السؤال: هل يرغِّب الاسلام بالنكاح المبكر أم يحرِّمه؟ وما رأيكم بما تقوم به بعض البلدان الاسلامية من سنِّ قوانين تحدد السنَّ الأدنى للزواج؟
الجواب: علينا أن نعرف المقصود بالنكاح المبكِّر أولا، هل المقصود به نكاح الصِّغار قبل البلوغ؟ أم النكاح بعد البلوغ والرشد مباشرة؟ ولا شك أن الحكم في الحالين مختلف.
فالزواج قبل البلوغ والرُّشد لا يصحُّ بحال، لأنَّ الله تعالى قد جعل عهدا للزواج لا يصحُّ قبله، وذلك بقوله تعالى {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (النساء، 6)
فزواجُ الصغير والصغيرة لا يجوز البتة؛ لعدم حاجتهما إليه، ولأنهما بحاجة لرعاية الأبوين وحنوهما، فالفطرة التي هي القانون الطبيعي في الخلق لا تسمح بزواجهما، ومعلوم أن التنزيل والفطرة لا يختلفان؛ لأن الفطرة خلق الله والتنزيل كتابه فلا يختلفان أبدا[1].
أما إن قُصِد بالزَّواج المبكِّر زواج الفتى والفتاة عند بلوغهما النكاح والرشد، فهذا مستحبٌّ بشكل عام، وخاصة لمن هم بحاجة إلى الاحصان من الفتيان والفتيات، ومن رأى التأخير بسبب طلبه للعلم أو قلة حيلته فله التأخير حتى يفتح الله تعالى عليه.
وقد حضَّ الإسلام على الزواج ورغّب فيه. يقول الله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (النور، 32).
قال الإمام القرطبي في تفسير هذه الآية: “هذه المخاطبة تدخل في باب الستر والصلاح، أي زوِّجوا من لا زوج له منكم، فإنه طريق التعفف، والخطاب للأولياء … وقوله (الأيامى منكم)، أي الذين لا أزواج لهم من النساء والرجال”[2].
ولأن في الزواج إدامة للنسل وتحصين للأمة من الشيخوخة التي يترتب عليها الانحدار وضعف الانتاج، قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (النساء، 1)
وفي الزواج سَكَنٌ للنفس وتحصين للفرج عمّا حرّم الله تعالى. يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم “يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة، فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم، فإنه له وجاء”[3]
وعن أبي هريرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)[4]
وقد حدَّدت القوانين في بعض البلدان سنَّ الزواج؛ فبعضُها حدَّدَه بسن 15 للفتاة و 16 للفتى، وبعضها بسنِّ 17 وبعضها بسنِّ 18، والدافع لسنِّ هذه القوانين منعُ تزويج الصغار دون سن البلوغ، لما يترتب عليه من استغلال الصَّغير وقهره على شيء لا يحتاجه، لذا كانت هذه القوانين موافقة لمقتضى الآية 6 من سورة النساء. وعليه يلزم العمل بها.
[1] انظر مقالة أ.د عبد العزيز بايندر، (حكم الشرع في زواج الصغار) على الرابط التالي http://www.hablullah.com/?p=2897
[2] تفسير القرطبي 12/ 236
[3] أخرجه البخاري (1905) و (5065) ، ومسلم (1400) (2) ، وأبو داود (2046) ، والنسائي في “المجتبى” 4/170 و6/57، وفي “الكبرى” (2549) و (5317) ، وابن ماجه (1845) وابن حبان (4026) وأبو يعلى (5192) والدارمي 2/132
[4] رواه الترمذي (1084) وابن ماجة (1967) ، وحسنه الألباني في الإرواء: (1868)
أضف تعليقا