السؤال: الجالية الاسلامية في الدول الاجنبية تواجه تحديات ومصاعب في التوفيق بين هويتها الاسلامية وبين ما يقتضيه البقاء في تلك البلدان، ومن ذلك تعهد المسلم باحترام قوانين البلد الذي يقيم فيه عند تقديمه طلبا للحصول على الجنسية. فهل هذا التعهد يجعله مفارقا لجماعة المؤمنين ومواليا لجماعة الكافرين. وما هو الحل من وجهة نظركم.
الجواب: لا بد أن نشير أولا؛ أن الدولة عبارة عن جهاز إداري ابتدعه البشر نتيجة الحاجة إليه، فالعلاقة بين الفرد والدولة قائمة على أساس المصلحة المتبادلة؛ تقوم الدولة بإدارة الشؤون المشتركة للمجتمع وتحافظ على حقوق الأفراد وأمنهم، وبالمقابل يتعهد الأفراد بالالتزام بالقوانين السارية. والمسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحلَّ حراما أو حرَّم حلالا، فالتزام المسلم بتعهده تجاه الدولة المضيفة هو من صميم أخلاق المسلم التي هي الأساس في تبليغ الإسلام وانتشاره.
فإذا كان البلد يحترم حرية الاعتقاد فلا شك في جواز الاقامة فيه. وحصولُ المسلم على جنسية هذا البلد لا يتعارض مع بقائه مسلما طالما تكفلت قوانينه بحرية التدين، وعليه يجوز للمسلم أن يُقسم على احترام البلد وقوانينها، بل عليه أن يفعل ذلك؛ لأنها تستضيفه وتوفر له الحماية والمعيشة الجيدة، فلا يمكن أن يقابل ذلك سوى بالاحترام والالتزام بأمن البلد وقوانينها التي تعهد بالحفاظ عليها بمقتضى منحه إذن الدخول.
والمسلم يحفظ العهد، ويصدق في الوعد، ويؤدي الأمانة التزاما بأمر الله الوارد بقوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤولًا} (الإسراء، 34)، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أَدِّ الْأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ)[1]
وهذا من البر بهم والاقساط معهم. قال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة، 8) فيكف بمن يستضيفك في بلده؟
وليس هذا من موالاة المعتدين الذين نصّ الله تعالى على حرمة موالاتهم بقوله: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الممتحنة، 9) فالآية نصت على حرمة موالاة المحاربين المعتدين، وموالاتهم تعني التوجه إليهم بالنصرة والمحبة في الوقت الذي يُعرِضُ فيه عن نصرة المؤمنين ومحبتهم.
أضف تعليقا