نقد وتصحيح
التفسير التقليدي للآيتين 5و6 من سورة المؤمنون
أ.د عبد العزيز بايندر
قال الله تعالى {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} (المؤمنون، 5_ 6)
اتخذت هاتان الآيتان كدليل على جواز اتخاذ المحظيات من الجواري بلا عدد والاستمتاع منهن بدون عقد النكاح استنادا إلى التفاسير الخاطئة لهما.
وقد وردتا في سياق الآيات 1_ 11 من السورة كما يلي:
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) المؤمنون، 1_11
كما ترى فإن الخطاب في الآيات جميعها موجه إلى الرجال والنساء من المؤمنين على حد سواء، والمذاهب الفقهية بالرغم من قبولها بذلك إلا أنها استثنت الآية 6 واعتبرت أن الخطاب فيها موجه للرجال فقط، حيث اعتبروا أن الرجل يستطيع أن يستحل فرج من تقع تحت سلطته من الإماء بدون عقد الزواج، واعتبروا هذه الآية دليلا على ما ذهبوا إليه بالرغم من كون الخطاب أصلا موجها لكلاً من الرجال والنساء، وبالتالي لا يمكن اعتبارها دليلا على ما ذهبوا إليه.
يقول الطبري في تفسير الآية: “والذين هم لفروج أنفسهم وعنى بالفروج في هذا الموضع: فروج الرجال، وذلك أقبالهم. (حافظون) يحفظونها من أعمالها في شيء من الفروج. (إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ) يقول: إلا من أزواجهم اللاتي أحلهنّ الله للرجال بالنكاح. (أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) يعني بذلك: إماءهم. و “ما” التي في قوله: (أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) محل خفض، عطفا على الأزواج. (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) يقول: فإن من لم يحفظ فرجه عن زوجه، وملك يمينه، وحفظه عن غيره من الخلق، فإنه غير مُوَبَّخٍ على ذلك، ولا مذمومٍ، ولا هو بفعله ذلك راكب ذنبا يلام عليه”[1].
وبالرغم من وضوح السياق في اشتماله الذكر والأنثى في الخطاب الموجه إلا أن المفسرين قد جعلوا (وما ملكت أيمانهم) من الآية السادسة خاصة في الرجال فقط بغير دليل أو قرينة.
أ_ الخطأ اللغوي
ارتكب المفسرون في الآيتين 5 و6 من سورة المؤمنون خطأين بارزين؛ واحدا في الاستثناء والآخر في العطف
1_ الخطأ في الاستثناء
نص الآيتين كالتالي:
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} (المؤمنون، 5_6)
يقول أبو بكر الجصاص معلقا على هذه الآية:
فأما قوله: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} استثناء من الجملة المذكورة لحفظ الفروج وإخبار عن إباحة وطء الزوجة وملك اليمين[2].
ويقول الطبطبائي المنسوب للمذهب الجعفري شارحا الآية:
وقوله: “إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين” استثناء من حفظ الفروج، والأزواج الحلائل من النساء، وما ملكت أيمانهم الجواري المملوكة فإنهم غير ملومين في مس الازواج الحلائل والجواري المملوكة[3].
وبحسب ما ذهب إليه الفريقان فإنه يمكننا تلخيص ما توصلوا إليه من تفسير كما يلي:
والذين (الرجال والنساء) هم لفروجهم حافظون. إلا (الإستثناء هنا خاص بالرجال فقط) على أزواجهم و ما ملكت أيمانهم (أقام حرف العطف {و} بدلا من {أو} ) فإنهم غير ملومين في إظهار فروجهم لهن.
ولا يمكن أن يفيد الاستثناء في الآية المعنى الذي ذهبوا إليه. ولو كان الخطاب في الآية موجها للرجال خاصة وكان سياق الآيات موجها للرجال كذلك لاحتمل ما ذهبوا إليه من معنى. وفي ذلك الحال يصح للرجل أن يكشف عورته على زوجته أو جاريته لكن لا يصح للزوجة أن تكشف فرجها لزوجها، كما لا يصح للأَمة أن تكشف فرجها على سيدها. لذلك كان لا بد من تجيير آخر متعلق بحرف العطف (أو) حتى يستقيم لهم ما يريدون
2_ العطف: الأخطاء التفسيرية المتعلقة بحرف العطف
حرف العطف “أو” الوارد في الآية أُعطي له معنى حرف العطف “و” . ومعلوم أن حرف العطف “أو” يفيد التخير بين اثنين، أما حرف العطف “و” فإنه يفيد الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه، لذا لا يجوز استخدام أحدهما بديلا عن الآخر بوجه من الوجوه، وهو ما عمد إليه المفسرون مخالفين بذلك قواعد اللغة.
والمعنى الذي ينسجم مع قواعد اللغة في الاستثناء والعطف في الآية 6 من سورة المؤمنون ما يلي:
والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ملكت أيمانهم (من أزواجهم) .
