حبل الله
دفن الميت المسلم في مقابر غير المسلمين

دفن الميت المسلم في مقابر غير المسلمين

السؤال: الجالية المسلمة في البلاد الأجنبية تعاني من مشكلة دفن الموتى المسلمين، حيث لا يوجد في بعض المدن مقبرة خاصة بهم مما يضطرهم لنقل الميت الى بلده الاصلي أو دفنه في مقابر غير المسلمين. فهل دفن المسلم في مقابر غير المسلمين محرم ؟ وهل على مَن دفن ميته في تلك المقابر أن يسارع إلى إخراجه ودفنه في مقابر المسلمين.

الجواب: قال الله تعالى {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} (طه، 55) وفي قصة ابني آدم قال تعالى {فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ} (المائدة، 31). يُفهم من الآيتين أنه إذا مات الانسان فالواجب موراة جثته بالتراب.

ولا يوجد في القرآن أو السنة ما يشير إلى وجوب تمايز مقابر المسلمين عن مقابر غيرهم، ولكن قد جرت عادة المسلمين في ذلك، كما أنها عادة الأقوام جميعهم، فكل أهل ملة يدفنون موتاهم بشكل منفصل، وربما الدافع لذلك اختلاف طرائق الدفن وتأبين الموتى وغير ذلك مما له صلة بالاختلاف بين الثقافات، لذا نرى أن دفن المسلم في مقابر المسلمين أولى.

وقد احتج كثير من الفقهاء على وجوب دفن موتى المسلمين بمقابر خاصة بالمسلمين بالحديث التالي:

عن بشير مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: بينما أنا أماشي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرَّ بقبور المشركين، فقال: لقد سبق هؤلاء خيراً كثيراً  ثلاثاً، ثم مرَّ بقبور المسلمين، فقال: لقد أدرك هؤلاء خيراً كثيراً”[1].

حيث قالوا إن الحديث يدلُّ على التفريق المكاني بين قبور المسلمين وقبور المشركين، حيث أنه عليه الصلاة والسلام مَرَّ أولاً على قبور المشركين، ثم مَرَّ على قبور المسلمين.

وقد نقل الإمام النووي في المجموع اتفاق الشافعية على ذلك بقوله: “اتفق أصحابنا -رحمهم الله- على أنه لا يدفن مسلمٌ في مقبرة كفار، ولا كافرٌ في مقبرة مسلمين”[2]

وقد جاء في الموسوعة الكويتية ما يلي: اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ دَفْنُ مُسْلِمٍ فِي مَقْبَرَةِ الْكُفَّارِ وَعَكْسُهُ إِلاَّ لِضَرُورَةٍ.[3]

يقول الألباني: ولا يُدْفَن مسلمٌ مع كافر، ولا كافرٌ مع مسلم، بل يُدفن المسلم في مقابر المسلمين، والكافر في مقابر المشركين، كذلك كان الأمر على عهد النبي – صلى اللهُ عليه وسلَّم – واستمر إلى عصرنا[4].

والصحيح أنه لا يمكن فهم وجوب التفريق من الحديث السابق، وإنما يحكي الحال القائم، ولعل الاجماع الذي نقله النووي يعكس ما درج عليه المسلمون في تخصيص مقابر لهم، إذ ليس ثمة نص من القرآن أو السنة يؤيد ما ذهبوا إليه من وجوب التمايز، فقول الفقهاء يعبِّر عن عادة المسلمين في الدفن وليس بحكم شرعي ملزم.

 


[1]  سنن أبي داود 2/ 236، برقم: 3230. والحاكم 20806 , وابن حبان 3170 والنسائي 2048 وابن ماجة 1568 وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح.

[2]  المجموع شرح المهذب للنووي 5/285

[3]  ابن عابدين 1 / 599، وجواهر الإكليل 1 / 117، 118، والقليوبي 1 / 329، والجمل 2 / 201، وروضة الطالبين 2 / 142، وكشاف القناع 2 / 124.

