إعتبار كلام الناس كلام الله
الإنجيل هو الكتاب الذي أنزله الله تعالى على عيسى عليه السلام. قال الله تعالى: «وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» (المائدة، 5 / 47). ولكن الأناجيل الموجودة اليوم قد اختلط فيها كلام الناس. لأنّ معظمها يتكون من رسائل بولس وهي تشكل معظم الأناجيل، ومن كلام الحواريين وكما يوجد فيها رسائل لا يعرف كاتبها.
والأناجيل عند الكاثوليك، مقدسة بجميع أقسامها ومطابقة لشرائع الكنيسة. وكاتبها الله لأنها كتبت بوحي الروح المقدس.[1] وأن الله تعالى لا يزال يتكلم مع الكنيسة. وهي صوت الله الحي. [2]
أمّا القرآن الكريم فهو كتاب الله تعالى الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم. وهو آخر كتاب إلهي. ولم يعتريه كلام الناس أبدا. لأن الله تعالى تكفل بحفظه. كما قال الله تعالى: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ» (الحجر، 15 / 9). فلا يمكن إضافة شيء إليه، كما أنه محفوظ في صدور الملايين من الناس، كما ويوجد ملايين النسخ منه. ومن أجل ذلك فإن الذين يريدون تنظيم الدين وفقا لأهوائهم، يحاولون إبعاده عن حياة المسلمين، والإتيان بكتاب آخر. وقد نجح البعض في ذلك. فلكل جماعة (فرقة أو مذهب أو حزب) من الجماعات الإسلامية كتبا خاصة يتداولونها بدلا من القرآن الكريم. وعلى سبيل المثال: فرسائل النور بالنسبة لجماعة النور أقدس وأعظم التفاسير للقرآن الكريم. وما تبينه رسائل النور هو منزل من السماء أي من عند الله، كالقرآن تماما. وهي تتلى بتلاوة القرآن.[3] يقول سعيد النورسي: تنزل إلينا حقائق باطنية للقرآن الكريم مع رسائل النور. كما كان ينزل القرآن الكريم على شكل الوحي في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، تنزل حقائق باطنية ودلائل قطعية للقرآن في كل عصر من مكانه في العرش على شكل الفيض المعنوي والإلهام.[4] أي أن رسائل النور تنزل من المكان الذي نزل منه القرآن، كنزول القرآن عن طريق الوحي، فتأتيه _أي سعيد النورسي_ بالحقائق الباطنية للقرآن والدلائل القطعية على تلك الحقائق. وترى جماعة النور أنّ النّورسي لم يتحمل المشاق في تحصيل العلوم ولم يكن محتاجا إلى معاناة الدراسة في سبيل تحصيل العلم بل تنور قلبه وأصبح عالما بنفسه.[5] وهو كلام يعني ادعاء النبوة. كما أن قول سعيد النورسي، أنه نُزِّل إليه الحقائق التي لم تبين في القرآن الكريم، هو إدعاء بأن مؤلفاته أهمّ من القرآن الكريم. قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (المائدة، 5 / 67).
لو علّم اللهُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم تلك الحقائق التي ادعاها سعيد النورسي لَبَيَّنَها صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يجوز له كتمان ما علمه الله. فلا يبقى سوى احتمال واحد وهو أن يكون سعيد النورسي قد اختص بعلم تلك الأشياء. ولا يخفى أنّ في كلامه افتراءً على الله تعالى وانتقاصا لقدر نبيه صلى الله عليه وسلم.
ويكرر سعيد النورسي دعواه عدة مرات بأن رسائل النور مأخوذة من المكان الذي أخذ منه القرآن الكريم. وعلى سبيل المثال لا الحصر يقول: رسائل النور هي نور لم يؤخذ من ثقافة الشرق وعلومه ولا من فلسة الغرب وعلومه؛ بل هو مأخوذ من المكان الذي نزل منه القرآن السماوي من مكان عال في العرش الذي هو فوق الشرق والغرب.[6] ولم يقف سعيد النورسي عند هذا الحد بل تجازره قائلا: إنّ ثلاثا وثلاثين كلمة، وثلاثا وثلاثين مكتوبا، وواحدا وثلاثين لمعة المسميات برسائل النور هي آيات الآيات في القرآن الكريم. وبعبارة أخرى إنها مؤشرات تشير إلى حقائق الآيات القرآنية. ودلائل قطعية تثبت أن القرآن حق. ودليل قوي على الحقائق الإيمانية التي شملت عليها الآيات القرآنية.[7]
وحسب ادعاء النورسي فإنّ رسائل النور مصدقة للقرآن الكريم، كما أنّه مصدق لما بين يديه من التوراة والإنجيل. ومن أجل ذلك فإنّ آيات رسائل النور كانت دلائل آيات القرآن الكريم. وقد ادعى سعيد النورسي بأنه قد أُنزل على علي رضي الله عنه كتابٌ اسمه “السكينة” وقد شمل هذا الكتاب على كل العلوم والأسرار الماضية والمستقبلية كما يوجد فيه الإشارة إلى رسائل النور.[8] وبهذا يتقاسم سعيد النورسي المقام – مقام تلقي الوحي من السماء بعد النبي صلى الله عليه وسلم _ مع علي رضي الله عنه. وخلاصة كلامه كالتالي: وقد أنزل جبريل عليه السلام على حضن علي رضي الله عنه صحيفة مكتوبا فيها اسم الله الأعظم، وكان ذلك بحضور النبي صلى الله عليه وسلم، يقول علي رضي الله عنه: «رأيت جبريل على صورة علائم السماء، سمعت صوته، واستلمت الصحيفة ووجدت فيها هذه الأسماء». كان علي رضي الله يذكر هذه الأسماء مع بعض الحوادث من باب ذكر النعم. وهو يقول: «من بدء الكون إلى أن تـقوم الساعة قد كُشف لنا جميعُ العلوم والأسرار المهمة، فليسأل السائل عمّا أراده، ومن يشك في كلامنا فهو خاسر».[9]
والصحيفة التي شملت جميع العلوم والأسرار من بدء الكون إلى أن تقوم الساعة، لا يمكن أن تكون صحيفة، بل لا بد أن تكون كتابا كبيرا. كما أن التصديق بنزول الكتاب أو الصحيفة على علي رضي الله يقتضي اعتباره نبيا. وبما أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف ما اشتملت عليها تلك الصحيفة فهو (أي علي رضي الله عنه) يكون أعلى مرتبة منه صلى الله عليه وسلم. وقد رد الله تعالى على هذه المزاعم بقوله: «فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ» (البقرة، 2 / 79).
