السؤال: ما معنى كلمة قرآن؟ وما وجه تسمية الله تعالى لكتابه بهذا الاسم؟
الجواب: يقول الفيروز أبادي: القرآن اسم لما يُقْرَأُ؛ كالْقرْبان: اسم لما يُتقرَّب به إِلى الله. ويقال أَيضاً: إنه مصدر قرأَ يقرأ (قَرْأ وقِراءَة) وقرآناً. وفى الشرع اسم للكتاب المفتَتح بفاتحة الكتاب، المختَتم بـ «قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ». والقرآن سمِّى به لاجتماع الحروف، والكلمات، ولأَنه مجتمع الأَحكام، والحقائق، والمعانى، والحكم. وقيل اشتقاقه من القِرَى بمعنى الضيافة؛ لأَن القرآن مَأْدُبة الله للمؤمنين، وقيل القران – بغير همز – مشتقّ من القِرْن بمعنى القرين لأَنه لَفظ فصيح قرِين بالمعنى البديع. وقيل: القرآن اسم مرتجل موضوع، موضوع غير مشتقٍّ عن أَصل؛ وإِنَّما هو عَلَم لهذا الكتاب المجيد؛ على قياس الجلالة فى الأَسماء الحسنى.[1]
وهو من القُرْء بالفتح والضَّم كما يأتي اسمَ مصدرٍ. ومنه مقروء بمعنى المجموع والمضموم. وفي قوله تعالى: «إنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ» (سورة القيامة، 75 / 17-18) نرى العلاقة واضحة بين فعل “قرأ” وبين كلمة قرآن.
والقراءة تعني ضم الحروف والكلمات بعضها لبعض واستيعاب المعاني. وكلمة “قرآن” لا جمع لها في العربية. فيستوي فيها الجمع والمفرد. فيمكن بها إرادة الجمع. أي مجموعة الآيات من القرآن.
ويمكن لنا أن نعرف القرآن بأنه كلام الله المنزل بالعربية على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل عليه السلام، المكون من 114 سورة، المبدوء بسورة الفاتحة والمختوم بسورة الناس.
وهو تعريف مناسب لمعنى الكلمة. لأنه يتكوَّن من مجموع سور عددها 114. حيث تشكل بمجموعها القرآن الكريم.
والقرآن في القرآن نوعان؛ الأول مجموعة آيات مرئية. والثاني مجموعة آيات غير مرئية.
الأول: آيات مرئية
وهي مجموعة آيات يراها كل من قرأ القرآن الكريم. وتشمل آيات القرآن وغيرها من الكتب المنزلة على الأنبياء عبر التاريخ البشري. قال الله تعالى: «شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ . وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ» (سورة الشورى، 42 / 13-14).
وكل مجموعة من الآيات المنتظمة في سورة من سور القرآن الكريم يطلق عليها اسم القرآن كذلك؛ فكل سورة بمفردها هي قرآن. كما قال الله تعالى: «وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» (سورة الحجر، 15 / 87). وقوله تعالى: « وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ» عطف تفسير. كما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ.[2]
فسورة الفاتحة هي القرآن العظيم وعلى هذا فإن كل سورة من سور القرآن يجوز أن يقال عنها قرآن. كما توجد في نفس السورة مجموعة آيات تتحدث عن موضوع معين مثل قصة من القصص أو مثل من الأمثال، وهذه المجموعة ذات الموضوع الواحد من السورة يقال عنها قرآن أيضا. لذا قيل على الآيات التي نزلت في بداية الوحي قرآن. قال الله تعالى: «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ» (سورة البقرة، 2 / 185).
الثاني: مجموعة آيات غير مرئية
وهي آيات لا نستطيع أن نراها مجتمعة في مكان واحد ولكن يمكن أن نجمعها مع متشابهها بحسب مبدأ المثاني أي العلاقات الثنائية بين الآيات فيتكون بذلك قرآن أي مجموعة آيات تحوي موضوعا معينا. قال الله تعالى: «وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا» (سورة الاسراء، 17 / 106).
وكلمة “قرآنا في قوله تعالى: “قرآنا فرقناه” حال من الضمير المفعول لـ”فرقناه” المحذوف؛ والتقدير: فَرَقْنَاهُ قُرْآنًا فَرَقْنَاه. والعائد فيه هو نفس العائد في “وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ” يراد به القرآن أو الكتاب.
وكلمة “المكث” تدل على توقف وانتظار. وعلى مكث تعني الانتظار.[3] وهذا يدل على أنه إذا نزلت الآية كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظر نزول آية أخرى تشرحها؛ وهو مما يدل أيضا أن الآيات التي يتكون منها (القرآن) أي مجموعة الآيات التي تتحدث عن موضوع معين لم تكن تنزل في وقت واحد. وكذلك اليوم يجب الانتظار حتى تنكشف الآيات التي تتحدث عن موضوع معين للوصول إلى الحكمة أي الحكم السليم فيه. وبعبارة أوضح نقول أن الايات التي يتكون منها القرآن ليست مجتمعة في مكان واحد.
والآيات التالية تشرح معنى كلمة “مكث”. قال الله تعالى: «وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا . فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا» (سورة طه، 20 / 113-114). فقد أمر الله تعالى نبيه بأن لا يعجل بالقرآن، والمقصود أن لا يصدر الحكم بناء على الآيات النازلة حتى يتنزل عليه متشابهاتها، وهذا يحتاج الـ “مكث”
وهذه آية أخرى تشرح كلمة (مكث) بطريقة مختلفة قال الله تعالى: «لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ . فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ[4] إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ» (سورة القيامة، 75 / 16-19). والمقصود جمع الآيات المتعلقة بالموضوع الواحد واتباع الحكمة المستقاة من هذا الضم وعدم تحريك اللسان بالحكم قبل ذلك.
وهذه آية ثالثة في نفس الصدد. قال الله تعالى: «كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» (سورة فصلت، 41 / 3). الآية تشير إلى التفصيل، والتفصيل ليس بالضرورة أن يأتي دفعة واحدة، وفي هذا إشارة أخرى لقوله تعالى (على مكث).
وللمزيد حول الموضوع نوصي بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر المعنونة بـ (مصطلحات القرآن والتأويل والحكمة في القرآن الكريم) على الرابط التالي http://www.hablullah.com/?p=2300
[1] بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز، 1 / 58-59.
[2] البخاري، كتاب التفسير. النسائي، الافتتاح 26.
[3] معجم مقاييس اللغة، مادة: مكث.
[4] ثم الثاء والميم أصلٌ واحد، هو اجتماعٌ في لِينٍ. يقال ثَمَمْتُ الشيءَ ثمّاً، إذا جمعتَه. وأكثرُ ما يُستعمل في الحشيش. ويقال ثَمَمْتُ الشيءَ أثُمُّه ثَمّاً، إذا جمعتَه ورمَمْتَه (أنظر: معجم مقاييس اللغة، مادة: ثم) .
أضف تعليقا