السؤال: أنا امرأة مقبلة على الزواج ولدي حاجبان سميكان، وقد عزمت على تهذيبهما، لكني سمعت من يقول بأن المرأة التي تهذِّب حاجبيها ملعونة، فما رأيكم في هذه المسألة؟
الجواب: يجب التفريق بين نمص الحاجبين وبين تزجيجهما ، فالنمص هو نتفهما (استئصالهما)، وأما التزجيج فهو تهذيبهما وإزالة الزائد منهما.
جاء في كتاب العين للفراهيدي : امرأةٌ نَمصاءُ، وهي تَتَنَمَّصُ: أي تأمر نامِصةٍ فتَنْمِصُ شَعْرَ وَجْهها نَمْصاً، أي تأخُذُه عنها بخَيطٍ فَتَنتَفُه. والنَّميصُ والمَنْمُوصُ من النَّبات: ما أَمْكَنَكَ جَذُّه وما أمكَنَكَ من الشَّعرِ الانتِتاف فهو نَميصٌ[1]. وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ: رَجُلٌ أَنْمَصُ: الَّذِي لَيْسَ لَهُ حَاجِبَانِ وَامْرَأَةٌ نَمْصَاءُ[2].
أما تزجيج الحاجبين فهو تهذيبهما، يقال: فِي الحاجبين الزَّجَجُ، وَهُوَ طُولُهما ودِقَّتهما وسُبُوغُهما إِلَى مُؤَخَّر الشّعْر. رجل أزَجُّ وَامْرَأَة زَجَّاءُ وَقد زَجَّجَت المرأةُ حاجِبَيْها أطالَتْهما بالإثْمِد، والأَزَجُّ الَّذِي حَسُنَ مَخَطُّ حاجبيه ورَقَّ شَعَرُه فِي مَنابِته[3]. يقول الشاعر[4]: إِذا مَا الغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْماً وزَجَّجْنَ الحَوَاجِبَ والعُيُونَا . إِنما أَراد: وكَحَّلْن العيونَ. وتَزْجِيجِ الحواجبِ، وَهُوَ حَذف زَوائدِ الشَّعر[5] .
وبناء على ما سبق من التفريق بين النمص والتزجيج نستطيع القول بجواز تهذيب الحاجبين لمن كان في حاجبيها غلظة، ويؤيد ذلك ما رواه الطبري من طريق أبي إسحاق عن امرأته أنها دخلت على عائشة وكانت شابة يعجبها الجمال فقالت: المرأة تحف جبينها لزوجها، فقالت: “أميطي عنك الأذى ما استطعت”[6]
فإزالة الشعر الزائد من الحاجبين، سواء كان فوقهما أو تحتهما أو واصلا ما بينهما: جائز لا حرج فيه، ولم يرد فيه نهي خاص.
أما النمص أي نتف شعر الحاجبين بالكلية فقد ورد فيه النهي في الحديث المشهور، وقد قيل إن إزالة شعر الحاجبين بالنمص كان من أشهر شعار الفاجرات قديما، لذا ورد النهي عنه تنزيها للمؤمنة من أن تتشبه بالفاجرة.
وقد ورد الحديث بهذه الصيغة:
عَنْ عَبْدِ اللهِ (ابن مسعود)، قَالَ: «لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ، وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ» قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ وَكَانَتْ تَقْرَأُ الْقُرْآنَ، فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ: مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أَنَّكَ لَعَنْتَ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ، لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللهِ: «وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟»[7]
اللعن هو الطرد من رحمة الله تعالى، وهو إعلان الشخص خارجا من دينه سبحانه، وبالتأكيد فإن المرأة التي نزعت شعر حاجبيها لا تكون قد خرجت من الدين لتستحق اللعن أي الطرد من رحمة الله، وبناء عليه فلا بد أن يكون اللعن الوارد في الحديث من تصرف الرواة، خاصة إذا علمنا أن أقوال النبي صلى الله عليه وسلم لم تُنقل حرفيّا بل تناقلت على ألسن آحاد الرجال بالمعنى، وربما تتغير الألفاظ من راو إلى آخر.
ويؤيد ما ذكرنا ورود الحديث بالنهي دون اللعن عن ذات الصحابي كما في الرواية التالية:
فقد روى احمد في مسنده عن ابن مسعود انه قال «فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن النامصة والواشرة والواصلة والواشمة إلا من داء»[8] والمقصود النهي عن هذه الأفعال.
إن اللعن على أصحاب المعاصي لا يتوافق مع منهج القرآن الكريم الذي لم يستخدم اللعن إلا في حالة الكفر بعد الايمان. وذلك من قبيل قوله تعالى:
{قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ. وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} (ص، 78)
{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (البقرة، 89)
{إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا} (الأحزاب، 64)
ولم يرد اللعن في القرآن الكريم على أصحاب المعاصي من المؤمنين، لذا لا نقبل اللعن الوارد في بعض الأحاديث على أنه قول النبي صلى الله عليه وسلم بل هو من تصرِّف الرواة لا غير.
ولم يكن اللعن من منهج النبي مطلقا، وكان ينهى أصحابه عنه، كما ورد في الحديث التالي:
«إن المؤمن ليس باللعان، ولا الطعان، ولا الفاحش، ولا البذيء»[9].
ننصح بقراءة الفتوى ذات الصلة (من يستحق اللعن) على الرابط التالي http://www.hablullah.com/?p=2740
[1] العين، مادة نمص، 7/138
[2] غريب الحديث، باب نمص 2/828
[3] المخصص لابن سيده ، الحاجب 1/95
[4] الراعي النميري في ديوانه ص269
[5] تاج العروس، زجج، 6/6
[6] انظر مسند ابن الجعد، 451 ومصنف عبد الرزاق الصنعاني، 5104
[7] صحيح مسلم، 120 – (2125)
[8] مسند احمد، 3945 وأخرجه النسائي في “المجتيى” 8/146 والطبراني في “الكبير” (9468)
[9] رواه البخاري في “الأدب المفرد” (332) ، والترمذي (1977) ، وأبو يعلى (5369) ، والحاكم 1/12، وأبو نعيم في “الحلية” 4/235 و5/58، والبيهقي في “السنن” 10/243، وقد صححه الألباني في «الصحيحة» (876)
جزاك الله خيرا.
خطأ يتغنى به المستسلفون المتشددون شدد الله عليه.
أرى انكم تستخدمون احاديث غير مدعمة للقرآن أحيانا وأحيانا ترفضوها.
ممكن أن تعطينا مثالا؟