لقد قال سعيد النورسي كل ما خطر على باله في سبيل تقديس رسائل النور. حتى قال إن “الكلمات”[10] بصيص نوراني للقرآن الكريم. تبين من القرآن مواضع محتاجة للبيان. وهي في تمام الكمال فلا نقصان فيها.[11] ورسائل النور هي العروة الوثقى في هذا العصر وفي هذا التاريخ، أي حبل الله المتين، من تمسك بها نجا.[12]
وعبارتا “العروة الوثقى وحبل الله” من خصائص القرآن الكريم.[13] فإطلاق هاتان العبارتان على كتاب غير القرآن إنّما هو افتئاتٌ وتعدٍ عليه. وإمعانا منه في وصف رسائله بما ليس جديرا إلا بالقرآن فإنّه يقول: رسائل النّور هي كتاب الشريعة والدعاء والحكمة والعبادة والأمر والدعوة والذكر والفكر والحقائق والتصوف والمنطق وعلم الكلام وعلم الإلهيات وبروج الفن والبلاغة ومثبت الوحدانية، وهو يدحض المخالفين ويبهتهم.[14]
ويكثر التكرار في رسائل النور. فيقول سعيد النورسي عن ذلك مقارنا ذلك بالقرآن الكريم: يوجد في القرآن الكريم تكرار كثير لحكمة ما، وكذلك في رسائل النور يوجد تكرار لحكمة، من المعلوم أنه لا يمكن قراءة القرآن الكريم بتمامه في الوقت نفسه؛ لذا فقد تكرر فيه موضوعات كالحشر والتوحيد وقصة موسى عليه السلام. وعلى هذا المنوال قد تكررت الموضوعات في رسائلي بدون معرفتي، مثل الدقائق الإيمانية ودلائلها القطعية؛ فأنا أتعجب لماذا أملي مكررا. ثم أيقنت أنّ الجميع محتاج إلى رسائل النور في هذا العصر؛ بالرغم من ذلك فمن الممكن أن لا يقرأها بكاملها ولكن يمكن قراءة ما يحتاج منها على شكل رسائل قصيرة.[15] وسيُناقش هذا الموضوعُ مرةً أخرى من منظور مختلف إن شاء الله.
[1] التعاليم الدينة للكنيسة الكاثوليكية، الفصل، 105.
[2] التعاليم الدينة للكنيسة الكاثوليكية، الفصل، 79.
[3] İşârât’ulİcâz, Diyarbakır Sulh Ceza Mahkemesine, c. II, s. 1274.
[4] Şualar, Birinci Şua, Yirmidördüncü Ayet ve Ayetler, Üçüncü Nokta, c. I, s. 842.
[5] Şualar, Birinci Şua, c. I, s. 833.
[6] Şualar, Birinci Şua, c. I, s. 833.
[7] Şualar, Birinci Şua, Yirmiikinci Ayet ve Ayetler, c. I, s. 841.
[8] Sikkei Tasdiki Gaybî, Onsekizinci Lem’a, c. II, s. 2078.
[9] Sikkei Tasdiki Gaybî, Onsekizinci Lem’a, c. II, s. 2079;
[10] هو اسم الكتاب الذي يحوي مجموعة رسائل النور.
[11] Barla Lâhikası, Yirmi Yedinci Mektub ve Zeyilleri, c. II, 1415.
[12] Said Nursî, Şualar, On Birinci Şua, Onbirinci Meselenin haşiyesinin bir lahikasıdır, a.g.e, c. I, s. 985.
[13] أنظر. البقرة، 2 / 226؛ آل عمران، 3 / 103.
[14] ملحق أميرداغ/1 ج. 2، ص. 1719
[15] مكتوب السابع والعشرون من ملحق قسطموني، ج. 2 ، ص.1589.
أضف تعليقا