الفطرة ونزاع الهوى
يبدأ الإنسان منذ طفولته بقراءة آيات الله تعالى؛ تلك الآيات المسطورة في صفحة هذا الكون الممتد الفسيح .. في السماء والأرض والجبال والشجر والدواب وفي نفسه.. كما قال الله تعالى: «سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ » (فصلت، 41 / 53).
والآيات التي يقرؤها الإنسان في الآفاق والأنفس تخبره بوجود خالق يتصف بالوحدانية؛ نظرا لذلك الإنسجام العجيب والتناسق التام الذي يحكم حركة هذا الكون، والذي لا يمكن لآلهة متعددة مختلفة الإرادات أن يصدر عنها هذا النظام المحكم البديع، لذا يبدأ الإنسان منذ طفولته يبحث عن الله تعالى ويوجه لمن حوله أسئلة كثيرة، وبعد أن يشاهد الأدلة والبراهين، يتبين له وجود الله ووحدانيته. كأن الله سبحانه وتعالى يسأله «ألست بربكم» فيجيب الإنسان بكل ثبات وقرار «بلى أنت ربي وأنا أشهد على ذلك». وهذا الموقف يتكرر في كل لحظة من لحظات الحياة. فكلما يرى الإنسان آيات الله في الآفاق والأنفس يزداد إيمانا وتصديقا بالله. وعلى ذلك يمكننا القول بأن كل إنسان يؤمن بوجود الله ووحدانيته وبأنه خالق كل شيء.
والمشرك هو من أشرك بالله تعالى، ويكون الشرك بين اثنين على الأقل، أحدهما يكون دائما هو الله الإله الحق، والثاني يختلف أي: ما يتخذ إلها من دون الله. ومن عرف وجود الله وواحدانيته، لا يبقى له مبرر في زعمه أن يقول يوم القيامة: «… إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ» (الأعراف، 7/173).
وسن البلوغ له أهمية خاصة، لأن المسؤولية تبدأ به. والإنسان في هذا السن يشهد لله بالوجود والوحدانية المطلقة وبأنه ربه ورب كل شيء، ولو خالف ذلك ما وجد عليه آباءه ومن حوله. ولكن البعض يعترف بذلك، والبعض الآخر لا يعترف إلا عند حدوث واقعة مهلكة فحينئذ يتضرع إلى الله وحده.
والملاحدة هم الذين يُقال عنهم بأنهم لا يعترفون بإله خالق. وهم يكذبون في ذلك وفي حقيقة الأمر هم يعرفون وجود إله خالق، إلا أنهم لا يريدون الإعتراف بغية دفع استحقاق الإيمان عن كواهلهم، فهم لا يريدون أن يتدخل ذلك الإله الخالق في شؤون حياتهم. وهم بهذا يؤَلّهون أنفسهم ويشرعون لأنفسهم شرعا يوافق هواهم. أما المشركون فيتخذون مع الله آلهةً أخرى، ويجعلونها ندا لله، والكل يعرف بأنه لا ند لله ولا شريك له، وينقضون العهد من بعد ميثاقه، قال تعالى «الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ» (البقرة، 27). لأن من جعل مع الله إلها آخر فقد قطع الصلة بينه وبين الله.
أضف تعليقا