النَّهي عن الإسراف في الأمر كلِّه :
قال اللهُ تعالى : {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأعراف، 31) والإسراف هو تجاوزُ الحدِّ في كلِّ شيءٍ. فالإسراف في الطَّعام _مثلاً_ يؤدِّي التخمة ومن ثم تعريض الجسم إلى العديد من الأمراض، كما أن فالإسراف في الطَّعام يؤدي إلى الجَوْر على مصادره، فيَقِلُّ العرض ويزيد الطلبُ وترتفع الأسعارُ ويزداد الفقر.
والإسراف في استعمال المياه يؤدي إلى ازدياد الضَّغط على موارده حتى تفقدَ القدرةَ على تجديد نفسها، لذا جاء بيانُ النَّبيِّ مُحذِّراً من الإسراف فيه حتى في ظلِّ وفرة موارده .
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص، أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم مرَّ بسعد وهو يتوضَّأ، فقال: ” ما هذا السرف يا سعد؟ ” قال: أفي الوضوء سرَفٌ ؟ قال: ” نعم، وإنْ كنتَ على نهرٍ جار “[1]
وكلام النَّبيِّ هذا جاء على ضوء قوله تعالى : {كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ} (البقرة، 60)
ولا شكَّ أنَّ الاستخدام الجائر للمياه يؤدي إلى تلوُّث مصادره سواء كانت أنهاراً أو آباراً ارتوازيَّة، وهو صورة من صور الإفساد.
ودور الانسان لا يقتصر على الأكل والشُّرب دون سرف ، بل لا بدَّ أن يعمل ويجدَّ ويجتهد ويبتكر وأن يُطوِّر الوسائل التي يحصل من خلالها على طعامه وشرابه. قال الله تعالى : {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الجمعة، 10)
ثم يدعو سبحانه إلى العمل الدؤوب والمنافسة في اتقان العمل بقوله : {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (التوبة، 105)
وقد كان النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يحثُّ على كلِّ عملٍ من شأنه أن ينفع الناس وبيئهتم كقوله : (إن قامت السَّاعة وبيد أحدكم فسيلةٌ فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل)[2] والمقصود من كلام النبي التشجيع على العمل والانتاج حتى الرمق الأخير من حياة الإنسان.
ومن المعلوم أنَّ الانتاج والعمل لا خير فيهما إذا قُرنا بالسرف والترف، لذا جاء بيان القرآن الكريم بضرورة الاقتصاد بالنفقة وعدم هدر الأموال التي يكتسبها الانسان بجهده وقده، وهذا لا يعني إقتاره وبخله، بل التوسط في الأمور كلها. قال الله تعالى {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} (الإسراء، 29) .
أضف تعليقا