السؤال: يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تبرأ من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين. هل نفهم من هذا أن الإقامة في أوروبا وأمريكا وغيرهما من البلاد غير الاسلامية محرمة؟
الجواب: لا بد من التنويه _أولا_ أنه لا يصح إطلاق مصطلحي بلاد إسلامية وبلاد غير إسلامية؛ لأن الأرض جميعها لله تعالى، وهي طائعة ومنقادة لأمره سبحانه. والانسان مكلف بالاسلام أينما كان على قدر استطاعته.
نص الحديث الذي أوردته في سؤالك كالتالي:
عن جريرِ بن عبد الله، قال: بعثَ رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلم- سريةً إلى خَثْعَمٍ، فاعتصم ناسٌ منهم بالسجود، فأَسرع فيهم القتل، قال: فبلغَ ذلك النبي -صلَّى الله عليه وسلم- فأمر لهم بنصفِ العقلِ. وقال: “أنا بريء من كل مُسلم يقيم بين أظْهُرِ المشركين”[1]
والحديث _ على افتراض صحته_ ليس في سياق بيان حرمة الإقامة في بلاد غير المسلمين، وإنما في سياق إقامة المجاهد بين أظهر المحاربين من المشركين دون أخذه الحذر اللازم، وقد حصل منهم الإهمال والتقصير فيما انتدبوا إليه، فبدلا أن يبادروا بالانسحاب السريع اعتصموا بالصلاة والسجود، وليس هذا المطلوب في مثل هذا الحال، لذا أعلن النبي براءته من فعلتهم، وهي براءة من تصرفهم وليس من دينهم.
وجماع القول في مسألة الاقامة في بلدان غير المسلمين يتوقف على كون البلد يتمتع بحرية الاعتقاد أم لا، فإن كان البلد يؤمِّن الحرية في اختيار الدين فيجوز الإقامة فيه مطلقا. أما إن كان البلد لا يسمح بحرية الدين وتعرض المسلم للفتنة في دينه فعليه الهجرة إلى بلاد آمنة. والفتنة في الدين تعني عدم قدرة المسلم على بقائه مسلما وتعرضه للخطر بسبب ذلك[2].
يقول الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا. إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} (النساء، 97_99)
وقد أقام بعض الصحابة في الحبشة[3] بالرغم من كون أهلها من غير المسلمين آنذاك، لأن العبرة بتوفير حرية الدين وليس بغير ذلك، كما أقام التجار المسلمون والدعاة في شرق آسيا وقد انتشر الاسلام بواسطتهم هناك. فلا يصحُّ بعدئذ أن يُقال أن الاقامة في بلاد غير المسلمين محرم، لأن فيه منعا لانتشار الاسلام وتعطيلا لمصالح الناس. وكل ذلك يدور في دلالة قوله تعالى في الآيات السابقة: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا}.
[1] رواه ابو داود 2645 وغيره، وقد اختُلف في وصله وإرساله، ورجح البخاري إرساله كما في “العلل الكبير” للترمذي 2/ 686، والترمذي عقب الرواية (1697) من “جامعه”، وأبو حاتم الرازي كما في “العلل” لابنه 1/ 314، والدارقطني في “العلل” 4/ ورقة 88. انظر تعليق شعيب الأرناؤط على الحديث في سنن ابي داوود 4/281. الخلاصة: الراحج أن الحديث ضعيف لأنه مرسل.
[2] وهذا يحصل في بلاد تفتقر إلى مبدأ حرية التدين والاعتقاد.
[3] احدى بلدان القرن الإفريقي، تقع إلى الشرق من السودان، تسمى اليوم اثيوبيا وعاصمتها أديس أبابا
أضف تعليقا