هل يوجد ثمة عقوبة دنيوية على الربا والمرابين
بحسب قانون القرآن والسنة؟
الأستاذ الشيخ علي رضا دميرجان
ملاحظة: (مجموعة الأحكام والقوانين المبيّنة في هذه المقالة لا توجه إلى مجتمع علماني أو إلحادي وإنما إلى مجتمع يستوحي نظامه وقوانينه من القرآن والسنة).
في الآية 39 من سورة الروم المكية ذكر الله جل شأنه أن الربا لا يربو عنده ثم أثنى على الصدقة على اعتبار أنها نقيض الربا. وفي الآية 130 من سورة آل عمران المدنية حرّم الله تعالى أكل الربا أضعافا مضاعفة، وفي الآية 275 من سورة البقرة حرم سبحانه كلَّ أنواع الربا، ثمّ توعد الذين يستمرون في أكل الربا بعد أن علموا تحريمه بالعذاب الأليم في جهنم. ولم يكتف القرآن بوعيد المرابين بالعذاب الأخروي إنما هددهم بحرب من الله ورسوله في الدنيا، وهم تحت طائلة التهديد حتى ينتهوا عنه. وحرب الله ورسوله يتولاها القائمون على أمر المسلمين من حاكم أو دولة. (انظر سورة البقرة، 275، 278، 279)
وقد ظهر من خلال تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الآيات أنه لم يقصر تحريم الربا على المسلمين فحسب، وإنما تعدى بذلك إلى غير المسلمين الذين كانوا قد دخلوا في ذمة الله ورسوله أي دخلوا تحت سيادة دولة المسلمين.
ومثال ذلك ما تضمنه اتفاق الذمة مع أهالي نجران[1] وأهالي الطائف[2] حيث كان من الشروط أن لا يتعاملوا بالربا، وقد أوضح النبي لهم أن الحصانة المنصوص عليها في العقد لا يمكن أن يستفيد منها الذين يقومون بانتهاك حظر التعامل بالربا.
وما أشرنا إليه أعلاه يدل عليه قوله تعالى في الآية 279 من سورة البقرة {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} أي من النظام الإسلامي[3].
يظهر من الآيات 39 من سورة الحج و91 من سورة النساء و190 من سورة البقرة أنه لا يصح البدء في الحرب إلا إذا بدأها العدو، لذا لا بد من اعتبار التعامل بالربا بالرغم من حظره هو إعلان للحرب. ولهذا السبب جاء في الآية 179 من سورة البقرة {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (البقرة، 279) والتقدير اعلموا أنكم كما فتحتم الباب للحرب فإنكم ستحاربون.
وقد استخدم في هذه الآية كلمة (الحرب) ، واعتماد النظام الربوي والعمل به يعتبر إعلان حرب من المرابين، لذا كان فعلهم المبرر لجماعة المسلمين لشن الحرب لكبحه.
امتنعت بعض القبائل عن دفع الزكاة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقد اعتبر أن ذلك وجه من وجوه الفساد الذي سيطال المجتمع برمته، لذا جمع الصحابة وقرروا محاربة مانعي الزكاة، ولا بد أنهم استندوا على دليل شرعي لتحركهم، وربما استلهموا الآية 33 من سورة المائدة. وعلى ضوء ذلك يمكننا فهم مسألة اعتماد الربا كنظام اقتصادي بإنه مفسدة للفرد والمجتمع على حد سواء، وقد اعتبر القرآن الكريم ذلك حربا يجب أن تواجه لصدها. ويمكنني أن أورد مزيدا من التوضيح:
ذكرنا أن ممارسة الربا بشكل علني وقيام آكلي الربا بتأسيس نظام ربوي في ظل السيادة الاسلامية يعطي الحكومة الاسلامية الحق أن تكبح جماح هؤلاء حتى لو استدعى ذلك استخدام القوة ضدهم، سواء أكان هؤلاء من المسلمين أم من غير المسلمين. ولم تكن الآية 279 من سورة البقرة هي المحدد الوحيد في الأمر، بل إن الآية 33 من سورة المائدة تدعم ذات التوجه حيث قال الله تعالى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (المائدة، 33)[4]
وقد قرنت الآية بين فعلي الحرب على الله ورسوله وبين الفساد في الأرض، وقد عرفنا من الآية 229 من سورة البقرة أن الذين يؤسسون النظام الربوي إنما يحاربون الله ورسوله. وهذا النظام يفتح الطريق واسعا أمام استغلال الناس وخاصة الفقراء منهم، وكفى به من فساد مبين.
ولذلك يُفهم من الآية 33 من سورة المائدة مشروعية محاربة نظام الربا باعتباره ظاهرة اجتماعية فاسدة.
