السؤال: هل يجوز للمصلين الاعتراض على خطيب الجمعة اذا أطال في خطبته؟
الجواب: ينبغي تقصير خطبة الجمعة وغيرها من الخطب ما أمكن؛ لأنها ذكر، وهو يحصل بقليل الكلام أفضل مما يحصل بكثيره؛ ولأن طول الكلام ينسي آخرُه أولَه، وخير الكلام ما قلّ ودلّ، قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (الجمعة، 9)
وهذا ما كان عليه نبينا صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده، فعن أبي وائل قال: (خطبنا عمار فأوجز وأبلغ، فلما نزل قلنا يا أبا اليقظان، لقد أبلغت وأوجزت، فلو كنت تنفست. فقال: إني سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة وإن من البيان سحراً)[1]
وقوله لو تنفست أي لو أطلت قليلاً، وقوله مئنة من فقهه أي علامة على فقهه[2]
وورد في رواية أخرى عن أبي راشد قال: (خطبنا عمار فتجوز في الخطبة فقال رجل: قد قلت قولاً شفاءً لو أنك أطلت، فقال عمار: إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نهى أن نطيل الخطبة)[3]
وجاء في الحديث عن جابر بن سمرة قال: (كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يطيل الموعظة يوم الجمعة، إنما هن كلمات يسيرات)[4]
وورد في رواية أخرى عن جابر بن سمرة قال: (كانت صلاة رسول – صلى الله عليه وسلم – قصداً وخطبته قصداً يقرأ آيات من القرآن ويذكِّر الناس)[5]
والقصد في الشيء هو الاقتصاد فيه، والمقصود هنا ترك الاطالة في الخطبة، وإنما كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم كذلك لئلا يمل الناس، فمنهج النبي تقصير خطبة الجمعة. فإن أطال الخطيب الخطبة فقد خالف منهج النبي.
والأفضل أن يصبر الناس ويحتسبوا أجرهم عند الله سبحانه، ولهم أن يذكِّروا الخطيب بعد الصلاة أن لا يُطيل في قابل خطبه، لكن إن كانت إطالته غير محتملة فيجوز لمن يليه من المصلين تذكيره بضرورة إنهاء الخطبة، ولو يتمُّ ذلك بالإشارة يكون أفضل، مع ضرورة الحفاظ على السكينة والوقار اللازمين في الجمعة والجماعة. لأنه من الواجب تعظيم شعائر الله، يقول الله تعالى: {ذلك وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} (الحج، 32).
[1] رواه مسلم (869). والدارمي (1556)، والبزار في “مسنده” (1406) ، وأبو يعلى (1642) ، وابن خزيمة (1782) ، وابن حبان (2791) ، والحاكم 3/393، والبيهقي 3/208 وأحمد (18317)
[2] شرح الإمام النووي على صحيح مسلم 6/ 158.
[3] أخرجه ابن أبي شيبة 2/114، واحمد في المسند (18889) وأبو داود (1106) ، وأبو يعلى (1621) ، والحاكم 1/289، والبيهقي في “السنن” 3/208، وابن عبد البر في “التمهيد” 10/19 من طريق عبد الله بن نمير، بهذا الإسناد، قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي!
[4] رواه أحمد (18889)، وأبو يعلى (1618) و (1621)، والبزار (1430)، والحاكم 1/ 289، والبيهقي3/ 208، وابن عبد البر في “التمهيد” 10/ 19 وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبي. وحسّنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/ 206.
[5] رواه مسلم (866) (41) ، والترمذي (507) ، والنسائي 3/191، وابن حبان (2802) ، والطبراني (1984) وأحمد (20885)
أضف تعليقا