السؤال: ورد في حديث نبوي شريف «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة قال: لا هجرة بعد الفتح» فهل هذا الحديث صحيح؟ وكيف نوفق بينه وبين وقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النساء، 97)
الجواب: الحديث الذي أورته في سؤالك صحيح، رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما، «أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا»[1] .
والحديث ورد في سياق تغير الحال الذي كان بموجبه الهجرة من مكة إلى المدينة واجبة على كل مسلم قادر عليها، وتلك الهجرة لم تكن أمرا يتكرر حدوثه بل كانت بأمر الله تعالى لنبيه لحكم وأهداف جليلة منها تجميع الصفوة المؤمنة التي شكلت النموذج الحي للدين، التي ألقي على عاتقها نشر الدين وتبليغه للناس. فالمقصود في الحديث المعنى الخاص للهجرة، أي الهجرة من مكة الى المدينة وقد انتهى هذا بعد فتح مكة.
وقد اختلف الحال بعد فتح مكة، فلم يعد هناك سبب للهجرة إذ أصبحت مكة حاضرة المسلمين كذلك. أما مفارقة الأوطان بسبب الجهاد فباقية إلى قيام الساعة. وكذلك مفارقتها بقصد مشروع كطلب العلم والعمل والسياحة وما إلى ذلك.
أما الآية فتتحدث عن حالة المسلم الذي يعيش في بلد لا يستطيع إقامة شعائر دينه فيه، فهو غير معذور عند الله تعالى لأنه كان بإمكانه الهجرة إلى أي بلد آخر يستطيع إقامة شعائره فيه. ويستثنى من هؤلاء غير القادرين على الهجرة. وأمرهم إلى الله تعالى عساه أن يغفر لهم، فقد جاء استثناء هؤلاء من حكم وجوب الهجرة مباشرة {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} (النساء،98_ 99).
والمقصود بالهجرة في الآية ترك بلد إلى أي بلد آخر في أي زمان ومكان بقصد التمكن من إقامة شعائر الدين.
[1] أخرجه أحمد 1 / 226، 266، 316، 355، والبخاري 2 / 214، 3 / 200، 210، 4 / 38، ومسلم 2 / 986، 1487، برقم (1353) ، وأبو داود 3 / 8 – 9 برقم (2480) ، والترمذي 4 / 149 برقم (1590) ، والنسائي 7 / 146 برقم (4170)
أضف تعليقا