قال الله تعالى {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ (المقصود هنا الدولة الاسلامية وما يمكن أن يطلق عليه البلاد الإسلامية) وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (المائدة، 33) وبحسب الآية 44 من سورة المائدة فإنه يقبل توبة المفسد إذا تاب قبل أن يتم القبض عليه من قبل الجهات المختصة { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (المائدة، 34)
بحسب القرآن والسنة فإن التعامل الفردي بالربا دون أن يكون مؤسييا ولا يشكل تهديدا للنظام العام للدولة الاسلامية سواء أكان هؤلاء الأفراد المرابين مسلمين أو غير مسلمين فإنه يمكن للدولة أن تحاربهم. والحرب بحق هؤلاء ليس القتل والمواجهة المسلحة، وإنما يكمن بمنع هؤلاء من ممارسة نشاطاتهم الربوية بالطرق القانونية والحقوقية المالية.
والأساس في ذلك ما قرره القرآن الكريم من وجوب أن يكون الجزاء على قدر الجريمة لا يزيد عنها كما ورد في الآية 40 من سورة الشورى:
{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (الشورى، 40)
هذه الآية ومثيلاتها تصلح لأن تكون دستورا في قانون الجزاء الاسلامي، فبالإمكان تطبيق قاعدة الجزاء بالمثل بحق آكلي الربا كحرمانهم من بعض الحقوق التجارية كالتصدير والتوريد. وبذلك يغرم آكلي الربا من جنس ما اكتسبوا من غير وجه حق[5].
وفي ختام مقالتي هناك سؤال يطرح نفسه: نحن كمسلمين نعيش في مجتمع علماني ونظام علماني هل من واجبنا أن نحارب الربا والمرابين؟ والإجابة على هذا السؤال تجدونها في الحاشية[6]
[1] كان النبي صلى الله عليم وسلم يشترط على من أرادوا الدخول في ذمة الله ورسوله أن يتركوا الربا، وقد بيَّن لنصارى نجران أنه لن تنعقد لهم الذمة إذا لم يدعوا التعامل بالربا، وقد خيرهم قائلا: ” أما أن تتركوا الربا وإما أن تأذنوا بحرب من الله ورسوله” حمدي يازر، حق ديني قرآن دلي، البقرة 279. انظر كذلك محمد حميد الله ، اسلام النبي، مادة 1029
[3] كان من ضمن شروط أهل الطائف ليصبحوا مسلمين إذن النبي لهم بالربا ، لكن النبي صلى الله عليه وسلم رفض هذا الشرط. TT.D.Vakfı İslâm Ans. 10/1008
[4] يمكننا أن نتصور الحرب على رسول الله حال حياته إلا أن ذلك متعذر بعد وفاته ، لكن لا يمكن أن نتصور الحرب على الله تعالى أبدا لذلك يمكننا القول بأن تعبير يحاربون الله ورسوله مجازي يقصد به محاربة دولة المسلمين.
[5] أورد السيوطي سبب نزول الآية 275 وما بعدها من سورة البقرة بقوله: إن هَذِه الْآيَة نزلت فِي بني عَمْرو بن عَوْف من ثَقِيف وَبني الْمُغيرَة من بني مَخْزُوم كَانَ بَنو الْمُغيرَة يربون لثقيف فَلَمَّا أظهر الله رَسُوله على مَكَّة وَوضع يَوْمئِذٍ الرِّبَا كُله وَكَانَ أهل الطَّائِف قد صَالحُوا على أَن لَهُم رباهم وَمَا كَانَ عَلَيْهِم من رَبًّا فَهُوَ مَوْضُوع وَكتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي آخر صحيفتهم أَن لَهُم مَا للْمُسلمين وَعَلَيْهِم مَا على الْمُسلمين أَن لَا يَأْكُلُوا الرِّبَا وَلَا يؤكلوه فَأتى بَنو عَمْرو بن عُمَيْر ببني الْمُغيرَة إِلَى عتاب بن أسيد وَهُوَ على مَكَّة فَقَالَ بَنو الْمُغيرَة: مَا جعلنَا أَشْقَى النَّاس بالربا وَوضع عَن النَّاس غَيرنَا
فَقَالَ بَنو عَمْرو بن عُمَيْر: صولحنا على أَن لنا ربانا. فَكتب عتاب بن أسيد ذَلِك إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت هَذِه الْآيَة (فَإِن لم تَفعلُوا فأذنوا بِحَرب) (الْبَقَرَة الْآيَة 279) (الدر المنثور جلال الدين السيوطي الاية 275 من سورة البقرة، 2/102)
[6] هل يقع على عاتقنا أن نبادر بالحرب على ثقافة الربا؟
في الآية 39 من سورة الروم المكية ذكر الله جل شأنه الربا وفي الآية 130 من سورة آل عمران المدنية حرم الله تعالى أكل الربا أضعافا مضاعفة، وفي الآية 275 من سورة البقرة حرم الله تعالى كل أشكال الربا تحريما باتا. والحكم البات بتحريم الربا قد استغرق سنوات لتقريره بشكله الأخير.