[4]  أحكام الجنائز ص136

التعليقات

    • الجواب:
      نعم، هناك توجيهات نبوية في هذا الأمر، وقد وردت به أحاديث صحيحة عن النبي ﷺ، بالإضافة إلى العمل المستمر به من عهد الصحابة إلى يومنا هذا، ولم يُعرف له مخالف.
      عن أم عطية رضي الله عنها قالت:
      “دخل علينا النبي ﷺ ونحن نغسل ابنته، فقال: اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن، بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورًا” (متفق عليه)
      وفي هذا الحديث، أمر النبي ﷺ بغسل ابنته زينب قبل دفنها، وهذا أمر يدل على الوجوب.
      وفي رواية عند مسلم:
      “ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها” رواه مسلم

      وهذا يدل على أن غسل الميت يشبه الطهارة في الحياة، وهذا من تمام التكريم للمسلم بعد وفاته.
      وقد نقل الإجماع على وجوب غسل الميت كثير من العلماء، قال النووي في كتابه (المجموع شرح المهذب):
      “أجمع المسلمون على أن غسل الميت المسلم فرض كفاية”
      والحكمة من مشروعية غسل الميت هي أن الميت يُعد للقاء ربه، فمن التكريم له أن يُغسل ويُطيب ويُكفن، تمامًا كما كان يتطهر للصلاة في حياته، وهذا مقصد شرعي عظيم.
      ملاحظة:
      غسل الميت واجب، إلا في حالات استثنائية مثل:
      -من استُشهد في المعركة (شهيد المعركة) فإنه لا يُغسل، بل يُدفن في ثيابه.
      -أو إن تعذر الغسل لأي سبب، كتعفن الجسد أو عدم وجود ماء، فيُنتقل إلى التيمم.
      هل أشار القرآن الكريم إلى غسل الميت؟
      هناك آيات في القرآن استنبط منها بعض العلماء إشارة أو فَهمًا عامًا يُعضّد مشروعية غسل الميت، وإن لم تكن دليلًا مباشرًا.
      ومن ذلك قوله تعالى:
      ﴿ثُمَّ أَمَاتَهُ ‌فَأَقْبَرَهُ﴾ [عبس: 21]
      قوله “فأقبره” فيه إشارة إلى أن الله تعالى شرع دفن الميت، والدفن عند المسلمين لا يتم إلا بعد غسله (إلا إن وجد عذر شرعي)، فـكأن الآية تتضمن إشارة ضمنية إلى أحكام تجهيز الميت ومنها الغسل، وإن لم تنص عليه مباشرة.
      وقوله تعالى:
      ﴿وَلَا تُصَلِّ ‌عَلَى ‌أَحَدٍ ‌مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ﴾ [التوبة: 84]
      هذه الآية في المنافقين، وقد نهى الله نبيه ﷺ عن الصلاة عليهم، ومفهوم المخالفة: أن الصلاة على المسلم مشروعة، والصلاة تسبقها أعمال التجهيز ومنها الغسل، فهي من لوازمها.
      خلاصة القول:
      -لا يوجد نص قرآني صريح يأمر بغسل الميت.
      -الأحاديث النبوية الصحيحة هي المصدر الواضح الصريح في مشروعية الغسل، وهي كافية في إثبات الأحكام الشرعية إذا لم تخالف القرآن، خصوصًا مع وجود العمل بها منذ عهد النبي والصحابة إلى يومنا هذا.
      -الآيات التي تُذكر يُستأنس بها كتعزيز للفهم العام، لا كأدلة مستقلة على الوجوب.
      *وللمزيد حول الموضوع ننصح بالاطلاع على المقالة التالية:
      صلاة الجنازة في الكتاب والسنة

  • اتمنى لو افهم معاني سورة الكوثر قالوا ان الكوثر نهر في الجنه خاصه الله للنبي وصل لربك مفهومه ولكن أنحر هل بمعنى يوم النحر في عيد الأضحى؟ و ان شانئك هو الابتر المقصود بها ابو لهب ؟
    ممكن توضيح
    وشكرا مقدما

    • الكوثر هو الخير الكثير، ولم يؤت النبي خيرا من القرآن الكريم
      والنحر هو القيام بالأعمال التي كلف بها الإنسان بجد واجتهاد
      الأبتر هو كل من حمل العداء لهذا الدين وللنبي الذي جاء به قديما وحديثا، ذلك أن الله تعالى رفع لنبينا ذكره في الأولوين والآخرين، بينما كارهوه وأعداؤه إما يطويهم النسيان أو لا يذكرون إلا بأسوأ أفعالهم.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.