ولو تم قبول التفسير الخاطئ للاستثناء في الآية بدون تغيير معنى حرف العطف “أو” لأدى ذلك إلى قبول أن يكشف الرجل عورته لزوجته ولجاريته دون العكس، وليس هذا ما يريده القوم. فالخطأ الأول لا بد من تدعيمه بخطأ ثانٍ كي يستقيم لهم ما يطلبون، فكان أن أعطوا حرف العطف “أو” معنى حرف العطف “و”.
وفي الآيات المتعلقة في الموضوع يظهر بوضوح أن الزوج رجلا كان أو امرأة حرا كان أو مملوكا يستطيع كل منهما أن يظهر فرجه لزوجه فقط
ب_ القاء الضوء على الايات المتعلقة بالموضوع
لا تستطيع المراة أن تنكح أكثر من زوج، أما الرجل فيستطيع أن ينكح أكثر من واحدة، ويمكن أن يكون زوجه حرة أو أسيرة. يقول الله تعالى:
{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} (البقرة، 221)
إذا أرادت الحرة أن تتزوج من أسير مملوك فليس ثمة قيود على هذا الزواج، بخلاف الرجل فإنه إن أراد التزوج من الأسيرة فإن ذلك مشروط بعدم قدرته على نكاح الحرة. كما قال الله تعالى:
{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (النساء، 25)
بحسب الآية فإن زوجة الرجل إما أن تكون حرة أو أمة ولا يصح له الجمع بينهما البتة.
وقد أمرنا الله تعالى بالحرص على تزويج المملوكين كحرصنا على تزويج الأحرار. كما جاء في قوله تعالى:
{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (النور، 32)
بحسب الآيات السابقة فإنه يستطيع أن يتزوج الأحرار من الأحرار، والأسرى من الأسرى، والأحرار من الأسرى، ويمكننا تصنيف ذلك كالتالي:
الرجل الحر_ المرأة الحرة (النساء، 32)
الرجل الحر_ المرأة الأسيرة (النساء، 25)
المرأة الحرة_ الرجل الأسير (البقرة، 221)
الرجل الأسير_ المرأة الأسيرة (النور، 32)
هؤلاء جميعا سواء كان حرا أم أسيرا لا يجوز للمؤمن منهم أن يكشف عورته إلا لزوجه سواء كان حرا أو أسيرا، والتشابه جد كبير بين الآيتين 5و6 من سورة المؤمنون والآيات الأخرى ذات الصلة من السور الأخرى.
كما نلاحظ فإن الآيات توازن الفوارق بين الزوجة الحرة وبين الزوجة الأسيرة، وفي الآيتين 5 و6 من سورة النور تأكيد على تلك الموازنة فحرف العطف “أو” جاء للتأكيد على عدم جمع الحرة مع الأمة كزوجتين لرجل واحد. ونذكر الآية مرة أخرى للتذكير:
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} (المؤمنون، 5_6)
جزاك الله خيرا ياشيخنا
لدي سؤال :
في قوله تعالى : إن للمتقين مفازا، حدائق وأعنابا، وكواعب أترابا….
المتقين أليست تشمل الذكور والإناث؟؟؟؟
وهل هناك بالمقابل للإناث؟؟؟
ارجو الرد جزاكم الله خير
خطاب المذكر في العربية يشمل الجنسين بخلاف الخطاب للمؤمنث فإنه لا يشمل إلا النساء، لذلك فإن الآية التي ذكرت تشمل الجنسين من المتقين
بارك الله فيك يا شيخنا الكريم
اذا الاية تشمل الجنسين ولكن يوجد تفسير يقول ان كواعب اترابا للرجال فقط ارجو الرد جزاكم الله خير
الجزاء المذكور في الآية هو للمتقين من الرجال والنساء على حد سواء، ومن صور الجزاء وجود الولدان المخلدين والحور العين، وهؤلاء هم من خلق الجنة خلقهم الله تعالى لخدمة أهل الجنة من المؤمنين والمؤمنات. وقد ذكر سبحانه أوصافا لهم ومن ذلك أن الولدان المخلدين كأمثال اللؤلؤ المكنون، وأن الحور العين كالبيض المكنون، وقيل أن كواعب أترابا صفة للحور العين تدل على أنهن في مقتبل العمر .
فالحور العين كالولدان المخلدين هم خدم للمؤمنين في الجنة، فليس من وظيفة الحور العين إمتاع رجال الجنة جنسيا كما أنه ليس من وظيفة الولدان المخلدين إمتاع النساء جنسيا .
جزاك الله كل الخير ياشيخنا شكرا جزيلا لكم على هذا الرد الشافي والواضح جدا وعندى سؤال اخر هل معنى إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين فى سورة الواقعة موجه للجنسين ام للذكور فقط لان يوجد تفسير يقول ان معنى فجعلناهن أبكارا عربا أترابا تعنى النساء الشابات كيف يجعل الله نساء للنساء فى الجنه كيف والخطاب لاصحاب اليمين يعنى يشمل الذكر و الانثى ارجو الرد وجزاكم الله خيرا ونفعنا بكم والأمة جميعا وجعل هذه الأعمال في ميزان حسناتكم