51 بنكا و1200 نيف شعبة بنكية و212000 من العاملين شكلت بنية الاقتصاد الربوي في بلادنا، ويستحوذ هذا النظام على 50 مليار سنويا من اقتصاد دولتنا.
اعلان الحرب على النظام الربوي الوارد في الآية 279 من سورة البقرة مسؤوليتنا جميعا، وقد أمر الله تعالى وقف التعامل بالربا ومن ثم اعلان الحرب على آكليه. ونحن إذ نعلن الحرب عليهم فإن الله تعالى سيعذبهم بأيدينا لأنهم من بدأ الحرب علينا {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ} (البقرة، 14) ومسؤولياتنا مقيدة بقدراتنا {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا} (التغابن، 16). وحتى تكون مجادلتنا ناجحة فلا بد من اعتماد المراحلية في تكريس مبادي القرآن كمنهج القرآن المراحلي في تحريم الربا.
وبناء على ذلك فلا بد من فتح المعركة الثقافية ضد الربا ونظامه، وينبغي التوضيح أنه السبب الرئيسي في معاناة الفقراء وظلمهم، كما ينبغي التصدي للدعاية الفاسدة التي تثار حول كون النظام الربوي هو الأساس في الاقتصاد المعاصر وتوضيح أنه السبب في تعاسة الانسان وتسلط الاغنياء وسحق الفقراء حتى يبدو هذا النظام للناس شاحبا ومجردا عما أُلصق به من منافع، ولا ننسى في كل لحظة أن نذكِّر الناس أنه مدعاة لسخط الله تعالى . بالاضافة الى ذلك ينبغي تشجيع نظام الشراكة الفعلية بين راس المال والقوى العاملة لتحقيق التوزيع العادل للثروة والنمو والتقدم.
والله أعلم بالصواب. وما قدمناه من إجابة هو عمل بحثي يشكل مقدمة لمزيد من البحث حول هذا الموضوع.
اهلا وسهلا بحضرتك سيد جمال وعندى سؤال بخصوص آية الحرابة تتحدث عن (بتر اليدين وقطع الارجل من خلاف وكذا الصلب والنفي) أليست هذه الصفات من العقوبات القرآنية أمر بها (فرعون موسى) أيضا عندما هدّد بها أتباعه بالقطع والبتر والصلب؟! اقرأ قول الله تعالى حكاية على لسان فرعون (فلسوْف تعلمون لاقطعن أَيديكم وأرجلكم من خلافٍ ولأصلبنكم أجمعين) وفي آية آخرى (لأقطعنّ أيديكم وأرجلَكم من خلاف ثم لأصلبنّكُم أجمعين). هنا اللغز واللفتة! ففي آية (انما جزاء الذين يحاربون الله…) جاءت العقوبات في حق من وصفتهم الآية. فالله تعالى يأمر بتنفيذ العقوبات على المعتدين الساعين في الأرض الفساد! وكذلك (فرعون موسى) يأمر بعين العقوبات وتنفيذها بحق الخارجين عن طاعته من الذين ءامنوا وسجدوا لله العظيم الكبير المتعال. ما وجه الشبه في تشابه العقوبات أو التداخل بين الموقفيْن في كلا الأمرين؟ أو ليست العقوبات وتلكم الصفات والوصفات من قانون فرعون سنّه لجنده من بعده ومن دأب أتباعه جيلا بعد جيل بعيدا عن حكم الله سبحانه؟! ارجو الرد سيد جمال وشكرا جزيلا لحضرتك
تشريعات القرآن هي التشريعات التي نزلت على الأنبياء منذ نوح عليه السلام، حيث يقول الله تعالى:
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ (الشورى 13)
والجزاء الذي نصت عليه آية الحرابة لا بد أن يكون معروفا قبل فرعون كجزاء لمن يسعى في الأرض بالفساد، لكن فرعون شأنه كشأن المتألهين يعطي الفساد في الأرض معنى مختلفا ويحصره في الخروج على رأيه ومخالفة معتقداته، وهذا جزء من تصوره أنه إله لا يصح لأحد مجرد مخالفته ولو بالرأي. لهذا اختار أن تكون عقوبة السحرة الذين آمنوا برب موسى وهارون هي ذات عقوبة الإفساد في الأرض.
والله تعالى أعلم