السؤال: وقع خلافٌ بيني وبين زوجتي وكنت في حالة غضبٍ شديد فطلقتها فهل يقع مثل هذا الطلاق؟
الجواب: يُعبر القرآنُ الكريم عن إرادة الطلاق بكلمة العزم وذلك في قوله تعالى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (البقرة، 227) والعزم لا يتأتى إلا بالإرادة القوية لإحداث الأمر، ولا تتوفر هذه الإرادة إلا بالقناعة التامة التي تبلورت عبر مدة من الزمن توصل فيها الزوج الى استحالة استمرار الحياة الزوجية مع زوجته لذا فإنه يقرر الطلاق متأكدا من صحة قراره، وهذا هو العزم.
والطلاق لا يحدث بمجرد العزم عليه، بل لا بد من إجراءات عملية تتمثل بالإشهاد عليه وإحصاء العدة بعد ذلك، وإحصاء العدة ضروري حتى يأخذ الزوج وقتا لمراجعة نفسه، ولهذا نقول بعدم وقوع الطلاق في حالة الغضب. ولا بد من تطبيق جميع الأحاكم الواردة في الآيات التالية من سورة الطلاق:
قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا. فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (الطلاق، 1-3).
فعقد الزواج من العقود ذات الأهمية البالغة، وقد وُصف في القرآن الكريم بالميثاق الغليظ[1]، فلا ينعقد إلا بوجود الشهود كما أنه لا ينتهي أثره بالطلاق إلا بوجودهم. والظاهر من الآية أن إشهاد شاهدين على الطلاق شرط تتوقف عليه صحة الطلاق؛ لأن كون المرأة طاهر عند إيقاع الطلاق، وكون زوجها لم يجامعها في ذلك الطهر – باعترافها هي أو بغير هذا من الوسائل- وكون عدتها انتهت فكل هذا لا يمكن إثباته إلا بحضور الشهود. من أجل هذا نحن نعتقد أن الطلاق دون حضور الشهود غير صحيح.
لقد جعل الله تعالى للطلاق قدرا ومقياسا كما جعله في كل الأشياء. وقد بينت الآيات السابقة ذلك القدر كما ذكرنا، وتطبيق النبي صلى الله عليه وسلم خير مثال على ذلك. فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه طَلَّق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عمرُ بنُ الخطاب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مُرْهُ فَلْيُراجِعها، ثم لْيُمسِكها حتى تَطهُرَ ثم تَحِيضَ، ثم تَطهُرَ، ثم إنْ شاء أَمسكَ بَعدُ، وإنْ شاء طَلَّق قبلَ أن يَمَسّ. فتلك العِدَّةُ التي أَمَر اللهُ أن تُطَلَّقَ لها النساءُ»[2]
قال عبدُ الله: فرَدَّها عَلَيَّ ولم يَرَها شيئا، وقال: «إذا طَهُرَتْ فلْيُطَلِّق أو لِيُمسِكْ». قال ابنُ عمرَ: وقَرَأَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن)[3]
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يفيد أن طلاق الغضبان لا يقع كما روي عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا طلاق ولا عتاق في إغلاق»[4] والإغلاق هو الغضب الشديد، وهذا الحديث ينسجم مع اشتراط العزم في قوله تعالى {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ}.
وللمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر: الطلاق (حق الرجل في إنهاء الحياة الزوجية) على الرابط التالي http://www.hablullah.com/?p=1476
[1] قال الله تعالى {وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} (النساء، 21)
[2] البخاري، الطلاق، 1،3،44،45، واللفظ له، تفسير سورة الطلاق، مسلم الطلاق 1، 14. النسائي، الطلاق 13، 15، 19. ابن ماجة ، الطلاق 1،3. الدارمي، الطلاق 1، 3. الموطأ، الطلاق 53. سنن أبي داود، الطلاق 4, الترمذي، الطلاق.
[3] سنن أبي داود، الطلاق 5، الحديث رقم 2185.
[4] أخرجه أبو داود (2193) ، والبيهقي في “السنن” 10/61 من طريق يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه إبراهيم بن سعد، به. وأخرجه ابن أبي شيبة 5/49، وابن ماجه (2046) ، وأبو يعلى (4444) و (4570) ، والطحاوي في “شرح مشكل الآثار” (655) ، والدارقطني في “السنن” 4/36، والحاكم 2/198 وقال على شرط مسلم، والبيهقي في “السنن” 7/355، وفي “السنن الصغير” (2688) ، وفي “معرفة السنن والآثار” (14809) وحسنه الألباني
أضف تعليقا