بيان الدواء الذي ينفي مرض الحسد عن القلب
الحسد أَن تتمنى زوال النعمة عن غيرك. وقيل إن الحسد مشتق من الحَسْدَلُ وهو القُراد (حشرة صغيرة تمتص الدم) ، فإن الحسد يقشر القلب كما تقشر القراد الجلد فتمتص دمه[1]. فالحسد من أعمال القلب كالبغض والخوف والحزن وما إلى ذلك.
ولا شك أنه المحرك نحو البغي والإفساد، فهو داء القلوب الأشد خطرا لما ينتج عنه من تهييج النفس على البغضاء، وقد ينفلت عقال الشخص فيظلم أو يبغي. فالمصيبة لا تكمن في مجرد الحسد، بل بتراكمه في قلب الإنسان حيث يجره إلى البغي والعدوان والكراهية.
وقد أسهب الغزالي رحمه الله في ذكر علاج الحسد فقال:
اعلم أن الحسد من الأمراض العظيمة للقلوب، ولا تداوى أمراض القلوب إلا بالعلم والعمل. والعلم النافع لمرض الحسد هو أن تعرف تحقيقاً أن الحسد ضرر عليك في الدنيا والدين، وأنه لا ضرر فيه على المحسود في الدنيا والدين بل ينتفع به فيهما. ومهما عرفت هذا عن بصيرة ولم تكن عدو نفسك وصديق عدوك فارقت الحسد لا محالة. أما كونه ضرراً عليك في الدين فهو أنك بالحسد سخطت قضاء الله تعالى، وكرهت نعمته التي قسمها بين عباده، وعدله الذي أقامه في ملكه بخفي حكمته، فاستنكرت ذلك واستبشعته. وهذه جناية على حدقة التوحيد وقذى في عين الإيمان، وناهيك بهما جناية على الدين. وقد انضاف إلى ذلك أنك غششت رجلاً من المؤمنين وتركت نصيحته، وفارقت أولياء الله وأنبياءه في حبهم الخير لعباده تعالى، وشاركت إبليس وسائر الكفار في محبتهم للمؤمنين البلايا وزوال النعم
وأما العمل النافع فيه فهو أن يتحكم بالحسد؛ فكل ما يقضيه الحسد من قول وفعل فينبغي أن يكلف نفسه نقيضه، فإن حمله الحسد على القدح في محسوده كلف لسانه المدح له والثناء عليه، وإن حمله على التكبر عليه ألزم نفسه التواضع له والإعتذار إليه، وإن بعثه على كف الإنعام عليه ألزم نفسه الزيادة في الإنعام عليه، فمهما فعل ذلك عن تكلف وعرفه المحسود طاب قلبه وأحبه، ومهما ظهر حبه عاد الحاسد فأحبه، وتولد من ذلك الموافقة التي تقطع مادة الحسد، لأن التواضع والثناء والمدح وإظهار السرور بالنعمة يستجلب قلب المنعم عليه ويسترقه ويستعطفه ويحمله على مقابلة ذلك بالإحسان، ثم ذلك الإحسان يعود إلى الأول فيطيب قلبه ويصير ما تكلفه أولاً طبعاً آخر.
ولا يصدنه عن ذلك قول الشيطان له: لو تواضعت وأثنيت عليه حملك العدو على العجز أو على النفاق أو الخوف وأن ذلك مذلة ومهانة، وذلك من خداع الشيطان ومكايده بل المجاملة – تكلفاً كانت أو طبعاً – تكسر سورة العداوة من الجانبين وتعود القلب التآلف والتحاب، وبذلك تستريح القلوب من ألم الحسد وغم التباغض[2].
للمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة (الحسد وعلاقته بالعين) على الرابط التالي: http://www.hablullah.com/?p=1337
أضف تعليقا