السؤال: ما معنى الشهوات والشبهات ؟ وأيهما أخطر الشبهات أم الشهوات؟
الجواب:
الشهوات جمع الشهوة، وهي توقان النفس وميل الطباع إلى المشتهى وليست من قبيل الإرادة[1] قَالَ الرَّاغبُ الأصفهاني: أَصْلُ الشَّهْوةِ نُزوعُ النَّفْس إِلَى مَا تُريدُه، وذلكَ فِي الدُّنيا ضَرْبانِ: صادِقَةٌ وكاذِبَةٌ، فالصادِقَةُ مَا يخْتل البَدَن من دُوْنه كشَهْوةِ الطَّعامِ عنْدَ الجُوعِ؛ والكاذِبَةُ مَا لَا يخْتل مِن دُوْنه. وقوْلُه تَعَالَى: {زيَّن للنَّاسِ حُبّ الشَّهَواتِ} يَحْتَمِل الشَّهْوَتَيْن؛ وقوْلُه عزَّ وجلَّ: {واتَّبعُوا الشَّهَوات} ، فَهَذَا مِن الشَّهَواتِ الكاذِبَةِ ومِن المُشْتهيات المُسْتَغْنى عَنْهَا. والشَّهْوةُ الخفِيَّةُ: كلُّ شيءٍ من المَعاصِي يضْمِرُه صاحِبُه ويصرُّ عَلَيْهِ وَإِن لم يَعْمَلْ، وقيلَ: حُبُّ اطِّلاعِ الناسِ على العَمَل. وقَوْله تَعَالَى: {وحِيلَ بَيْنهم وبينَ مَا يَشْتَهُون}، أَي يَرْغَبُون فِيهِ من الرُّجُوع إِلَى الدُّنْيَا. ويقال رجُلٌ شَهْوانِيُّ : إِذا كانَ شَديدَ الشَّهْوةِ[2].
فالشهوات أغراض متعلقة بحاجة الجسد تفصح عنها النفس راغبة فيها. والمسلم لا يشبع إلا شهواته الصادقة بالحلال، ومن لم يراع الحلال والحرام في إشباع شهواته أو سعى خلف الشهوات الكاذبة فهو ممن يتبع الشهوات الذين ذمهم الله تعالى بقوله:
{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} (الإسراء، 60).
أما الشبهات فجمع (الشُّبْهَة) الالتباس. وأمور مشتبهة ومشبهة: مشكلة يشبه بعضها بعضا[3]. فمحلها العقل وطريقة التفكير وليس الجسد ورغبات النفس.
والشبهة نوعان: عارضةٌ ومفتعَلة.
أما العارضة فما يعترض العقل من فهمٍ لبعض مسائل الدين، وجلاؤها بالعلم أو بسؤال أهل العلم، ومنه قوله تعالى:
{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (النحل، 43).
وأما المفتعلة فما يثيره أعداء الدين من المسائل بقصد تشويه عقول المسلمين حول مسائل الإيمان والشريعة، وعلاجها يكون كما يلي:
أولا: بتجنب الاستماع إلى من في قلوبهم زيغ، وقد أرشد لهذا قوله تعالى:
{وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ، إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ، إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} (النساء، 140)
ثانيا: بتدبر القرآن الكريم؛ ففيه الإجابة عن كل شبهة تثار حول الإيمان والدين، قال الله تعالى:
{وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} (الفرقان، 33)
وقال أيضا:
{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل، 89).
ثالثا: مجالسة الراسخين في العلم والصالحين من الناس حيث قال سبحانه:
{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (آل عمران، 7)
رابعا: بأن ندعوا الله تعالى دائما بتثبيت قلوبنا على الهدى، وقد أرشدت الآية إلى هذا الدعاء:
{رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} (آل عمران، 8).
والشبهة فِي الشَّرْع: مَا الْتبس أمره فَلَا يدرى أحلال هُوَ أم حرَام وَحقّ هُوَ أم بَاطِل وجمعه شبه[4].
ومن الورع تركه حتى يتبين الحكم الصحيح فيه، وهو الذي أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم باجتنابه بقوله:
” الحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ “[5]
ولا شك أن شدة خطر الشهوات والشبهات تتفاوت من شخص إلى آخر ومن حالة إلى أخرى، وعلى المسلم أن يحذر من كليهما لأنهما قد تؤديان به إلى ما لا تُحمد عقباه.
أضف تعليقا