المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسولنا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين. أما بعد.
قال الله تعالى ذاكرا قول الشيطان: «فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ» (الأعراف، 7 / 16-17).
فالشيطان يكون من الجن، كما أنه يكون من الإنس كذلك، وهو يُقيم فخه على الطريق الصحيح ليضل الناس عنه، ومن أكبر فخوخه الشرك بالله. لقد أخبر الله تعالى أنه لا يغفر الشرك؛ فقال: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا» (النساء، 4 /48).
معنى الشرك
قال ابن فارس: “الشين والراء والكاف أصلان، أحدهما يدلّ على مقارنة وخلافِ انفرادٍ، والآخر يدلّ على امتداد واستقامة. فالأول: الشركة، وهو أن يكون الشيء بين اثنين لا ينفرد به أحدهما، يقال: شاركت فلاناً في الشيء إذا صرت شريكَه، وأشركت فلاناً إذا جعلته شريكاً لك”.[1] وقال الجوهري: “الشريك يجمع على شركاء وأشراك، وشاركت فلاناً صرت شريكه، واشتركنا وتشاركنا في كذا، وشركته في البيع والميراث أشركه شركة، والإسم: الشرك”.[2] والشرك أيضاً الكفر، وقد أشرك فلان بالله فهو مشرك ومشركيّ.[3]
والإشراك بالله هو الإعتقاد أنّ شخصاً ما يملك صفة من الصفات الخاصة لله تعالى، وكثيرا ما يكون ذاك الشخص ممن يُعرفون بأنهم من عباد الله المقربين. والشياطين بدورها توحي أنّ هذا الشخص وليٌ لله تعالى، ويعين الناس في توصيل أمورهم إلى الله، فهو وسيط وشفيع بينهم وبين الله، فإن كان الأمر كذلك فلا بد من وجوب التسليم لهذا الولي المزعوم بوصفه شريكا لله تعالى.
القرآن الكريم والعقل السليم هما اللذان يحميان المسلم من الوقوع في هذا الفخ، ومن لا يُعمِل عقله في تدبر القرآن الكريم فإنه سيقع حتما فريسة لشياطين الإنس والجن حيث يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، وتتسلل أفكارهم الضالة إلى من لم تتحصن عقولهم بفهم الكتاب العزيز، ومن أخطر هذه الأفكار أنّ الدين ليس أمرا عقليا وكذلك القرآن لا يمكن لجميع الناس فهمه. يحاول الشيطان بهذا الزعم أن يبعد الناس عن القرآن وعن التفكير الصحيح، ولا يقف عند هذا الحد، بل ويقترح للناس كتابا آخر غير القرآن، ويأمرهم أن يقرؤوه ويقدسوه. ومن يقع في هذا الفخ لا يقصر في تعظيمه للقرآن الكريم فحسب، بل سيدّعي أنه لا يمكن لأحد أن يفمه، وبالتالي يصبح القرآنُ لديه كتابا مقدسا جافا لا ينفع ولا يضر. كما يأتي الشيطان _سواء كان من الجن أم من الإنس_ بأنواع من العبادات الجديدة المبتدعة ليطمئن أتباعه بأنهم على طريق صحيح بكثرة العبادات. وهؤلاء الأتباع يقبلونه على أنه وليٌ لله تعالى، وفي الحقيقة قد أصبحوا عبادا لهم من دون الله. وهم بذلك قد قطعوا صلتهم بالله تعالى ففقدوا ثقتهم بأنفسهم وضلوا عن الطريق الصحيح وهم يحسبون أنهم مهتدون. قال الله تعالى: «وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ. وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ» (الزخرف، 43 /36-37).
والحديث بإسم الله كذلك يعتبر فخا يقع فيه الكثيرون، ويعتمدون في حديثهم هذا على عظمة قدرة الله، أو كلام العلماء، أو ما يوجد من الخرافات في الكتب. ومن الواجب أن يكون القرآن هو المصدر الأساس في الموضوعات الدينية ليصان فهمنا من الخطأ، ولكن تفسير آيات القرآن الكريم على شكل يؤيد تلك الأفكار الخاطئة يزيد الطين بلة.
ونهدف في هذا الكتاب بيان الفخاخ التي يقع فيها المستهد الجديد بسهولة في ضوء القرآن الكريم والتنبيه عليها، راجيا من القراء الكرام أن ينبهونا إلى أخطائنا التي تصدر عنا بدون قصد منا.
إنّ فهم الحقائق سهل ولكن القبول صعب. قال الله تعالى: « وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (التوبة، 9 / 115). وقال أيضا: « وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ. وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ» (العنكبوت، 29 /68-69).
الجهد منّا ومن الله تعالى التوفيق
أ.د عبد العزيز بايندر
أضف تعليقا