السؤال: هل يوجد فرق دقيق بين الآيات التي تحدثت عن سبب مصائب الظلمة والكفار والفاسقين، والآيات التي تحدثت عن سبب مصائب الأنبياء والمؤمنين: فالآيات التي تحدثت عن سبب مصائب الظلمة والكفار والفاسقين نذكر منها ما يلي: (فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا) [النساء : 62] (لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ. ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيد) [الحج : 9 ، 10] (وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [القصص : 47] وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ) [الروم : 36] (وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ كَفُورٌ ) [الشورى : 48] (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى : 30] حيث نلاحظ عبارة "بما قدمت أيديهم" أو "كسبت أيديكم"متكررة في كل هذه الآيات. أما الآيات التي تحدثت عن سبب مصائب الأنبياء والمؤمنين، فنجد: (وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) [النساء : 79] ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران : 165] فنجد عبارتي: من نفسك - من عند أنفسكم. هل هناك فرق لغوي دقيق بين: قدمت أيديكم و كسبت أيديكم و من عند أنفسكم، أم العبارات تحمل نفس المعنى؟
الجواب:
هناك فرق بين الاستعمالين؛ فالتعبير بـ (ما قدمت أيديكم) وبـ (ما كسبت أيديكم) يدل أن المصيبة وقعت جزاء وعقابا على تعمد الفعل ومداومة الكسب المترافق مع الإستكبار على حكم الله تعالى. وفي لغة الحقوق المعاصرة يُعبَّر عنه ؛ بالفعل مع سبق الإصرار والترصد.
لكن الآيات التي ورد فيها التعبير بـ (فمن نفسك) و (من عند أنفسكم) يشير إلى حالة جنوح النفس إلى الهوى لا عن قصد الاستكبار والتعالي على حكم الله تعالى، وإنما الانزلاق نحو المعصية دون التفكر مليا بالعواقب، والدافع لذلك العجلةُ وتفضيلُ العاجلة على الباقية. ويتبع ذلك التوبة والاستغفار من المؤمن. أما المصيبة المترتبة على هذا النوع من المعصية فهو القانون الطبيعي المتمثل بربط الفعل بسببه، حيث يأذن الله تعالى بحصول المصيبة للمؤمن عقوبة له على المعصية وتخليصا له من الذنوب وتمحيصا لصدق إيمانه.
لذلك المصائب بالنسبة للمؤمن عبرة وعظة وتذكير كما حصل مع آدم وحواء لما أكلا من الشجرة التي نهاهما الله تعالى عن الأكل منها، فبدت لهما سوءاتهما كتذكير بالمعصية مما دفع آدم وحواء إلى المسارعة في التوبة والاستغفار. لقد كان الدافع للعصيان متابعة هوى النفس وليس الرغبة في عصيان أمر الله تعالى أو الاستعلاء على حكمه، فكان إخراجهما من الجنَّة نتيجةً حتميَّةً للمعصية.
وقد كانت الهزيمة في أحد جزاء بما قارفه النبي والمؤمنون يوم بدر، حيث اتخذوا الأسرى قبل أن يثخنوا في الأرض، وكان بإمكان النبي والمؤمنين ملاحقة فلول المشركين حتى مكة فيدخلوها فاتحين. ولم تكن تلك المعصية عن سابق إصرار عليها، بل جاءت في سياق الغفلة حيث ترجح لديهم عرض الدنيا الزائل.
قال الله تعالى {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (الأنفال، 67_68)
وقد كانت إرادة الله تعالى قطع دابر الكافرين وليس اتخاذ الأسرى وفداؤهم: {وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ} (الأنفال، 7)
لقد حقَّقَ المسلمون انتصاراً مُستحقَّاً في بدر وألحقوا بالعدوِّ هزيمةً نكراء، لأن الله قد وعدهم بالنصر، ولا يخلف الله وعده. لكنهم لم يحظوا بدعم الملائكة المسومين في أحد كعقاب مستحق. قال الله تعالى {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران، 165). أي أن السبب هو اتباع هوى النفس في أسرى بدر.
هذا هو الفرق بين معصية المؤمن ومعصية الكافر، ومثاله معصية آدم بالأكل من الشجرة مقابل معصية إبليس بالسجود لآدم، فالأولى ترجيح هوى النفس في غفلة، والثانية استكبار عن الإلتزام بأمر الله تعالى؛ فمعصية المؤمن عارضة ويتبعها الإستغفار والتوبة، ومعصية الكافر أصيلة يرافقها الإصرار والإستكبار، لذا جاء التعبير عن مصائب الكفار بالكسب والتقديم، بينما جاءت للمؤمنين بالإشارة إلى هوى النفس العارض غير الأصيل.
لكن في القران الكريم عندما تأتي كلمة يكسبون دائما ما يرفق معها التخفيف مثل و يغفو عن كثير او ليذيقهم بعض الذي كسبو ,, عكس قدمت ايديهم ,, اعتقد ان هناك فرق بينهما ايضا ,, الكسب ساتي من العمل عندما تقول كسبت مالا اي سبقه عمل و هو ياتي كثيرا في القران في الامور المالية ,, قدمت اي لا تبذل مجهودا بل مما عندك مثل الذي يرث فهو يقدم مما عنده و ليس مما كسبه ,,, فما رأيكم ’’
بل اعتقد ان الفرق يشمل ايضا كلمة من نفسك و من عند نفسك حاولت البحث عن هذا الامر لكن لم اوفق لعلكم تساعدونني
اعتقد ان المصيبة هي انواع من عند انفسنا و من انفسنا و بما سبت ايدينا و بما قدمت ايدينا و كلها هي عبارة عن ابتلاء فكل مصيبة ابتلاء
أشكر لكم هذا البيان الجميل . حقيقة كنت أعلم أن الهزيمة في أحد كانت بسبب مخالفة الرماة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ..ولأول مرة أعلم أن السبب مرتبط بمخالفة بدر !!! جزاكم الله خيرا.