجدان المال أسهل عليه من البقاء في الحاجة قبل وجدان المال ، فهذا يقتضي حل الربا كما حكمنا بحل سائر البياعات لأجل دفع الحاجة».[15]
لو كان دفع الحاجة علة في التحليل، لأصبحت السرقة والزنا والكذب وغيرها من المحرمات حلالا عند الحاجة؛ ولأصبح مرتكب المحرمات معذورا معقولا.
البيع والربا يمكن قياسهما بالزواج والزنا. كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَا ظَهَرَ فِي قَوْمٍ الرِّبَا وَالزِّنَا إِلَّا أَحَلُّوا بِأَنْفُسِهِمْ عِقَابَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ».[16] ذلك أن صنيع الزوج حين يقضي وطره من امرأته يشبه تماما بصنيع الزاني حين يقضي وطره ممن يزني معها. ولكن النكاح حلال ويقصد به اقامة الأسرة ويترتب على كل واحد من الزوج والزوجة واجبات وحقوق. أما الزنا فليس كذلك، فهو لا يتجاوز عن أداء شهوة لحظات تنتهي بالندم.
قال أ. د. صبري أورمان في إجتماع عقد في وقف السليمانية:
وحين ننظر إلى العلاقة الزوجية بالنكاح الصحيح والعلاقة خارج نطاق الزوجية (العلاقة المقامة بين الجنسين بدون النكاح أو بنكاح فاسد)، من حيث نتائجها السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والنفسية، يمكننا أن نرى نفس النتائج في البيع والربا. فترى بينهما التشابه. بين نتائج النظام الذي يعتبر فيه الربا حلالا؛ ونتائج النظام الذي لايقبل فيه الربا حلالا، الفرق بينهما شاسع وكبير. وبإستقراء الموضوع نجد أنه من المستحيل أن يتوافق النظام الربوي مع الهيكل الإسلامي عموما. لذا يمكننا أن نقول؛ إن تحريم الربا هو ذكر المنهيات مقابل ذكر المباح. وبمعنى آخر؛ أنه لو لم يكن الربا حراما لما أمكن إقامة مجتمع أخوي على الإطلاق.كما لا يمكن أن ينشأ في المجتمع من يقوم بمهمة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على وجه صحيح. وهو من الأمور الأساسية في الإسلام. وخلاصة الأمر؛ إن تحريم الربا ضروري في الإسلام لأنه يوجد بين النظام الربوي وبين النظام الإسلامي الذي يحرم الربا فرق كبير يعتمد على أسس منطقية سليمة، هذه الأسس تهدف إلى تحقيق مصالح المجتمع وسلامته جنبا إلى جنب مع مصالح الفرد وسلامته. ولا يقال هذا في النظام الربوي. وقد نرى ذلك واضحا في قوله تعالى: «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (البقرة، 2/ 275).
وجعل البيع مثل الربا هو موقف شيطاني. لو كان الربا هو البيع لأمكن للبنوك التجارة. ومن المعلوم أن البنوك الربوية لا يصح لها أن تقوم بالتجارة في جميع أنحاء العالم.
وفي الدول التي تتعامل بالربا، يحتاج المرابون إلى تصريح من قبل السلطة المختصة ليتمكن من إعطاء القروض الربوية. وهذا يدل على أن الربا محظور فيها أيضا إلا أن يتم تحت مراقبة السلطة المعنية. ومعنى ذلك أن المعاملة الربوية فيها مأذونية وليس لها مشروعية. وإذا دل هذا على شيء فإنما يدل على أن تحريم الربا في القرآن الكريم هو تحريم شمولي يشمل جميع العصور والأمصار.
[1] التفسير الكبير لفخر الدين الرازي (المتوفى. 606/ 1209)، مصر 13/ 1938. جـ : 7 صـ: 91.
[2] ابن رشد (المتوفى. 520/ 1226) مقدمات مع المدونة الكبرى. جـ : 3 صـ 18. المطبعة الخيرية، 1314؛ ابن العربي أحكام القرآن دار إحياء الكتب العربية، 195جـ 1 صـ 241. ويتحدث ابن العربي هنا عن ما نتج عن المعاملة الربوية. كما نقلناه في الأعلى.
[3] أبو داوود، مناسك، 57، رقم الحديث: 1950.
[4] سنن الدارمي ، البيوع / 42.
[5] صحيح مسلم، مساقات، 1033 (596).
[6] صحيح مسلم، مساقات، 102 (1596)؛ سنن النسائي، البيوع، 50.
[7] صحيح البخاري، البيوع، 70. مساقات، 101 (1596).
[8] الجامع لأحكام القرآن لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (671/ 1272) دار الكتب العلمية 1408/ 1988. جـ 3 ، صـ 240. تفسير الآيات 276-280 من سورة البقرة.
[9] مسند أحمد بن حنبل، جـ 1، صـ 395
[10] صحيح البخاري، كتاب الوصايا 23. صحيح مسلم، كتاب الإيمان 145.
[11] صحيح البخاري، كتاب البيوع 25.
[12] صحيح البخاري، باب آكل الربا وشاهده وكاتبه.
[13] مسند أحمد بن حنبل، جـ 1، صـ 87 و 394.
[14] تفسير الرازي، عندة تفسير الآية 275 من سورة البقرة.
[15] تفسير الرازي، عندة تفسير الآية 275 من سورة البقرة.
[16] مسند أحمد بن حنبل، 2/ 402، دار الفكر.
أضف تعليقا