الامتحان
الامتحانُ هو المميِّزُ الأبرز للإنسان في هذه الحياة، إذ يختلف به عن الحيوانات، ولولا أنَّ الإنسانَ مخلوقٌ بطبيعةِ الاستخلاف لمَا كان للامتحان معنى، فالعلاقةُ طرديَّةٌ بين مستوى الامتحان وبين النتيجة المُترتبة عليه:
إنَّ تفضيلَ الآخرة على الدُّنيا يعني انتصارَ قيم الخير على قيم الشَّرِّ في نفس الإنسان لذا يستحقُّ الحياة الطيِّبة في الدُّنيا والنعيمَ المقيمَ في الآخرة. قال اللهُ تعالى:
{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل، 97)
ومن يُغلِّب نزعاتِه الحيوانيَّةَ في سباق الخلافة ويغضُّ الطَّرْفَ عن تعاليم الله تعالى مُفضِّلاً الحياةَ الفانية على الباقية فهؤلاء يتهدَّدُهم اللهُ تعالى بالعذاب الشَّديد بقوله :
{وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ. الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ} (ابراهيم 2-3)
ومِنْ هؤلاء مَنْ يزعُمُ الإيمان، إلَّا أنَّه يعتبرُ كلامَ الله تعالى مُستعصياً على الفهم أو أنَّه غيرُ واضح الدَّلالة على مُراده سبحانه، ومقصوده التهرُّبُ من الاحتكام إليه. وفي هؤلاء يقولُ اللهُ جلَّ شأنُه:
{وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِين. وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ}. (الزخرف، 36_37)
الشَّيطانُ لا يَدَعُ الصِّراطَ المُستقيمَ لأنَّه ساحةُ عمله المُثلى، وهو دائمُ العمل لصدِّ المؤمنين عن دينهم. ولمَّا حصَلَ اللَّعينُ على فُرصة الحياة إلى يوم الدِّين قال كما أخبرَ القرآنُ عنه:
{لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَاٰتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (الأعراف، 16_17)
يكون الشَّيطانُ من الإنس كما يكونُ من الجِنِّ، وشيطان الجنِّ يمكن التخلُّصُ منه بالاستعاذة بالله من الشَّيطان الرَّجيم، أمَّا شيطانُ الإنس فالتخلُّصُ منه ليس بتلك السُّهولة، فهؤلاء يعرفون تفاصيل علم الدِّين، ولهمُ القدرةُ على إبراز تحريفاتهم للدِّين بمظهرٍ جميلٍ ومن ثمَّ البحث عن نقاط الضعف في المُخاطَبين ليُحقِّقوا نجاحاً ملموساً في التأثير عليهم وإبعادهم عن صِراط الله المستقيم.
وبعد أن علَّمَ اللهُ تعالى آدمَ أودعَه الجنَّة التي كان له فيها كل ما سيحتاجه. ثم قال تعالى له : {وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} (الأعراف، 19)
وقد حذَّرَ اللهُ تعالى آدمَ من كيد الشَّيطان وغوايته قائلا سبحانه : {يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى. إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى. وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى[1]} (طه، 117_119)
عندما خرَّ الملائكةُ بالسُّجود لآدم أدركَ علوَّ شأنه وأنَّه فريدٌ في المنزلة. يقول اللهُ تعالى عمَّن يكون في حالة آدم هذه : {كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى. أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} (العلق،6_7)
وقد عرَفَ الشَّيطانُ نقطةَ الضَّعف لدى آدم. فوسوس له بالأكل من الشَّجرة التي مُنع عن الأكل منها؛ ليجد الخُلدَ بعد ذلك:
{فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى} (طه،120)
وقد رضيَ آدمُ بالطَّريقة والنتيجة؛ أي بالأكل من الشَّجرة والخلود. وكلاهما ممَّا لا حقَّ له فيه. وكان ذلك أوَّلَ امتحانٍ أظهرَ الطَّبيعةَ المُخالِفةَ لآدم عليه السَّلام. لقد أراد آدمُ الخلودَ ليكون مِثلَ الله تعالى في ذلك، لكنَّ آدمَ لم يصل إلى ما أراد بالرَّغم من أكله من الشَّجرة، عندئذ أدركَ مرضَه الذي أوصله إلى هذه النُّقطة فبادر بالتَّوبة والاستغفار.
وهكذا فإنَّ الشَّياطين الذين يقعدون على كلِّ صراطٍ يستغلُّون شعورَ النَّاس في توقير قادتهم وزعمائهم ليكونَ الطَّريقُ مُعبَّداً نحو تعظيمهم وتقديسهم، وهكذا تنشأ الثيوقراطيَّة.
للمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة (مقام الخليفة والكهنوت) لـ أ.د عبد العزيز بايندر على هذا الرابط
http://www.hablullah.com/?p=2657
[1] تضحى: تتعرَّض للهيب الشَّمس.
أضف تعليقا