السؤال: ورد في القرآن اللعن على اليهود. هل يعني أن اليهودي ملعون منذ ولادته ؟ وهل يستحق غيرهم اللعنة؟
الجواب: معنى اللّعن: التّعذيب، والمُلَعّنُ: المعذّب، واللَّعِينُ المشتوم المسبوب. لَعَنْتُه: سَبَبْتُه. ولَعَنَهُ اللهُ: باعده. واللَّعْنَةُ في القرآن: العذابُ[1].
لا يوجد إنسان ملعون منذ ولادته، لأنَّ كل مولود يولد على الفطرة، وما يشاهده منذ ولادته من آيات الله في الأنفس والآفاق يدعوه إلى الإيمان بالخالق القدير. وعند بلوغه ورشده يصبح مكلفا ومسؤلا بمقتضى إيمانه. فإن وصلت إليه دعوة الإسلام التي تلامس فطرته وتعرِّفُه بخالقه الذي آمن به سلفا فقبلها وعمل بمقتضاها فإنه يصبح مسلما لله تعالى ومعترفا بحاكميته، ويكون بذلك من المؤمنين الصادقين. أما إن أعرض بعد أن قامت عليه الحجة وظهر له البرهان وكفر من بعد إيمانه فإنه يستحق لعنة الله تعالى عليه كائنا من كان.
واللعنة المذكورة في القرآن على فريق من بني إسرائيل كانت بسبب كفرهم بما عرفوا من الحق وليس لكونهم يهودا. كما جاء في قوله تعالى :
{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ. تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} (المائدة، 78_80)
نفهم من الآيات أنهم استحقوا اللعن بسبب كفرهم بعد أن بانت لهم الأدلة والبراهين على ألسنة أنبيائهم، وهي تنفي أن يكونوا ملعونين منذ ولادتهم.
والآية التالية تؤكد هذا المعنى: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} (البقرة، 88) والباء في قوله تعالى (بِكُفْرِهِمْ) سببية، أي لعنوا بسبب كفرهم.
ثم يخبرنا القرآن أن فريقا من اليهود لم يؤمنوا بخاتم النبيين بالرغم من ذكره في كتبهم وانتظارهم بعثته، لذلك استحقوا اللعنة:
{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (البقرة، 89)
وحكم اللعن على من أعرض عن آيات الله بعد بيانها ليس خاصا ببني اسرائيل وأنما لكل إنسان عرف الحق وأعرض عنه حتى لو زعم أنه مسلم. وفي ذلك يقول الله تعالى:
{وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} (الرعد، 25)
وكتمان آيات الله اتباعا للهوى موجب للعن إن مات دون توبة. يقول الله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ} (البقرة، 159_ 162)
والكتمان الوارد في الآيات السابقة يأتي على ضربين:
الأول: كتمان البينات، ويكون بالامتناع عن تبليغ رسالة الله إلى الخلق.
الثاني: كتمان الهدى، ويكون بإخفاء أحكام الكتاب وعدم إظهارها اتِّباعا للهوى.
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم