د. جمال نجم
المسحُ على القدمين هو ما نصَّت عليه آيةُ الوضوء. بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (المائدة، 6).
في الآية ثلاثة أدلة على أن الواجب في القدمين المسح وليس الغسل:
الأول: قوله تعالى “وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ”
وقوله تعالى “وَأَرْجُلَكُمْ” جاء معطوفاً على “وامسحوا برؤوسكم” وأمَّا نصب “وَأَرْجُلَكُمْ” فجاء لنزع الخافض نصباً على المحلِّ. وقد قرأها البعض “وأرجلِكم” بالكسر عطفاً على الظَّاهر.
وكلا القراءتين تُوجب المسحّ على القدمين؛ لأنَّ “برؤوسكم” في قوله تعالى : “فامسحوا برؤوسكم” جاء في محلِّ النّصب بامسحوا لأنَّه المفعول به ، ولكنَّها مجرورةٌ لفظاً بالباء، فإذا عُطفت الأرجل على الرُّؤوس جاز في الأرجل النصب عطفاً على محلِّ الرؤوس، وجاز الجرُّ عطفاً على الظَّاهر.
الثاني: قوله تعالى “فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ”
هذا الجزء من الآية يبين كيفية التيمم عند عدم الماء، فقد نصت على مسح الوجه واليدين، وكأنها قررت قاعدة في التيمم، وهي: مسحُ ما يُغسَل في الوضوء وإسقاطُ ما يُمسح.
الثالث: قوله تعالى “وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ”
تختم الآية بأن تشريع الله تعالى الوضوء والتيمم جاء لتحقيق الطهارة للمؤمن دون إيقاعه بالحرج، وقد أتمَّ الله تعالى نعمتَه على المؤمنين بإيجاب مسح الرِّجلين في الوضوء بدلا من غسلهما، حيث كان الغسل واجبا في الشرائع السابقة، فنسخَ مسحُ الرجلين غسلَهما وذلك من تمام نعمة الله تعالى الوارد في الآية.
نفهم مما سبق أن حكم الرِّجلين في الوضوء هو المسح وليس الغسل. ويُصبح الغسل واجباً إذا كان على القدم نجاسةٌ، ولا يُجزئ المسحُ حينئذٍ. كما ينبغي الغسل إذا كان القدمان متَّسخين بالعرق والغبار وغير ذلك وخاصَّة عند دخول المساجد. لذا وردت روايات تدلُّ على أن النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم غسل قدميه في الوضوء كما سنورده في موضعه.
وأمَّا قوله تعالى (إلى الكعبين) فيفيد المسح على القدمين لا على الرِّجلين كلِّهما. ولم يُذكر في الآية صفةُ القدمين حين المسح عليهما، أي لم يُذكر كونهما ملبوسين بالخفَّين والجوربين أو بغيرهما.
وقد وجدنا أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يمسح على قدميه إذا كانتا طاهرتين، كما كان يمسح على خفَّيه وجوربيه إذا كانا طاهرين وقد لبسهما على طهارة كما سيظهر في الأحاديث التي سنوردها.
والمقصود بالطَّهارة أي حال كون القدمين لم تمسَّهما نجاسةٌ. وكون الخفَّين أو الجوربين لم تمسَّهما نجاسةٌ كذلك.
الأحاديث الواردة في المسح على القدمين
عن رفاعة بن رافع – أنَّه سمع رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: «إِنَّهَا لَا تَتِمُّ صَلَاةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ, فَيَغْسِلُ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَيَمْسَحُ بِرَأْسِهِ, وَرِجْلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ»[1]
ويُلاحظ أنَّ النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم قد استخدم تعبير الآية في الدَّلالة على وجوب المسح على القدمين.
وروى إسحاق بن راهويه بسنده عن علي كرم الله وجهه أنَّه قال «كنت أرى باطن القدمين أحقَّ بالمسح حتى رأيتُ رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – يمسح ظاهرهما»[2].
والحديث يُبيِّن حدّ ما يُمسح من القدمين، وهو ظاهرهما، لأنَّ المسح على ظاهر القدم هو المتبادر من قوله تعالى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}.
أمَّا رأي علي بأنَّ باطن القدم أولى بالمسح من ظاهره فكان تفسيراً مادِّيَّاً للأمر الإلهي، وقد علم بطلانَه لمَّا رأى النَّبيَّ يمسح ظاهر القدمين. فالنَّبيُّ فهم الأمر كما هو، دون تفسيرٍ خاص. لأنَّه لو قال لك أحدُهم امسحْ قدمَك فإنَّك ستُبادر لمسح ظاهر القدم لا باطنه سواء كنتَ تلبس شيئاً أو لا. لذلك وجدنا النَّبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم يمسح قدميه كما ورد في حديثي رفاعة وعلي السابقين، كما كان يمسح على الخفَّين والجوربين والنعلين إذا كانا طاهرين كما يظهر من خلال الأحاديث التَّالية:
الأحاديث الواردة في المسح على الخفَّين والجوربين والنعلين
عن سَهْلٍ السَّاعِدِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَأَمَرَنَا بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ»[3]
وعَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، وَأَنَّهُ ذَهَبَ لِحَاجَةٍ لَهُ، وَأَنَّ مُغِيرَةَ «جَعَلَ يَصُبُّ المَاءَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ، وَمَسَحَ عَلَى الخُفَّيْنِ» [4]
وفي رواية لمسلم «فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ثُمَّ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْن»[5].
وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ المُغِيرَةِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَأَهْوَيْتُ لِأَنْزِعَ خُفَّيْهِ، فَقَالَ: «دَعْهُمَا، فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ». فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا[6]
وعن المغيرة بن شعبة «أنَّ رسول الله توضأ ومسح على الجوربين والنَّعلين»[7]
يقول ابن المنذر: “ويُروى إباحةُ المسح على الجوربين عن تسعةٍ من أصحاب رسول الله – صلَّى الله عليه وسلَّم -؛ علي، وعمار، وابن مسعود، وأنس، وابن عمر، والبراء، وبلال، وابن أبي أوفى، وسهل بن سعد”[8].
وذكر أبو داود في السُّنن: “ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب، وابن مسعود، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وأبو أمامة، وسهل بن سعد، وعمرو بن حريث وروي ذلك، عن عمر بن الخطاب، وابن عباس”[9].
الأحاديث الواردة في غسل القدمين
عن عبد الله بن زيد بن عاصم المازني ، أنَّه “رأى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم توضَّأ فمضمض، ثم استنشق، ثم غسل وجهه ثلاثاً، ويده اليمنى ثلاثاً، والأخرى ثلاثاً، ومسح رأسَه بماءٍ غير فضل يده، وغسل رجليه حتَّى أنقاهما “[10]
عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ حُمْرَانَ، رَأَيْتُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، تَوَضَّأَ فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ ثَلاَثًا، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اليُمْنَى إِلَى المَرْفِقِ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ اليُسْرَى إِلَى المَرْفِقِ ثَلاَثًا، ثُمَّ مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ اليُمْنَى ثَلاَثًا، ثُمَّ اليُسْرَى ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ نَحْوَ وَضُوئِي هَذَا ثُمَّ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لاَ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ فِيهِمَا بِشَيْءٍ، إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»[11]
ورُوي عن عليٍّ رضي الله عنه أنَّه ” توضَّأ فمضمض ثلاثاً، واستنشق ثلاثاً، من كفٍّ واحدٍ، وغسل وجهه ثلاثاً، ثم أدخل يدَه في الركوة فمسح رأسَه، وغسل رجليه ” ثم قال: ” هذا وضوء نبيِّكم صلَّى الله عليه وسلَّم ” [12]
رأي القائلين بأنَّ الغسل أصلٌ والمسح رخصةٌ
ومَنْ جعل الغسلَ أصلاً والمسح رخصةً جعل قوله تعالى “وأرجلَكم” معطوفاً على قوله تعالى “وجوهَكم” والتقدير عندهم: فاغسلوا وجوهَكم وأرجلَكم. ثم أثبت رخصة المسح بما روي عنه صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه مسح على الخفَّين.
لكنَّ هذا النوع من العطف لم نجد ما يؤيده في كلام العرب، أي العطف على جملة سابقة حال بين المعطوف والمعطوف عليه جملةٌ فعليَّةٌ تامَّةٌ مُنشئةً حكماً جديداً.
قال الرَّازي في تفسيره: “ظَهَر أنَّه يجوز أن يكون عاملُ النَّصب في قوله وأرجلكم هو قوله وامسحوا ويجوز أن يكون هو قوله فاغسلوا لكن العاملان إذا اجتمعا على معمول واحد كان إعمال الأقرب أولى، فوجب أن يكون عاملُ النَّصب في قوله وأرجلكم هو قوله وامسحوا فثبت أنَّ قراءة وأرجلكم بنصب اللام توجب المسح أيضاً، فهذا وجهُ الاستدلال بهذه الآية على وجوب المسح”[13] ـ
وقد رجَّح الرازي عدمَ الجواز، إلَّا أنَّ قوله بجواز هذا النوع من العطف ولو بدرجةٍ أقلّ هو تصرُّفٌ منه لا يقبله عرفُ اللغة، ويبدو أنَّه ادَّعى احتمال الجواز مسايرة للقائلين بوجوب غسل القدمين في الوضوء.
أمَّا أبو حيَّان الأندلسي وهو من أئمَّة النحو والعربيَّة فكان أكثرَ صواباً في توجيه المسألة حيث قال في تفسيره: “وَقَرَأَ نَافِعٌ، وَالْكِسَائِيُّ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَحَفْصٌ: وَأَرْجُلَكُمْ بِالنَّصْبِ. وَاخْتَلَفُوا فِي تَخْرِيجِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ، فَقِيلَ: هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ: وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ، وَفِيهِ الْفَصْلُ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ بِجُمْلَةٍ لَيْسَتْ بِاعْتِرَاضٍ، بَلْ هِيَ مُنْشِئَةٌ حُكْمًا… وَقَالَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عُصْفُورٍ: وَقَدْ ذَكَرَ الْفَصْل بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ، قَالَ: وَأَقْبَحُ مَا يَكُونُ ذَلِكَ بِالْجُمَلِ، فَدَلَّ قَوْلُهُ هَذَا عَلَى أَنَّهُ يُنَزِّهَ كِتَابَ اللَّهِ عَنْ هَذَا التَّخْرِيجِ. وَهَذَا تَخْرِيجُ مَنْ يَرَى أَنَّ فَرْضَ الرِّجْلَيْنِ هُوَ الْغَسْلُ”[14].
ويجزم ابنُ حزم الظاهري في المحلَّى بأنَّ القرآن نزل بالمسح بقوله: “وأمَّا قولنا في الرِّجلين فإنَّ القرآن نزل بالمسح. قال الله تعالى: {وامسحوا برءوسكم وأرجلكم} [المائدة: 6] وسواء قُرئ بخفض اللام أو بفتحها هي على كل حال عطف على الرءوس: إمَّا على اللفظ وإمَّا على الموضع، لا يجوز غير ذلك. لأنَّه لا يجوز أن يُحال بين المعطوف والمعطوف عليه بقضية مبتدأة”[15].
دليلهم من السُّنَّة
ويحتجُّون أيضاً بما رُوي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأَدْرَكَنَا – وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ – وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا [16]
فقالوا لو كان المسحُ هو المطلوب فِعْلُه من المسلم لما قال النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ويلٌ للأعقاب من النَّار فدلَّ ذلك أنَّ الغسل هو الواجب. يقول الترمذي بعد روايته لأحد طرق الحديث: “وفقه هذا الحديث أنَّه لا يجوز المسح على القدمين إذا لم يكن عليهما خفَّان أو جوربان”[17].
ويُردُّ هذا الاستدلال بالقول أنَّ هذه الرواية على تعيُّنِ المسح أدلُّ من دلالتها على غسل الرِّجلين، فإنَّها صريحةٌ في أنَّ الصَّحابة رضوان الله عليهم يمسحون، وهذا دليلٌ على أنَّ المعروف عندهم هو المسح، ولا يمكن أن نتصوَّر أنَّ جمعاً من الصَّحابة منهم علماء وفقهاء كعبد الله بن عمرو لا يعلمون حكماً شرعيَّاً تعمُّ به البلوى ويتكرر حدوثه كل يوم مرَّات عديدة.
ولعلَّ أمرَ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بالغسل يومئذ كان لاحتمال إصابة أقدامهم نجاسة لطول السفر وانقطاع الماء عنهم.
ويحتمل أن يكون إنكارُ النَّبيِّ عليهم لعدم إحسانهم الوضوء لأنَّهم كانوا في عجلةٍ من أمرهم، ومعروف أنَّه يُقال لكل ما يُترك عقب، فيصحُّ القول أنَّ العضو المطلوب غسله أو مسحه إذا لم يُستوعب بالغسل أو المسح فإنَّ المتبقي منه يُسمَّى العقب، ووجود العقب رغم أمر الله تعالى بالإتمام موجبٌ للإثم، وهو ما حذَّر منه النَّبيُّ بقوله “ويلٌ للأعقاب من النَّار”. ويؤيِّد هذا الفهمَ أمرُ النَّبيِّ باسباغ الوضوء وصبِّ الماء على المكاره في أكثر من مناسبة.
الاحتكام الى الآثار دون ردِّها الى الكتاب
وقد اتَّفق الفقهاءُ على جواز المسح على الخفَّين، واختلفوا في المسح على الجوربين فأجاز ذلك قومٌ ومنعه آخرون.
وممَّن منعَ ذلك مالكُ والشافعيُّ وأبو حنيفة، وممَّن أجاز ذلك أبو يوسف ومحمد صاحبا أبي حنيفة وسفيان الثوري.
وسببُ اختلافهم: اختلافهم في صحَّة الآثار الواردة عنه – عليه الصَّلاة والسَّلام – أنَّه مسحَ على الجوربين والنَّعلين. واختلافهم أيضاً في: هل يُقاس على الخفِّ غيرُه أم هي عبادةٌ لا يُقاس عليها ولا يتعدَّى بها محلها ؟ فمَنْ لم يصح عنده الحديثُ أو لم يبلغه، ومَنْ لم ير القياس على الخفِّ قَصَرَ المسح عليه، ومَنْ صحَّ عنده الأثر، أو جوَّز القياس على الخفِّ أجاز المسح على الجوربين[18].
إنَّ اختلاف الفقهاء في المسح هو نتيجةٌ طبيعيَّةٌ للاحتكام إلى الرِّوايات بمعزلٍ عن القرآن الكريم، فالاحتكام إلى التَّابع دون المتبوع هو الخروجُ عن الصِّراط.
إنَّ القرآن الكريم هو كلامُ الله الفصل الذي يجب أن يُنظر إليه في كلِّ مسألة، والبحثُ عما يوافقُه من الرِّوايات المنسوبة للنَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقولنا أنَّه لا يجوز الاحتكامُ إلى الرِّوايات بمعزلٍ عن القرآن، فلأنَّها نُقلت وجُمعت بجهد البشر الذين يقع منهم الخطأُ والنسيان. والحقُّ يقتضي أن تخضع جميعُ الرِّوايات لميزان الكتاب في كلِّ مسألة وبذلك نستطيع أن نصل إلى الحكم الصحيح.
ولو احتكم الفقهاءُ إلى القرآن في المسألة وفهموا الأحاديث على ضوئه لمَا حصل الخلافُ بينهم، فالآية واضحةُ الدَّلالة في إيجاب المسح على القدمين سواء بقراءة “وأرجلكم” بالنصب أو بالكسر؛ فكلاهما معمولٌ لقوله تعالى “وامسحوا” كما بيناه في موضعه. ويؤيِّد ذلك ما نقلناه من رواياتٍ عن النَّبيِّ والصَّحابة في جواز المسح على القدمين سواء كانتا ملبوستين أو عاريتين.
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
موقع حبل الله www.hablullah.com
[1] الحاكم في المستدرك (881) وقال حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وأبو داوود (858) والترمذي، (1467). والنسائي (1313)[قال الألباني]: حسن صحيح والسنن الكبرى للبيهقي، باب التسمية على الوضوء، 197 وابن ماجة، 460
[2] أخرجه أبو داود (163) ، والبزار (788) ، والدارقطني في “السنن” 1/199 والنسائي في “الكبرى” (119) وأخرجه الدارقطني في “العلل” 4/47 من طريق سفيان الثوري، والبيهقي 1/292 وابن أبي شيبة 1/19 وأحمد في المسند (917) و (918) و (1013) و (1014) و (1015) و (1264)
[3] سنن ابن ماجة، (547) قال الألباني: صحيح
[4] صحيح البخاري (182)
[5] صحيح مسلم (274)
[6] صحيح البخاري (206)
[7] أخرجه أبو داود (159) ، والترمذي (99) وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجه (559) ، والنسائي في “الكبرى” (130) ، وابن خزيمة و (198) ، والطبراني في “الكبير” 20/996 وابن أبي شيبة 1/188،
[8] المغني، ابن قدامة، الناشر: مكتبة القاهرة 1388هـ. 1/215
[9] سنن أبي داوود، باب المسح على الجوربين، (159)
[10] أخرجه مسلم (236) ، وأبو داود (120) ، والترمذي (35) ، وأحمد (16467) ورواه مختصرا برقم (16440) ومطولا برقم (16459) وابن خزيمة (154) ، وابن حبان (1085) ، والبيهقي في “السنن” 1/65
[11] صحيح البخاري (1934)
[12] أخرجه أحمد في المسند (989) (1178) وابن ماجه (404) وأخرجه الطيالسي (149) ، والبزار (937) ، والنسائي 1/68-69 و69، والطحاوي 1/35، والبيهقي 1/50-51
[13] تفسير الرازي (11/305)
[14] التفسير المحيط، تفسير الاية 5 من سورة المائدة 4/192
[15] المحلى، باب مسألة الرجلان في الوضوء 1/301
[16] رواه البخاري (165) ، ومسلم (242) (28) (29) (30) ، وأحمد (7122) و (9304) و (9554) وغيرهم
[17] سنن الترمذي، باب ما جاء ويل للأعقاب من النار، (41)
[18] بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ابن رشد الحفيد (المتوفى: 595هـ) دار الحديث – القاهرة 1425هـ. باب المسح على الخفين 1/26
جزاك الله خيرا .مكثت عشرات السنين وانا اغسل القدمين.. والآن..امسحهما !!غفر الله لعلماء المسلمين لتسييسهم الاسلام.
ما شاء الله. مجهود معتبر و مفاجأه لى. إﻻ أن حديث على كرم الله وجهه و رضى عنه كان فى المسح على الخف فقط و لم يكن قوﻵ مطلقآ على عموم المسح. و نحن نمسح فى الوضوء من غير إرتداء جورب أو خف. على عموم القدم… أقرأ إن شئت حديث تخليل اﻷصابع.
أتمنى منكم وضع فقرة الحكم النهائي في نهاية كل موضوع Conclusion، وذلك لأنني فعلا لا أحب قراءة خلاقات المفتين والفقهاء، واحب أن اطمئن في البداية إلى الحكم النهائي.
في إحدة المرات جعل الشيخ يخطب في الجمعة ويخطب ويسوق أدلة ويدخل احاديث وآيات … لكي يقنع الحاضرين بمعتقده بأن الصلاة على النبي يجوز تسييده فيها كأن نقول “اللهم صل على سيدنا محمد” وبعد أن أفرغ جعبته من الأدلة … قال بانشراح … فالآن بإمكانك أن تقول سيدناااااا محمد بملء فيك … وأنت تستلذ بسيادة سيدناااااا محمد على قلبك وجوارحك !!!
طيب هو سيد الخلق ولكن الوارد الصحيح في الصلاة عليه بأن يقال اللهم صل على محمد وعلى آل محمد …
جزاكم الله خيرا، لا تعلمون كم غيروا وبدلو اجتهدو في غير موضعه، لا تعلمون كم أثمن جهودكم وأدعو لكم بالتوفيق والسداد.
فهمي من الموضوع بأن المسح على القدمين جائز ويغني عن الغسل، أرجو التأكيد.
المسح هو الأصل والغسل يغني عنه، لأن الآية واردة بالمسح وليس بالغسل.
بعض الأحيان يصعب رفع الارجل لكبر السن أوعدم وجود لياقة بدنية كافية برفع الرجل الي حوض الغسل وبالتالي فان المسح فقط يعتبر صحيح ؟؟ هل هذا صواب ام لا ؟؟
المسح صحيح في كل الحالات، لأنه الأصل الذي نصت عليه آية الوضوء
فعل الرسول شرح للقرآن، وبما أنه ثبت غسل القدمين عن الرسول والمسح للخف فلا داعي لتفسيرات أخرى، فهذه التفسيرات تفرق المسلمين إذ تعطي إيهاما أنه غير ممكن التثبت من فعل النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا خطير جدا، أرجو أن لا تقعوا فيما وقع به السابقون.
ورود روايات كثيرة تفيد بأنَّه _صلى الله عليه وسلم_ مسح على قدميه وخفيه ونعليه وجوربيه، هو تأكيدٌ على أنَّ المطلوب مسحُ القدم وليس غسله، ويستوي في المسح أن يكون القدم عاريا أو ملبوسا بنعل أو جورب أو خف، كما دلت عليه آية الوضوء {فامسحوا برؤوسكم وأرجلكم} أما الغسل فهو يقوم مقام المسح، لأنَّ المسح داخلٌ فيه صورة ومعنى، لكنَّه ليس واجبا، وربما قام به النبي صلى الله عليه وسلم للنظافة أو التَّبرُّد. ولذلك ما ورد في المقالة ليس “تفسيرات أخرى” إنما هو عبارة النَّص في الآية وتطبيق النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلم.
أحسنتم وجزيتم ألف خير، المسح هو الأصل …
أحسنت وتجملت بارك لكم اللة لكم.
وقضى اوضحتكم كل شيء بميزان كتاب الله سبحانه وتعالى.